لم يكن مستغرباً ضبط كُتُبٍ تكفيرية في الشمال؛ إذ ليس السلاح وحده الذي يُروّج هنا. فالأفكار الإلغائية أيضاً تكاد تكون رأس الحرب في المعركة الدائرة أو التي يُهيّأ لها، ولا سيّما أنها تُعدّ أكثر فتكاً من أشد أنواع الأسلحة قوّة. وفي السياق نفسه، علمت «الأخبار» أن نُسخاً أخرى من الكتاب وُزّعت على عدد من الأشخاص والمناطق في الشمال وطرابلس.
وقد تزامن ذلك، مع نشر محتويات الكتاب أو مقتطفات منه على المنتديات الجهادية وصفحات الإنترنت ومواقع الفايسبوك السورية تحت عنوان: «الهدية القنبلة.. إلى إخواننا المجاهدين عامة وإلى المجاهدين في بلاد الشام خاصة. سلسلة مهمة جداً». والكتاب الذي يُروّج له يحمل اسم «مسائل من فقه الجهاد» لمؤلفه المصري الشيخ عبد الرحمن العلي. إلا أن الشيخ «القاعدي» ميسرة الغريب أطلق عليه في كتابه «الزرقاوي كما عرفته»، وصف «فقه الدماء»، ليُعرف في الأوساط الجهادية بهذه التسمية في ما بعد.
يغوص الشيخ الكاتب في عشرين مسألة تختص بمسائل جهادية، يعرض فيها المواقف منها في كل من فقه الحنابلة وفقه المالكية، ثم يُتبعها بـ«إجماع العلماء»، ليخلص إلى استنتاج يكون قاعدة يُبنى عليها الحُكم الواجب اتّباعه. تدور المسألة الأولى حول دور الحرب. خلال بحثه، ينطلق الشيخ الذي يُعرف في الأوساط الجهادية والمواقع الإسلامية باسم أبو عبد الله المهاجر من قاعدة ثابتة تقوم على تقسيم العالم إلى قسمين: دار إسلام ودار كُفرٍ وحرب. دار الإسلام هي التي يُطبق فيها حكم الشريعة الإسلامية.
المسألة الثانية عُنونت بـ«لا عصمة إلا بإيمانٍ أو أمان». ينطلق فيها الكاتب من الحديث القائل إن «كل كافر لم يؤمّنه أهل الإسلام بعهد من ذمة أو هدنة أو أمان، فلا عصمة له في دم أو مال». يغوص الشيخ هنا في الأحاديث والآيات التي يخلص منها إلى القول إن كل من لا يملك عصمة يجوز قتله. ويتطرق إلى مسألة قتل النساء والصبيان، فينطلق فيها من أحاديث «تُحرّم قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا، فإن قاتلوا يُقتلون». لكنه في الوقت نفسه، يلفت إلى أن «للمرأة آثاراً عظيمة في القتال، منها الإمداد بالأموال، ومنها التحريض على القتال». وانطلاقاً من ذلك يبيح قتلهن. أما مسألة التمييز بين المدني والعسكري، فيرى الشيخ أن هذا التفريق باطلٌ، باعتبار أن الإسلام لا يُفرّق بين مدني وعسكري، إنما يُفرّق بين مسلم وكافر. فالمسلم معصوم الدم أيّاً كان، فيما الكافر مباح الدم أيّاً كان. ويذهب إلى جواز قتل جميع «أصناف الكفار من النساء والصبيان والشيوخ». ويرى الشيخ أبو عبد الله المهاجر مشروعية في قتل الكفّار بكل ما يمكن من السلاح، حتى لو اختلط بهم من لا يجوز قتله من المسلمين، مبرراً ذلك بالغاية الهادفة إلى إعلاء كلمة الله. ورغم تسليمه بأن «قتل عدد من المسلمين مفسدة كبيرة، إلا أن برأيه الوقوع في هذه المفسدة الكبيرة جائز، بل واجب دفعاً لمفسدة أعظم، وهي مفسدة تعطّل الجهاد». إضافة إلى ذلك، يُعزّز نظريته بالقاعدة الفقهية القائلة إن حفظ الدين مقدّمٌ على حفظ النفس.
