إقرار مجلس النواب أمس التمديد للمجالس البلدية والاختيارية يستلزم، في فحواه ومبرراته، إبداء الرأي في مدى مشروعيته من النواحي الآتية:
أولاً: لجهة صيغة التمديد
من الثابت أن هذا القانون يُعطي الجهة المولجة إجراء العملية الانتخابية السلطة التقديرية لاختيار تاريخ الانتخاب، فيما تحديد التاريخ يدخل في دائرة القانون لا القرار أو المرسوم، وبالتالي لا يمكن للمشرّع أن يترك للسلطة الإدارية تحديده، وفقاً لما يُستفاد من قرار المجلس الدستوريّ رقم 1/1997، إذ إن مواعيد الانتخاب تُحدّد بمقتضى القوانين، انسجاماً مع أحكام المادتين 10 و14 من قانون البلديات اللّتين تحدّدان مدة الوكالة الانتخابية. عدا أنّ الدستور عدّد المواد التي هي من اختصاص القانون، ومن بينها شروط الانتخاب وقواعده (المادتان 21 و 24)، ما يعني أنّ قواعد الانتخاب، بما فيها تحديد تاريخ إجراء الانتخاب، تدخل ضمن دائرة قانون الانتخاب أو القانون الواجب التطبيق، ولا يجوز تفويضها عملاً بمبدأ السمو المادي للدستور الّذي يحظّر تفويض صلاحيات خصّها المشرّع الدستوريّ إلى جهة معيّنة.

ثانياً: لجهة أصل مشروعية التمديد
يعود للمشرّع أن يحدد مدة الوكالة الانتخابية، سواء البلدية أو النيابية، لأن وضع الأنظمة الانتخابية من اختصاصه، ولكن ليس في إمكانه أن يعدّل مدة الوكالة الانتخابية لكونه يشكّل إحلالاً مباشراً محل الناخبين، وتعطيلاً لمبدأ دورية الاقتراع الّذي استقر المجلس الدستوري على اعتباره مبدأ ذا قيمة دستورية، وحرماناً لحق الاقتراع الّذي يعدّ حقاً دستورياً. ولمّا كان اجتهاد المجلس الدستوري قد استقر، في قرارات عدة، على أن التشريع مقيّد في حدود الدستور وما يقع في منزلته أكان حقاً دستورياً أم مبدأ ذا قيمة دستورية، فإنّ إقرار قانون ينتهك حقاً دستورياً (كحق الاقتراع) أو مبدأ ذا قيمة دستورية (دورية الاقتراع) يشكّل انتهاكاً دستورياً.

ثالثاً: لجهة الأسباب الموجبة في قراءة متأنّية للأسباب الموجبة، تتبدّى جملة مغالطات:
1- افترض القانون أن العدوان الإسرائيلي يقع في قرى الجنوب والنبطية وبعلبك والهرمل والبقاع الغربي على نحو يشكّل معه تعليقاً للنظام القانوني، في حين أن العدوان وإن كان يتخذ منحى مستمراً في القرى الجنوبية الحدودية، ومتقطّعاً في هذه المنطقة أو تلك، ولكنه، على امتداد تاريخ الاعتداءات الإسرائيلية، كان قائماً أو محتملاً في كلّ مكان، من دون أن يؤدي ذلك إلى تعليق الاستحقاقات الدستورية، ليشكّل هذا الأمر جوازاً في إعلان السلطة التشريعية قدرة العدو على حرمان المواطنين، في كل المناطق، من ممارسة الحقوق السياسية وتحديداً حق الاقتراع، وهذا أمرٌ منافٍ للواقع، بسبب قوة الردع الّتي أبرزتها المقاومة في لبنان، ما يقوّض التشريع ومصداقيته!
2- برّر القانون أسباب التمديد وردّها إلى ظرف أمني في مناطق معيّنة، وبهدف تفادي الفراغ في بلديات هذه المناطق وفقاً للقانون نفسه، تُمدّد ولاية المجالس البلدية في لبنان. وبهذا يكون قد برّر التأجيل في مناطق الاشتباك أو التهديد حصراً لا في سائر المناطق، وأغفل، استطراداً، حقيقة مفادها أن الأسباب الموجبة تعبّر عن دوافع المشرّع ونيّته، فيكون القانون المطروح، ولو عن غير قصد، قد خاطب بلديات المناطق المشمولة بالعدوان، واستبعد سائر البلديات، وذلك عندما اكتفى بعبارة «المجالس البلدية القائمة»، ما يضرب مبدأ «وضوح التشريع»، حيث استقر المجلس الدستوري في فرنسا ولبنان على اعتباره مبدأ ذا قيمة دستورية، إضافة إلى أنه يكون قد شاء حماية بلديات هذه المناطق من الفراغ على حساب 109 من البلديات المنحلّة في معظم المناطق، وهو هدمٌ لمبدأ المساواة الّذي أكدته المادة 7 من الدستور، إلى جانب هدم اللامركزية الإدارية الّتي دعا اتفاق الطائف إلى تعزيزها لا تقويضها.
3- تفادي الفراغ في المناطق المذكورة، وهو الهدف المنشود من القانون، يكون في إجراء الانتخابات نفسها، لأن بعضاً من البلديات في هذه المناطق منحل، وبعضها الآخر يسوده شغور في ربع المراكز في البلدية الواحدة خلافاً للمادة 21 من قانون البلديات الّتي تُلزم ملء الشغور في هذه المراكز بسبب الوفاة أو الاستقالة أو الإقالة، فيما بلديات أخرى لا تعمل بسبب ضعف الإنتاجية أو الموارد المالية الضعيفة، وهذه الآثار مرشّحة للتصاعد فور التمديد للمجالس الحالية.

