مع استقالة الحكومة، بدا للوهلة الاولى أن المسار النفطي الذي ينطلق بسلسلة محطات متتالية، بدءاً من الخميس المقبل، قد يواجه عثرات تجمد هذا الملف الذي يعول عليه لبنان بعد انتظار أعوام، مع العلم بأن الاهتمام الدولي والاميركي والاوروبي والآسيوي بنفط لبنان وغازه في تزايد مستمر، وهذا ما دلت عليه أسماء الشركات الكبرى التي سارعت إلى شراء المعلومات، وفي مقدمها الشركات الاميركية ذات المستوى الرفيع. وكذلك فإن أي تجميد للخطوات الآيلة الى بدء الاستثمار في حقول الغاز والنفط سينعكس سلباً على سمعة لبنان ومؤسساته، ويطيح كل الجهد الذي بني حتى الآن، وخصوصاً بعد الاشادة الدولية بتعامل لبنان ووزارة الطاقة في هذا الملف. وكان آخرها ما صدر عن وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ، في زيارته الاخيرة للبنان ولقائه وزير النفط جبران باسيل، وكذلك الامر بالنسبة الى مساعد نائب وزير الخارجيّة الأميركيّ لشؤون الشرق الأدنى لورانس سيلفرمان ونائب مساعد وزير الخارجيّة لشؤون الطاقة عاموس هوكستاين، اللذين زارا لبنان أخيراً وشددا على دعمهما للبنان في مجال التنقيب عن النفط، وتصريحات السفيرة الاميركية مورا كونيللي حول شفافية لبنان في الاحاطة بهذا الملف.
لكن باسيل حسم أمس أي تكهنات، وأكد في مؤتمره الصحافي استمرار العمل بالملف النفطي، قائلاً إن «التنقيب عن النفط والغاز لن يتوقف». ولفت باسيل الى أن «أي فريق داخلي أو خارجي اعتقد أو صمم أو خطط لاستقالة هذه الحكومة لهذا الغرض، فهو لن يستفيد من الاستقالة، لأن قرارات الحكومة نافذة، وكذلك المواعيد في 28 آذار و18 نيسان و2 أيار لا تزال كلها قائمة».
وجاء رد باسيل ليجيب عن أسئلة طرحت عن احتمال وجود قطب مخفية في الاسباب العديدة للاستقالة تتعلق من قريب أو بعيد بالملف النفطي، وعما إذا كان هدف الذين ضغطوا على ميقاتي زعزعة الثقة بسمعة لبنان وتجميد عملية التنقيب عن النفط، وهل هناك يد عربية ضغطت على رئيس الحكومة في هذا الاطار، مع العلم بأن كل الاهتمام الغربي والدولي بهذا الملف لم يقابله أي اهتمام عربي.
فقد علمت «الأخبار» أن وزير النفط كان رفع الى مجلس الوزراء الاخير مشروع مرسوم تقسيم المياه البحرية الى 10 رقع بحرية، ووضع على جدول أعمال مجلس الوزراء في الجلسة التي أطاحها رئيسا الجمهورية والحكومة لإقراره، نظراً الى أهميته القصوى، ولا سيما بالنسبة الى الشركات الراغبة في الاستثمار والمشاركة في المناقصات. وكان يمكن إقراره قبل طرح تشكيل هيئة الاشراف على الانتخابات والبحث في التمديد للمدير العام لقوى الامن الداخلي أشرف ريفي من خارج جدول الاعمال.
والخبراء المطّلعون على ملف الغاز يدركون تماماً أهمية تقسيم بحر لبنان الى هذه الرقع التي تظهرها الخريطة المنشورة. وتقسيم البحر الى هذه الرقع خطوة أساسية ومهمة جداً ولا غنى عنه بالنسبة الى الشركات التي تنوي التقدم بطلبات التأهيل للمناقصة، إذ إنها ستُخضع هذه الرقع للمعاينة والدرس قبل انطلاقها بملفاتها والإعداد للمناقصات.
وقد بلغ عدد الشركات العالمية، الاميركية والآسيوية والاووربية، التي حصلت على ملفات تأهيل للمناقصة، 97 شركة، حتى تاريخ عقد جلسة مجلس الوزراء، إضافة الى 110 شركات استشارية ومحاماة ممثلة لشركات نفطية. وسيعرف العدد النهائي يوم الخميس، أي يوم انتهاء المهلة المخصصة للشركات التي تتقدم للتأهيل.
وبحسب المعلومات المتوافرة، فإن الرقع العشر تتمتع كلها بمكامن نفطية كبيرة، والدراسات المعمقة التي أجرتها الشركة المختصة على رقعتين أساسيتين من الرقع العشر، شمالاً وجنوباً، أثبتت أنهما واعدتان بمكامن نفطية وغازية غنية، فيما تستكمل الدراسات على الرقع الاخرى لتحديد نسبة مخزونها النفطي والغازي أيضاً.
وتجدر الاشارة أيضاً الى أن تقسيم الرقع حافظ على ثروة لبنان وسيادته عل بحره، وأخذ في الاعتبار الحدود البحرية في المنطقة الاقتصادية الخالصة، ولحظ أيضاً الثغر الموجودة واحتمالات الحلول المطروحة لحل الاشكالات الحدودية مع سوريا وقبرص وإسرائيل.
ومع تأكيد باسيل أن أي «طرف مهما كان حجمه المحلي أو الخارجي ومهما كانت النيات، فإن الملف النفطي أصبح في حجم لا يمكن أحداً إيقافه، ويسلك الملف طريقه العادي». فغداً يوقع وزير النفط عقداً مع شركة أميركية للمعلومات.
ويوم الخميس تنتهي المهلة المعطاة لشركات النفط لتقديم طلبات التأهيل للمناقصة المتعلقة بالتنقيب عن النفط والغاز في المياه اللبنانية (مجلس الوزراء أقر البند المتعلق بشروط تأهيل الشركات في أوائل شباط)، على أن تعلن في 18 نيسان أسماء الشركات المقبولة، لتنطلق المناقصة في 2 أيار المقبل. ولا يبدو أن استقالة الحكومة قد أعاقت أياً من المسارات المرسومة.