يتدرّج التصعيد في المنطقة بشكل ملحوظ، انطلاقاً من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وربطاً بإشارات الاستعداد للتحرّك، الصادرة عن ساحات عدة نصرةً للقطاع. وفيما النقاش دائر في إسرائيل حول التدخل البرّي في غزة وشكله ومستواه، يبدو أن الولايات المتحدة اختارت إرسال مزيد من رسائل «الردع»، على شكل تعزيز مطّرد لوجودها في المنطقة، إلى إيران وقوى المقاومة وفصائلها. وعلى رغم كمّ المجازر التي ارتكبها العدو، أثبتت المقاومة في غزة حُسن إدارتها للمعركة وتحكّمها في مفاصل أساسية فيها، إن كان عبر الرشقات الصاروخية غير المنقطعة عن المدن والمستوطنات على مديات متعدّدة، أو عبر العمليات المستمرّة على الأرض، وآخرها العملية النوعية التي نفّذتها قوة من الضفادع البشرية التابعة لـ«كتائب القسام»، عبر تمكّنها من التسلّل بحراً والنزول براً على شواطئ «زيكيم» جنوب عسقلان المحتلة، حيث خاضت اشتباكات مسلّحة مع جيش الاحتلال، الذي أقرّ متحدّث باسمه بالعملية، وقال إن عناصر الكوماندوس البحري الفلسطيني تسلّلوا عبر نفق إلى البحر ثمّ إلى شاطئ «زيكيم»، لتؤكد هذه الأحداث ما قاله المراسل العسكري لصحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية من أننا «في اليوم الـ 18 للحرب، ومن يقود الأمور ويحدّد وتيرة الأحداث هو حماس وليس نحن».على أيّ حال، أتت هذه التطورات لتسعّر النقاش الإسرائيلي الدائر حول العملية البرّية المرتقبة، والتي تتعالى أصوات عبرية وغير عبرية بالتحذير منها، خصوصاً لناحية عدم جهوزية جيش الاحتلال لتحمّل تبعاتها الميدانية. وفي هذا الإطار، قال مفوّض شكاوى الجنود السابق في جيش العدو، يتسحاق، والذي قصده رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أكثر من مرة للوقوف عند رأيه حيال الهجوم البري: «أوصيت رئيس الحكومة بالتريث. الجيش الإسرائيلي ليس جاهزاً. ودخوله قد يدفع الأمور الى حرب إقليمية»، منبهاً إلى أن «قوات كبيرة ستقف في المستنقع الغزاوي وستتعرّض لنيران قاسية على مدى أشهر». كذلك، كان لافتاً ما نشرته قناة «كان» العبرية نقلاً عن صحيفة «نيويورك تايمز» التي نقلت بدورها عن مسؤولين رفيعي المستوى في الولايات المتحدة قولهم إنهم «قلقون لأنه ليست لدى إسرائيل خطة لهزيمة حماس، التي طوّرت الكثير من قدراتها عمّا كانت عليه عام 2008»، ما دفع صحيفة «معاريف»، من جهتها، إلى البناء على ذلك للقول إن «الدخول البرّي إلى غزة لن يكون نزهة».
وفي ظلّ الإرباك الذي غلب على المشهد الإسرائيلي، في حرب وصفها رئيس أركان الجيش، هرتسي هاليفي، بأنها جاءت في أعقاب حدث لم تشهد له الدولة مثيلاً منذ قيامها، بدا الرجل كمن يدافع عن موقفه أمام حملة التشكيك التي طاولت جيشه في الأيام الأخيرة، مؤكّداً «الجهوزية والاستعداد» لمواصلة هذه الحرب، ومسهباً في شرح مبرّرات التأخير، ما يشير إلى حالة الإرباك التي تسبّبها مراوحة الجيش مكانه في الميدان. مراوحةٌ عانت منها، في الواقع، كلّ حروب إسرائيل السابقة، لكن مع فروق، وهي أن كل مسؤول يفكّر من الآن بما سيكون عليه موقفه وما سيقوله لتبرئة نفسه، أمام لجان التحقيق التي ستنظر لاحقاً في أسباب الحرب ومجرياتها ونتائجها.
فشل جيش العدو في تكريس حالة من الردع في مواجهة «حزب الله» على الجبهة الشمالية


وتُثار، اليوم، أكثر من علامة استفهام، في إسرائيل قبل غيرها، حول القدرة الفعلية للجيش ومدى صدقية تأكيداته، فيما نتنياهو عاجز عن اتّخاذ القرارات، لأنه كما تسرّب إلى الإعلام العبري، لا يثق بما يرد إليه من
الجيش نفسه. على أن المؤكد إلى الآن، بعد أسبوع ونصف أسبوع على بدء الحرب، أن السقوف العالية جداً التي وضعتها إسرائيل لنفسها، ومنها «تغيير الشرق الأوسط»، بدأت تتراجع يوماً بعد يوم، لا بل بدا أيضاً، أن الدخول البرّي نفسه الذي لا يحقّق لإسرائيل أي أهداف إستراتيجية، هو محل أسئلة وتشكيك.
