على وقع السجالات الإعلامية والقانونية المترتبة عن قرار رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي تجميد إصدار ونشر ثلاثة قوانين أقرّها مجلس النواب، وأصدرها، في الوقت نفسه، مجلس الوزراء سنداً للمادة ٦٢ من الدستور، تُثار إمكانية رئيس الحكومة بالإمتناع عن إصدار ونشر القوانين من الناحية الدستوريّة بمعزل عن الشغور الرئاسي، وتنشأ، بالتالي، مع هذه الإشكالية الخلافية في الفقه الدستوريّ، مقاربتنا الدستوريّة في الشقين الآتيين:
أولاً: من الثابت أن مرسوم إصدار القوانين، الصادر عن رئيس الجمهورية، بحسب الفقرة الثانية من المادة ٥٤ من الدستور، يشترك معه في التوقيع عليه رئيس الحكومة، ما يعني أن توقيع رئيس الحكومة على هذا المرسوم معاملة جوهرية تؤثر على صحته متى قرّر رئيس الجمهورية، أو مجلس الوزراء وكالةً بموجب المادة ٦٢ من الدستور، في الإفصاح عن القبول به وإمداده، بالتالي، التوقيع اللازم ليأخذ مفاعيله العلنيّة في الجريدة الرسميّة. لكن هناك استثناءً خصّصته الفقرة الثانية من المادة ٥٧ من الدستور حينما تُعرب الجهة الصالحة، أيّ رئيس الجمهورية أصالةً والحكومة المناط لها صلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً، عن إرادتها في عدم إصدار القانون بعد انقضاء المهلة، عندئذٍ يعتبر القانون نافذاً. إلا أن ما يحصل اليوم هو أن الحكومة أصدرت القانون وامتنع رئيس حكومة تصريف الاعمال، حتّى الآن، عن التوقيع، وهذه حالةٌ لم يتنبّه إليها النصّ الدستوريّ بصورةٍ صريحة. إنما يُستشف من الفقرة الثانية من المادة ٥٧ أن عملية الاصدار - كواقعة مادية - مفترضة بكمالها وأثرها، أيّ بإرادة الطرفين غير المتساوية في الأصل، وبالتالي امتناع الطرفين معاً أو أحد الأطراف يُحدث النتيجة ذاتها وهو نفاذ القانون، بدليل أن الفقرة الأولى من المادة ٥٧ منحت رئيس الجمهورية الحق الأصلي في تقدير صلاحية الإصدار أو عدمها بمفروض عبارة «لرئيس الجمهورية... حق طلب إعادة النظر في القانون...»، بينما لم تُعطِ رئيس الحكومة الحق نفسه، إنما أجازت له بحقٍ تبعي في التوقيع على مرسومٍ يقرّر كيانه او طبيعته رئيس الجمهورية الذي يختار بين الإصدار وردّ القانون، في حين أن توقيع رئيس الحكومة يتلازم مع السلطة التقديرية لرئيس الجمهورية..
ثانياً: تنص الفقرة الأولى من المادة ٥٧ على أنه «لرئيس الجمهورية، بعد اطلاع مجلس الوزراء، حق طلب إعادة النظر في القانون مرّة واحدة ضمن المهلة المحددة لإصداره، ولا يجوز أن يرفض طلبه...». وهذا النصّ يُعطف على الفقرة الأولى من المادة ٥٦ الّتي تُعطي رئيس الجمهورية صلاحية إصدار القوانين، الأمر الذي يؤكد أن صلاحية إصدار القانون أو ردّه هي صلاحية رقابية شائعة على القوانين يتمتّع بها رئيس الجمهورية كامتياز يتفرّع عن منطوق اليمين الدستوري الّذي يُقسم عليه قبل توليه سدّة الرئاسة، وكذلك عن الصفة التحكيمية المولجة به بموجب المادة ٤٩ كحارس للدستور في مقتضى عبارة «يسهر على احترام الدستور»، بمعزل عن الحكومة التي تشترك في العملية التشريعية ولو بصورة غير مباشرة انطلاقاً من أنها، كهيئة جماعية تضم رئيساً وأعضاء، كانت قد لعبت دوراً محورياً في صناعة القوانين الّتي يقرها مجلس النواب سنداً للمادة ١٨ من الدستور («لمجلس النواب ومجلس الوزراء حق اقتراح القوانين...»)، وكذلك المادة ٦٨ من النظام الداخلي لمجلس النواب التي تمنح الحكومة الأولوية في الكلام في بحث أيّ مشروع أو مادة وسواها من المواد القانونية.
وتطبيقاً لهذا المنحى من التحليل، فإنّ دور رئيس الحكومة ينحصر في التوقيع على مرسوم الإصدار أو الرد، لكن صلاحية القرار، وتالياً تحديد مصير قوانين كانت قد لعبت الحكومة دوراً في اقتراحها أو بلورتها، تعود إلى رئيس الجمهورية وحده، انسجاماً مع ما جاء في قرار صادر عن المجلس الدستوري، رقم ٤/٢٠٠١، بنصّه: «ان الصلاحية المنفردة المحفوظة لرئيس الجمهورية في المادة 57 من الدستور انما يمارسها لأنه حامي الدستور ومصلحة البلاد العليا على ما جاء في المادة 49 من الدستور وفي قسمه المنصوص عنه في المادة 50 من الدستور، بحيث لا يجوز تقييد هذه الصلاحية أو إثقالها بغير ما ورد في متن المادة...».
جرّاء ما تقدّم، يتبين لنا أن امتناع رئيس الحكومة عن توقيع مرسوم إصدار القوانين لا يعطّل نفاذها، لكن لا يجوز إصدار القوانين عندما يقرّر رئيس الجمهورية، أو الحكومة وكالةً، سريان المرسوم إيجاباً لا امتناعاً بمنأى عن توقيع رئيس الحكومة، حينها تتقوّض مشروعيته ويصبح، استطراداً، غير مكتمل من الناحية الحقوقية، وهذا ما لا يتوافر في الواقعة الراهنة، ذلك أن إجراء النشر، والواجب إتمامه حكماً بقوة الدستور، لم يَجرِ بقرار صادر عن رئيس حكومة تصريف الأعمال.

* باحث دستوريّ واستاذ جامعي
في القانون العام.