وكأنه لا يكفي المرأة اللبنانية ما تعانيه في مجتمع تكثر فيه الأفكار البالية والأحكام المسبقة، وما تتحمّله من مسؤوليات تُحاسب عليها عند أي خطأ، حتى تزيد المحاكم الروحية، ومن بينها المحكمة الروحية الكاثوليكية، الطين بلة وتسلبها ما تبقى من إنسانيّتها، فتصدر بحقها قرارات تحرمها من أولادها أو من نفقة أو سقف منزل، أو من كل هذه الحقوق دفعة واحدة. أتوجه في هذه الرسالة إلى المحكمة الكاثوليكية، بعدما أصبح الكلام والأخذ والرد مع القيّمين عليها بلا جدوى.
بدأت طريق جلجلتي مع «المحكمة الروحية» عندما تقدّمت بدعاوى ضد زوجي أمام القضاء الجزائي والمدني، ما دفعه إلى تسديد ضربة قاضية إليّ بتقديمه دعوى بطلان زواج عام 2020، كردّ كيدي على الدعاوى التي أقمتها وجاءت في معظمها لمصلحتي، وهو على علم أنّ أحكام المحاكم الروحية تأتي بمعظمها لمصلحة الرجل ضد المرأة وأولادها.
فقد بنى دعواه الروحية على وصفة طبية قام بإضافة كلمة «bipolar» عليها. وقد تقدّمت لدى قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان بدعوى جزائية متهمة الزوج بالتزوير، وتزامناً تقدمت بلائحة طلبت فيها من المحكمة الروحية إيقاف الدعوى لأنّ أساسها مبنيٌّ على تزوير، عملاً بمبدأ «الجزاء يعقل الحقوق». لكنّني كنت على يقين بأن مطلبي المحقّ والقانوني لن يُستجاب. لماذا؟ إليكم التفاصيل.
لدى توجّهي إلى بعبدا للاطّلاع على مصير الدعوى الجزائية، فوجئت بأن محامية الزوج قامت بتصوير جلسة المصالحة التي عُقدت في الدعوى الروحية بالتواطؤ مع موظفين في قلم المحكمة لتبني دفاعها عن الزوج على جملة أضافتها الكاتبة في جلسة المصالحة جاء في حرفيتها: «وأقرّت الزوجة أنها مريضة نفسياً منذ ما قبل الزواج»، وتم تقويلي كلاماً لم أقله، ستكون عاقبته وخيمة على مسار الدعوى ومصيرها، لأنني سأفقد كل حقوقي وحتى أولادي، وسيقع البطلان على عاتقي وأحاكم بحسب القانون الكنسي الرقم 818 المادة 2 الذي «يحرم الزوج أو الزوجة من أي مكتسبات»، بحسبان أنّ من تنطبق عليه هذه المواد يحرم من حقوقه كافة ويعتبر غير أهل للزواج والاهتمام بالأولاد. علماً أن تصوير محضر جلسة المصالحة قبل انتهاء الأعمال عمل غير قانوني، فيما تقدّمت بطريقة قانونية لتصوير لوائح الزوج المسموح.
احتراف في تركيب القصص والروايات، دفع بي إلى مراجعة أحد المسؤولين في المحكمة الذي لم يبدِ أي استغراب أو استنكار، وتصرّف وكأن الأمور طبيعية، فلم يستدعِ الكاتبة أو محامية الزوج لاستيضاحهما، ولم يبدِ أيّ رغبة في إجراء تحقيق بالمواضيع التي أثرتها رغم أنها تضع صدقية المحكمة على المحكّ، واكتفى بالقول إنّ الموظفة «لا تملك الذكاء الكافي للقيام بهذا الارتكاب».