بالتوازي، قد يشرح التحشيد الأميركي الواضح في المنطقة، جزءاً من المشهد الإسرائيلي المرتبك حيال مصير «عملية الانتقام» من غزة، خصوصاً إذا لم تُتوّج بتحقيق وعد نتنياهو وقيادات عدة أخرى في جيش الاحتلال بـ«تغيير الأمر الواقع في القطاع»، من خلال احتلاله والقضاء على «حماس» فيه، إذ أعلن البنتاغون تعزيز انتشاره العسكري في المنطقة في مواجهة «التصعيد الأخير من جانب إيران وقواتها بالوكالة»، حيث أمر وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، بنشر منظومة «ثاد» المضادة للصواريخ وبطاريات «باتريوت»، وأبلغ قوات إضافية بأنه قد يتم نشرها قريباً.
وفيما تضع واشنطن هذه التعزيزات في إطار «رسائل الردع»، إلا أنها خطوات عملانية متقدّمة لحماية قواتها في المنطقة. ويفسّر ذلك البيانات المتلاحقة الصادرة من واشنطن والمعبّرة عن القلق من تعرّض قواتها لهجمات في الشرق الأوسط. وتتعزّز المخاوف الأميركية تلك في ظل الحديث عن إطلاق صواريخ يمنية تارة، وعراقية على قواعد أميركية تارة أخرى، إذ قالت «القناة 14» العبرية إن الهجوم الصاروخي اليمني الذي كان في طريقه إلى إسرائيل واعترضه الأميركيون، كان من المفترض أن يتسبّب بإحداث أضرار ودمار في إيلات، وهو كان أكبر بكثير مما يتصوّره الناس، مشيرة إلى أن «الحوثيين أطلقوا من اليمن صواريخ برؤوس حربية يبلغ وزنها التراكمي 1.6 طن، وهي عبارة عن أربعة صواريخ زنة كل منها 410 كلغ كانت موجّهة نحو أهداف إسرائيلية محدّدة في إيلات». لكن ما يقلق إسرائيل حيال «أنصار الله» ليس فقط الصواريخ، بل أيضاً المُسيّرات؛ فقد كشفت وسائل إعلام إسرائيلية أنه إضافة إلى الصواريخ، أطلقت «أنصار الله» 15 طائرة مُسيّرة تحمل كل منها 40 كلغ من المتفجّرات وصلت وسقطت في إسرائيل.
في الأثناء، فشل جيش العدو في تكريس حالة من الردع في مواجهة «حزب الله» على الجبهة الشمالية، إذ لا يمرّ يوم من دون أن يدكّ مقاتلو الحزب المواقع الإسرائيلية المنتشرة على الحدود اللبنانية - الفلسطينية بالصواريخ الموجّهة، فضلاً عن استهداف تحصينات تلك المواقع وتجهيزاتها التقنية والتكنولوجية، حتى أصبحت الهجمات التي ينفذها «حزب الله» على طول السياج حدثاً يومياً، فيما لا يزال الجيش الإسرائيلي يرد بشكل محسوب حتى لا تتدهور الأمور إلى حرب شاملة، بحسب صحيفة «ماكور ريشون» العبرية. وأعلن «حزب الله» أن مقاتليه هاجموا، أمس، موقع خربة المنارة ‏بالأسلحة الصاروخية الموجّهة والقذائف المدفعية، ‏كما هاجموا ثكنة برانيت بأسلحة مماثلة، وحقّقوا فيهما إصابات مباشرة. وتحدّثت وسائل إعلام إسرائيلية عن أن 23 مستوطنة وموقعاً عسكرياً للجيش الإسرائيلي تعرّضت لعمليات إطلاق نار وقذائف من لبنان منذ بداية الحرب، فيما تحوّلت «كريات شمونة» إلى مدينة مهجورة، مشيرة إلى أن «عناصر الجيش الإسرائيلي مثل البطّ، يصطادهم حزب الله عند الحدود».
إلى ذلك، أعلن الحزب استشهاد كلّ من علي عدنان أرطيل من بلدة ميفدون، وإبراهيم محمد قشمر «حيدر» من بلدة ديركيفا، ومصطفى حسين نزها «‎مرتضى الحسيني» من بلدة النبي عثمان، ونجيب محمد علي زهر «جواد» من بلدة بيت ياحون، وحسن سعيد نعيم «علاء» من بلدة سلعا، وحسن بديع عاشور «السيد دماء» من بلدة شقرا، وأحمد حسن عبود «زين العابدين» من بلدة دير عامص، وكميل حسين سويدان «ساجد» من بلدة حانين، وحسين علي باجوق «شهيد» من بلدة عيتا الشعب، في الأيام الماضية.