رابعاً: لجهة توافر الظروف الاستثنائية
لما كان الدستور اللبناني لم ينصّ على أحكام تعطل مفاعيله، فإن الاجتهاد أقر نظرية أن الظروف الاستثنائية تبرّر، ولو بصورة ضيّقة، تجاوز المشروعية العادية واستبدالها بمشروعية استثنائية تجيز الخروج عن القواعد الحقوقية، ولكن تطبيقها يفترض شروطاً استقر الاجتهاد الإداري، وتالياً الدستوري، على وجوب توافرها:
أ - وجود ظرف استثنائي (غير طبيعي وغير متوقع كالحرب الشاملة والزلزال والحرائق...).
ب - استحالة مادية أو قانونية في التصرف بالوسائل العادية.
ج- تحديد الظروف في زمان ومكان معينين.
بينما كان ممكناً للسلطة الإدارية المختصة، تحت وطأة الحرب في منطقة معيّنة، نقل مراكز الاقتراع إلى مناطق أكثر أماناً، وإن تعذّر ذلك، التمديد للمجالس البلدية والاختيارية في مناطق الاشتباك، علاوةً على أن الاقتراح يفترض ظرفاً استثنائياً في مناطق معيّنة ليُعلن، بعدئذٍ، التمديد للمجالس البلدية في لبنان، خلافاً للنطاق الزماني والمكاني الذي تقتضيه نظرية الظروف الاستثنائية.
قياساً على ذلك، افترض المشرّع، في المرسوم الاشتراعي رقم 52/1967، تعرّض البلاد لحرب خارجية، فأجاز إعلان حالة الطوارئ في جميع الأراضي اللبنانية أو في جزء منها، أيّ بحسب النطاق المكاني للتعرض، ما يعني أن هناك إمكانية لاتّخاذ إجراءات ذات نطاق جغرافي معيّن بمعزل عن سائر المناطق، قبل التئام مجلس النواب للنظر في هذه التدابير.
كما يُستشف من هذا السياق القانوني أن الحكومة تُعلن عن وضعية قانونية جديدة جراء الحرب أو الكارثة أو ما شابه، وتعلق بعض التدابير القانونية الواجب اتخاذها لمواجهة الظروف الطارئة، ويجتمع مجلس النواب، بعدئذٍ، وينظر في قانونية التدابير، ما يعطي السلطة الإدارية المختصة (وزارة الداخلية)، قياساً على الوضع الراهن، إمكانية تعليق الظروف أمام العملية الانتخابية، ويجتمع مجلس النواب، حينئذ، لإقرار قانون «التمديد». لكن ما حصل هو أن وزارة الداخلية أعلنت جهوزيتها للانتخاب وبالتالي انتفاء ذريعة التمديد، واجتمع مجلس النواب وأقر قانوناً للتمديد، خلافاً للمنطق القانوني!
علاوةً على أن الانتخابات البلدية، في ماهيتها، تمثّل السلطات المحلية، وبالتالي فإنّ جوهر عملها محصور في نطاق جغرافي معيّن، على خلاف الانتخابات النيابية الّتي تُفرز، ولو نظرياً، أشخاصاً يمثّلون الأمة جمعاء، ما يفيد أن محدودية التمثيل لا شموليته من الأسباب الموجبة لإجراء الاستحقاق الانتخابي بذاته، وإن جرى تعليقه مؤقتاً في مكانٍ ما.

خامساً: لجهة خرق مبدأ المساواة
قد يفترض البعض، كما في نيّة المشرّع في هذا القانون، خرقاً لمبدأ المساواة في حال إجراء الانتخابات البلدية باستثناء محافظة أو أكثر. لكن المشرّع افترض، أصلاً، في المادة 15 من قانون البلديات إمكانية تعذّر إجراء الانتخابات في يوم واحد بسبب ظروف العملية الانتخابية وسلامتها، لذلك قال بتعيين موعد خاص لكل بلدية ضمن المهل الواردة في المادة 14 (الشهران السابقان لنهاية ولاية المجالس البلدية)، وبالتالي فإن حاجة بلديات معينة إلى مدة إضافية بسبب ظروف استثنائية تبرّر إقرار قانون استثنائي لهذه البلديات حصراً، ما يعني أن مبدأ المساواة يقتضي إيجاد ظروف متساوية لممارسة حقّ الاقتراع، لا في إلغاء حق الاقتراع برمته بذريعة غياب تلك الظروف الّتي تستوجب من السلطة تبديدها لا تكريسها بقانون، ولا سيما أن المجلس الدستوري، في قرار رقم 1/2001، أجاز مخالفة مبدأ المساواة في حالتين: إذا وجد أن المواطنين في أوضاع قانونية مختلفة، وعندما يتعلّق الأمر بالمصلحة العامة، وهو أمرٌ يؤدي إلى جواز إقرار قانون يُرجئ موعد الانتخاب في منطقة معيّنة دون سائر المناطق.
جرّاء ما تقدّم، يمكن القول إن هذا القانون لم يكن مقنعاً في متنه وأسبابه الموجبة، وكان في إمكانه، على سبيل المثال، التمديد لمدة شهرين أو ثلاثة فور تعذّر اتخاذ التدابير العادية، بما ينسجم مع طبيعة الظرف ومدته، إلا أنّ المجلس النيابي اتخذ من الوقائع شمّاعة للتطبيع مع التمديد للبلديات وكبار الموظفين وربما المجلس النيابي لاحقاً، وبالتالي الخروج عن التكييف القانوني السليم للوقائع المذكورة!

* كاتب وباحث دستوريّ