من الظلم القول ان مهمة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان فشلت قبل انتهائها. لكن من المغالاة ايضاً تحميلها اكثر مما يُفترض انها تقوله، وهو تقديمها لائحة جديدة من النصائح للافرقاء اللبنانيين لاستعجال اتفاقهم على انتخاب رئيس للجمهورية، ناهيك بما اضافه في مفكرته عن اعادة بعث الروح في القرار 1701 المجمد المفاعيل.

(هيثم الموسوي)

تفيد الملاحظات المستقاة من جولة لودريان على الافرقاء، كما مما سبقها، ببضعة معطيات منها:
1 ـ لم يطرأ اي تغيير على الانقسام الداخلي من الاستحقاق الرئاسي مع حرب غزة عما كان قبلها. ما كان قد سمعه قبلاً اعيد اسماعه اليه مجدداً. لم يقدّم لودريان اسماً امام محاوريه على انه مرشح حكومته، او مرشح الدول الخمس التي حضر الى بيروت باسمها دونما ان يكون مفوضاً منها. الا ان المخرج المتاح عنده هو التوافق على مرشح ثالث يحظى بتوافق فريقيْ الانقسام. على ان الحديث عن المرشح الثالث مشكلة في ذاتها. لم يعد واضحاً مَن تراه يكون؟ ثمة اسم معروف ومعلوم مَن يؤيده هو الوزير السابق سليمان فرنجية. الاسم المنافس له لم يعد يؤتى على ذكره ممن صوّت له سوى نادراً هو الوزير السابق جهاد ازعور نجم جلسة 14 حزيران. بعدذاك قيل ان الجلسة تلك استنزفت ترشيحه كما لو انه فقد حظوظه. في الاشهر الاخيرة صعد اسم قائد الجيش العماد جوزف عون على انه المنافس الفعلي والوحيد لفرنجية دونما ان يكون مرشحاً علنياً. تالياً غدا الاستحقاق يتمحور من حول اسميْ فرنجية وعون كما لو ان كلاً منهما مرشح تحد للآخر.
في ما يُنقل عن المطلعين على الموقف الفرنسي ان اسم قائد الجيش اضحى القاسم المشترك بين الدول الخمس لانجاز الاستحقاق، وان كان لكل منها اسم آخر في الخفاء للمفاوضة في الساعات الاخيرة. استمراره في منصبه بذريعة استقرار المؤسسة العسكرية يبقيه مرشحاً قوياً، بيد انه يضاعف الاحتدام من حول الاستحقاق ويثابر على تعطيله.
طرح لودريان التمديد لعون ربط بين الرئاسة والجيش


2 ـ ما استشم من اجتماع لودريان برئيس كتلة نواب حزب الله محمد رعد، وهو محاوره الدائم كلما حضر الى لبنان، ان لكل من المتحاوريْن وجهة نظر يصعب تقاطعها مع الآخر. بينما حذّر الديبلوماسي الفرنسي ـ وهو ما قاله ايضاً في السرايا وبكركي ـ من استمرار الشغور فيما المنطقة في طريقها الى مؤتمرات دولية يقتضي ان يكون لبنان شريكاً فيها من خلال رئيس للجمهورية، اظهر حزب الله عدم استعجاله بت استحقاق اضحى جزءاً لا يتجزأ من حرب غزة في تداعياتها السياسية. اكد العودة الحتمية الى استقرار الجنوب والقرار 1701، الا انهما محكومان بدورهما بما ستنتهي اليه حرب غزة. كان لتعزية لودريان رعد بنجله اثر شخصي ووجداني، الا انها اضفت بعض الاهتمام على علاقة الطرفين بعدما شابها الفتور والتباعد عقب اعلان باريس التحاقها بموقف واشنطن بدعم اسرائيل وتصفية حماس. في المقابل يعرف الحزب ان باريس هي الوحيدة من بين الدول الخمس تتحدث معه، مثلما يُشعرها حواره معها ان ثمة قيمة مضافة لوساطتها في لبنان وبين اللبنانيين. عندما اثار لودريان مع رعد تمديد بقاء قائد الجيش في منصبه، كان الموقف الذي سمعه انفتاح حزب الله على خياريْ التمديد او التعيين شرط ان يكون دستورياً وقانونياً ويحظى بالتوافق.
3 ـ ترددت في الساعات المنصرمة معلومات مفادها تبادل حزب الله والتيار الوطني الحر من خلال رئيسه النائب جبران باسيل ايحاءات لم ترقَ الى الموقف المعلن بعد: اول مَن اوحى الحزب انه لا يجاري التمديد لقائد الجيش. جواب باسيل ايحاء مماثل مؤداه ان مغادرة عون منصبه في اليرزة يعيد فتح الحوار الايجابي في انتخابات رئاسة الجمهورية. وهي اشارة ايجابية حيال فرنجية. كلا الايحاءين افصحا عن مقايضة متبادلة قابلة لابصار النور لا يخرج اي منهما خاسراً فيها، ويعيد تأكيد حاجة كل منهما الى التحالف مع الآخر. على ان اختبار النية الحسنة ينتظر ترجمته في المخرج الوحيد الباقي لاحتمال استمرار قائد الجيش في منصبه وهو مجلس النواب: التئامه قبل النصف الثاني من هذا الشهر عشية الدخول في الاعياد أم تعليق الجلسة الى الاسبوع الاول من كانون الثاني قبل احالة عون الى التقاعد في العاشر من الشهر المقبل أم ثالث الخيارات وهو تعذر انعقاد البرلمان.
على جاري عادته ينطق باسيل بالنصف الاول من الجملة ويبقي النصف الثاني في حلقه فسحاً في المجال امام المناورة. فَتَحَ الباب امام الحزب على مناقشة جدية لانتخاب الرئيس دونما ان يفصح عمَن وراء الباب او ما وراءه. في المقابل، دونما ان يكون بالضرورة ثمة موقفان متباينان لفريقيْ الثنائي الشيعي، يقابل تحفّظ حزب الله عن بقاء قائد الجيش في منصبه، استعجال رئيس البرلمان نبيه برّي تدارك حصول شغور في قيادة الجيش. قبل اسبوعين منع حزب الله حكومة الرئيس نجيب ميقاتي من مناقشة قرار تأجيل تسريح عون ـ من غير ان تملك صلاحية واختصاصاً في ذلك ـ فطار نصاب انعقادها. اما عن جلسة البرلمان فغير معروف تماماً موقف الحزب منها: يحضر الجلسة ولا يصوّت أم لا يحضر أم يستبق انعقادها بتمنيه على رئيس المجلس صرف النظر عنها.