كما على البرّ كذلك في البحر، ينتهك العدو الإسرائيلي السيادة اللبنانية باختراقه الحدود اللبنانية البحرية عبر ما يُعرف بـ«خطّ العوّامات» (9 «عوّامات» وضعها العدو بعد انسحابه من جنوب لبنان عام 2000)، الذي يمتدّ بطول نحو 5 كيلومترات غرب رأس الناقورة.لم يكن «خط العوّامات» ناجماً عن صدفة إسرائيلية رافقت التحرير. ورغم أن العدو ادّعى في حينه أن الهدف منه منع الصيادين اللبنانيين من العبور إلى شواطئ فلسطين المحتلة، إلا أن الهدف الذي بقي مضمراً إلى حين بدء الحديث عن تحديد معالم حدود لبنان البحرية، ومحاولة تل أبيب تكريس «خط العوّامات» حدوداً بفعل الأمر الواقع، إذ تبيّن أن الغاية الإسرائيلية من «العوّامات» في الأساس هي محاولة العبث بإحداثيات الحدود البرية للبنان مع فلسطين المحتلة، خصوصاً عند النقطة «B1» البرّية التي تُشرف على نقطة رأس الناقورة، وتشكّل أساساً لإحداثيات الحدود التي تنطلق منها. هذه الأهمية الاستراتيجية لرأس الناقورة دفعت العدو إلى تحريك الـ«B1» شمالاً داخل الأراضي اللبنانية، ما شكّل أحد التحفّظات اللبنانية كونها تؤثّر على مسار خطّ تحديد الحدود، كما حصل إبّان المفاوضات على ترسيم الحدود البحرية.
وتُظهر خرائط للحدود البحرية حصلت عليها «الأخبار»، منطقة خرق دائم للسيادة اللبنانية في البحر نتيجة العوّامات الإسرائيلية وعددها 9، والتي تنطلق من النقطة الصفر عند رأس الناقورة وتنتهي بالنقطة 20 على الخط المعتمد في اتفاقية الترسيم (خط 23)، قاطعاً نحو 5 كلم، وقاضماً مساحة تُقدّر بـ 2.28 كلم مربع من المياه الإقليمية اللبنانية قبل أن ينحني جنوباً ويلتقي بالخط 23. هذا الخرق الدائم في البحر منذ عام 2000، لا يقل أهميةً عن خرق الغجر بما له من تداعيات أمنية وعسكرية واقتصادية وجغرافية، ويضاف إلى لائحة التحفظات والخروقات الإسرائيلية لـ«الخط الأزرق» والحدود اللبنانية.
من هنا، يمكن اعتبار أن مغالطة كبيرة حصلت في ظل اتفاق الترسيم البحري للحدود البحرية اللبنانية بفصْل الحدود البحرية عن الحدود البرّية، إذ إنّ كلمة «الحدود» تعني كامل الحدود، ولا تحتمل تقسيمها إلى أجزاء بحسب طبيعة الأرض من مياه أو يابسة، وإنْ كان يحدها نهر أو بحر أو بر. وبحسب الدستور اللبناني، فإنّ لبنان دولة مستقلة ذات وحدة لا تتجزّأ وسيادة تامّة، ولا يجوز التخلي عن أحد أقسام الأراضي اللبنانية أو التنازل عنه، كما لا يجوز تعديل حدود المناطق الإدارية إلا بموجب قانون. وعليه، لا يجوز فصْل السيادة وتجزئتها وفقاً لاتفاقات آنية، أو لمصلحة اقتصادية.
وقد ورد في اتفاق الحدود البحرية الأخير أن الطرفين اتفقا على «إنشاء خط حدودي بحري، يشتمل على نقاط (موضَّحة في إحداثيّات محددة) تتّصل ببعضها، وفقاً لبيانات النظام الجيوديسي العالمي WGS84 بواسطة خطوط جيوديسيّة، وتحدّد هذه الإحداثيات الحدود البحرية على النحو المتّفَق عليه بين الطرفين لكلّ النقاط الواقعة باتجاه البحر من أقصى نقطة شرقي خط الحدود البحرية، ودون أيّ مساس بوضع الحدود البريّة»، وأشار إلى أنه «بهدف عدم المساس بوضع الحدود البريّة في المستقبل، فإنّه من المتوقَّع قيام الطرفين بترسيم الحدود البحرية الواقعة على الجانب المواجِه للبرّ من أقصى نقطة شرقي خط الحدود البحرية في سياق ترسيم الحدود البريّة أو في الوقت المناسب بعد ترسيم الحدود البريّة. وإلى أن يحين الوقت الذي تُحدَّد فيه تلك المنطقة، يتّفق الطرفان على إبقاء الوضع الراهن بالقرب من الشاطئ على ما هو عليه، بما في ذلك على طول خط العوّامات البحرية الحالي وعلى النحو المحدَّد بواسطته، على الرغم من المواقف القانونية المختلفة للطرفين بشأن هذه المنطقة التي لا تزال غير محدَّدة».
الخرق الدائم في البحر لا يقل أهميةً عن خرق الغجر بما له من تداعيات أمنية وعسكرية واقتصادية وجغرافية


يُظهر ما ورد في نصّ الاتفاق، خصوصاً لناحية تحديد نقاط العوّامات واستحداث منطقة غير واضحة المعالم والأهداف، أنها ليست سوى منطقة خرق دائم للعدو الإسرائيلي تبلغ مساحتها 2.28 كلم مربع. وبالنظر إلى الخرق الدائم في منطقة رأس الناقورة، بين رأس الناقورة والبوابة التي وضعها العدو الإسرائيلي على «الخط الأزرق»، والشريط الشائك الذي يقع شمالي الخط وتبلغ مساحته حوالي 234 متراً مربعاً، يظهر أنه مكمّل لخرق «خط هوكشتين» مع نقاط العوّامات. الأمر الذي يؤكد أن هذه المنطقة لم يتم إبقاؤها «منطقة خرق» في البحر من قبيل الصدفة، بل ليتمكّن العدو عند استكمال الترسيم البرّي، بحسب زعمه، من تثبيت نقطة الخرق البرّي عند رأس الناقورة لتصبح مع الزمن منطقة فصْل لا يمكن فصلها عمّا يسمى المنطقة العازلة أو المنطقة الممنوع على الدولة اللبنانية فرض سيادتها عليها، مكرّساً بذلك الواقع الموجود بحراً وبراً، ومعادلة السيادة الكلية لهاتين المنطقتين كمنطقة واحدة مخروقة من قبله، في حين تكون الدولة اللبنانية هي التي قبلت بتجزئة سيادتها براً وبحراً.

(الأخبار)()