كذلك يتطرق إلى مشروعية قطع رؤوس الكفار، فينطلق من آية قرآنية يرى أن تأويلها يُفيد بأن «الله أمر بضرب رؤوس الكفار والمشركين وأعناقهم». ويستند إلى عدد من الأحاديث لأئمة السنّة يستنتج منها «مشروعية جزّ الرقاب وقطع الأطراف». ويرى الكاتب أن «الله لم يقل اقتلوا الكفار فقط، لأن في عبارة ضرب الرقاب من الغلظة والشدة ما ليس في لفظ القتل، لما فيه من تصوير القتل بأشنع صوره، وهو حزّ العنق». هكذا يخلص الكاتب إلى القول إن «قطع الرؤوس أمرٌ مقصود بل محبوب لله ورسوله رغم أنوف الكارهين». ويشير أيضاً إلى أن «الأحاديث التي فيها القتل بضرب العنق كثيرة جداً»، فيذكر منها، على سبيل المثال لا الحصر، أن «خالد بن الوليد في حروبه ضد المرتدين ضرب عنق أحد رؤسائهم، ثم أمر بالرأس فطُبخ في قدر أكل منه خالد تلك الليلة ليُرهب الأعراب من المرتدة وغيرهم».
يخلص الشيخ عبد الرحمن إلى أن «صفة القتل بقطع الرأس وحزّه صفة مشروعة درج عليها الأنبياء والرسل». ويخوض في أحكام المُثلَة، أي التمثيل بأجساد القتلى عبر قطع أطرافهم وفقء عيونهم، فيقول إن رسول الله حرّمها ابتداءً، لكنه يلفت إلى أنها جائزة كرد صاعٍ أو إذا كانت الغاية منها إرهاب العدو، عندها تُصبح مُستحبة إلى درجة الوجوب.
وفي الكتاب الذي تناهز صفحاته الستمئة، يرى الشيخ أن «لا بأس بالاستعانة في القتال بالكفار والمرتدين والطوائف الضالة»؛ لأن ذلك «نظير الاستعانة بالكلاب على قتال المشركين». ويرى الشيخ أن مناصرة المشركين ومظاهرتهم على المسلمين في أي صورة من الصور كُفرٌ مخرجٌ من الملّة. ويتحدث عن مشروعية قتل المرتد وإن أظهر التوبة. وكذلك الأسير الذي قال بـ«جواز تعذيبه وتعزيره إن كانت هناك غاية وليس لمجرد التعذيب». وأفرد عشرات الصفحات للكلام عن الشيعة بوصفهم رافضة مشجّعاً على قتلهم والاقتصاص منهم بوصفهم الأخطر على أمة الإسلام من جميع الأعداء، فيبرز قوله: «عرف العارفون بالإسلام أن الرافضة تميل دوماً مع أعداء الدين». إذ يُنقل عن «شيخ الإسلام ابن تيمية أنه: ما اقتتل يهودي ومسلم، ولا نصراني ومسلم، ولا مشرك ومسلم، إلا كان الرافضي مع اليهودي والنصراني والمشرك».
ويتطرق أيضاً إلى مشروعية «العمليات الاستشهادية»، فيقول إنها لم تُعرف في السابق بصورتها الحالية، لكنها عُرفت بمعناها وحقيقتها وجوهرها. يستند إلى أحاديث، نقلاً عن الصحابة، ليخلص إلى جوازها. فهي لا تُعدّ رمياً للنفس في التهلكة، باعتبار أن قتل النفس انتحاراً جرم، إنما الدافع هنا حب الشهادة الذي يغرر إلقاء النفس في غمرات القتال وإن تيقن الهلكة. ليس هذا فحسب، بل يرى أن هناك مشروعية في إتلاف النفس لمصلحة إظهار الدين أو رغبة في الشهادة.



«المجاهد المهاجر»

يُعدّ مؤلّف كتاب «مسائل من فقه الجهاد» علماً بارزاً في عالم الجهاديين الإسلاميين من ذوي الهوى القاعدي. فالشيخ عبد الرحمن العلي المعروف باسم «أبو عبد الله المهاجر»، يحوز شهادات ثناء من قادة بارزين في تنظيم القاعدة كالشيخ أيمن الظواهري وأبو مصعب الزرقاوي. الشيخ المصري الذي تلقى علومه الإسلامية في باكستان، كانت تربطه علاقة وثيقة بالزرقاوي. ويُنقل عن الظواهري قوله إن «الشيخ أبو عبد الله المهاجر من المجاهدين المهاجرين، تخرّج من الجامعة الإسلامية في إسلام آباد، ورابط في أفغانستان حيث أنشأ مركزاً علمياً دعوياً في معسكر خلدن، ودرس في مركز تعليم اللغة العربية في قندهار، ثم بين المجاهدين في كابل ثم في هيرات»، علماً بأنه كان مرشّحاً لتولّي مسؤوليّة اللجنة العلمية والشرعيّة في تنظيم القاعدة، لو لم يُقبض عليه. ورغم رواج مقولة أن القوات الأميركية تمكنت من توقيفه أثناء انتقاله إلى العراق، إلا أنّ معلومات سلفيين جهاديين تُؤكّد أنه «مُعتقلٌ في السجون الإيرانية».