نعيش هذه السنة تقاطعاً في أيّام الصّوم بين المؤمنين كافةً بالإله الواحد في المنطقة التي خلقت وفرةً من الأديان. كل فجرٍ يصدح صوت المؤذِّن الذي يبعد أمتاراً قليلة عن شبّاك غرفة نومي، مبشّراً أن «الصلاة خير من النوم». قبل أيّام، هناك من قامت بالصلاة بدلاً من أن تنام ولم يطلها خيرُ. أهلُ الإيمان اليوم يتحصّنون بإيمانهم في مواجهة الويلات التي نشهدها، لكن ماذا عن ضعيفي الإيمان في هذا الشهر الفضيل؟لن يقنعهم مؤذّنُ الفجرِ ولا البطريركيّون المطارِدون والصّالِبون للراهبات الساحرات المصليّات. لن يعيد إيمانهم إلّا «رجال الله في الميدان»، وهنا بيت القصيد أو المياه المصلّى عليها. في الشهر السادس لحربٍ فرضت صياماً إباديّاً على أطفال فلسطين، لن يبعث الأمل بالمؤمنين في فلسطين إلّا أبناء فلسطين. طبعاً تتّسع الرقعة الآوية لأبناء فلسطين كلّ يوم من غزّة إلى سائر فلسطين وجنوب لبنان وفتوح كسروان وحُدَيْدَة البحر الأحمر وهوليوود المحيط الباسيفيكي. يصعب الأملُ في ظلّ حرب إبادة، لكنّ ما من باعثٍ للأملِ أكبر من إرادة شعبٍ رفض أن يباد. هؤلاء هم أبناء فلسطين.
المقاتلون المؤمنون يرونه جهاداً على طريق القدس، وفعلاً القدس تقترب إلينا أكثر كلّ يوم. تقترب إلى غزّة وتقترب إلى بيروت وتقرّب المدينتين الساحليّتين بعضهما من بعض. تقترب القدس حتى من الصّائمين عن الجهاد، فما بالكم بالمصلّين؟ أيشكّ أحدٌ أن صلاة الرفيقة مايا زيادة كانت صلية من الصواريخ أصابت هدفها بدقّة؟ لكن للأسف، هناك من اختار أن يصوم عن فلسطين في موسم الصيام. قساوسة وبطاركةٌ، أمراءٌ وملوكٌ، شيوخٌ ومُفْتُون. ما هي فتوى الصائم عن الصلاة لفلسطين؟
ما أظهرته الحربُ القائمة والمستمرّة بشكل واضح، هو أن هناك أفراداً شعروا بعدم جدواهم في الأشهر الخمسة الماضية. أدوارهم كانت وتبقى دور البديل للمحتلّ المستعمر. وما إن تسلّم الأصيل زمام الأمور زال دورهم الوكيل. تعلو صيحاتهم أكثر فأكثر، لكن يخفت وقعها على أيّ مسمعٍ كان. أتذكرون أيَّ عظةٍ لمن اعتاد أن يعظ علينا أسبوعياً؟ لقد نجح في الحياد الذي دعا له منذ دهرٍ. المُفْتُون أيضاً حيّدوا أنفسهم وتفرّغوا للترفيه الرمضانيّ. لكن لماذا يفعلون بأنفسهم ما يفعلونه؟ الجواب سهل، فلا من عظة ولا خطبة في جيوب جلابيبهم ترتقي إلى مستوى الصلاة ففضّلوا الصّوم، فهو خيرٌ من اللّوم. هناك على هذه الأرض اليوم، من يلومهم إن نصروا أبناء فلسطين. هذا ما تبقّى من وفرةٍ من كهنةِ هياكل الإله الواحد في أراضيه المقدّسة.
تتقاطع أيّام الإيمان اليوم، لكنّ الإيمان أوحد. الصلاة اليوم هي لفلسطين وأبناء فلسطين في أنفاق غزّتها وضفّتها وداخلها المرقّم ثمانيةً وأربعين، وفي جنوب لبنان فلسطين وسهل بقاع فلسطين وفتوح كسروان فلسطين وآسيا فلسطين وإفريقيا فلسطين وأوروبا فلسطين وأميركا فلسطين. قبلة الصلاة الفلسطينيّة تتّسع لامتناهية، لكنّ قلّةً حظوا بجوارها منذ الأُسُسِ.
جوارُ فلسطين حظُّنا وبركتُنا وصلاتُنا… ولعنةُ محتلِّها.