بعد هذه التجارب، علمت أن مبدأ «الجزاء يعقل الحقوق» لن يسمح بتطبيقه في ملفي لأنه لا يخدم الزوج، ويعطيني كامل حقوقي عند صدور القرار النهائي من المحكمة الجزائية، فلجأت إلى البطريركية الكاثوليكية التي أعطت توجيهاتها بتطبيق المبدأ، بعد اطّلاعها على الملف، فصدر قرار غير قابل للاستئناف باستئخار البتّ بالدعوى إلى حين صدور قرار في الدعوى الجزائية. توقّفت الدعوى لمدة عام ونصف عام تقريباً إلى أن صدر قرار ظنّي يدين الزوج سنداً للمواد 471 و471\454 عقوبات، وحولت الدعوى إلى القاضي المنفرد الجزائي في المتن لمتابعة التحقيق، وبطبيعة الحال صدر قرار آخر غير قابل للاستئناف باستئخار الدعوى، ما لم يرق للزوج الذي بقي يناور مع بعض القضاة حتى دفع بالقاضي الذي أصدر القرار إلى الاستقالة، فراجعت أوساط البطريركية التي تدخّلت أيضاً لتطبيق القانون، ولكن هذه المرّة من دون جدوى.
وفي السياق، تلقّيت رسالة صوتية من أوساط البطريركية تعترف بوجود فساد في المحكمة الروحية الكاثوليكية، وأستطيع إثبات ذلك عندما تدعو الحاجة.
بعد رفض معظم قضاة المحكمة الروحية الكاثوليكية تسلّم الملف بسبب الخلافات الكبيرة بين القضاة أنفسهم، جيء بقاضٍ من المحكمة الروحية المارونية، لا أعرف كيف تم تعيينه ومن عيّنه ولم أطّلع على كتاب التعيين رغم مطالبتي بذلك. وقبل أن يتسلّم مهماته وقبل اطّلاعه على الملف «بشّرني» بأن مبدأ «الجزاء يعقل الحقوق» لا يطبّق في المحاكم الروحية، وهذا هو سبب الخلاف مع المحكمة وليس كما ادّعت أوساطها أنّ سبب الخلاف هو التأخّر في الخضوع للخبرة النفسية، وأدعو الجميع إلى التحقّق من ذلك بالاطّلاع على الملف في المحكمة. وبعد إصرار القاضي على استكمال الدعوى، وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه الآن، لذلك أعلن أنّ معركتي لم تعد مع الزوج بل معكم، ولن أتراجع إلّا وقد انتزعت حقوقي وحقوق أولادي كاملة.
أسأل القيّمين على المحكمة الذين يتحدّثون عن مفاوضات مع الزوج لإيجاد حلّ لمشكلة سكن العائلة بعد صدور «قرار البطلان المأخوذ سلفاً»، رغم الـ 25 سنة زواج: لماذا تصرّون على البطلان في كل مفاوضاتكم وليس على ردّ الدعوى؟ هل في الملفّ مستندات تخوّلكم قبول البطلان لست على علم بها؟ أيّ مفاوضات تتحدّثون عنها؟ وأيّ تنازلات تنتظرون منه؟ تحاولون سلبي حقوقي ومخالفة القوانين لتلبية رغباته في «الزواج مرة أخرى على حدّ ما نقلتم إليّ»، فوهل أصبح سرّ الزواج نزهة ندخله متى نشاء ونخرج منه متى نشاء بحسب الرغبة والمزاجية والأهواء؟
الحديث عن فساد في المحكمة الروحية الكاثوليكية «بشهادة أهل البيت» لا تكفيه هذه العجالة، وهناك مستندات ووثائق في حوزتي لسيدة أقرت لها نفقة عام 2018 ولم يسمح لها بتنفيذ القرار سوى في 29 تموز 2019 رغم التعثّر الكبير في وضعها المادي، بعد تقديمها شكوى لدى القاضي المسؤول عن العدالة، بسبب التعسّف والكيدية.
الالتفاف على القانون، الاستنسابية، والبراعة في حبك القصص والروايات، ثوابت تبني عليها المحكمة الكاثوليكية معظم قراراتها وأحكامها بحقّ العائلات وبالتحديد المرأة والأولاد. القصص كثيرة ومآسي الأمّهات والأولاد يندى لها الجبين.
انطلاقاً من تجربتي في هذه المحكمة ومن قصص سيدات وأمهات ذقن الأمرّين وحاربن من أجل حقوقهن وحقوق أولادهن، أسأل قداسة البابا فرنسيس والسفير البابوي: إلى متى؟