تتكاثر كالفطر، لتصبح دولة داخل الدولة، لا بل بديلاً «طبق الأصل» من الدولة، في الفساد واستغلال المشكلات الاجتماعية للتسويق المادي، والاتجار بالأرواح والقضايا! فقد وصل عدد الجمعيات في لبنان الى أكثر من 7 آلاف جمعية (البعض يتحدث عن 10 آلاف جمعية) تقدم خدماتها لـ3 ملايين و875 ألف مواطن لبناني (عدد السكان في عام 2009 وفق إحصاءات صندوق النقد الدولي)، لتكون النتيجة أنه يوجد جمعية واحدة لكل 551 لبنانياً!
وفي «نعيم» كهذا يمكن أن يتوقع أي متابع لهذه الأرقام أنّ معظم القضايا الاجتماعية والمعيشية والحقوقية في لبنان محققة، أو هي في إطار المتابعة «اللجوجة»، لكن الواقع ينسف مبدأ الأرقام هذه، ليكشف عن مآسي لا تنتهي تتزاحم على تبنيها آلاف الجمعيات ومن دون أي جدوى! وإذا كان تأليف الجمعيات «منحة» دستورية لبنانية، فإن المنظمات والجمعيات الدولية دارت في فلك مستنقع الفساد في لبنان، لتغطس فيه من دون أي تردد، لتصبح المعادلة هي الآتية: هبات ومساعدات بملايين الدولارات تأتي عبر منظمات دولية، تتوزع بطريقة غالباً ما تكون غير مدروسة واستنسابية بين جمعيات «تجارية»، وفي النتيجة تبقى الشرائح الاجتماعية التي من المفترض أن تصلها هذه المساعدات فارغة اليدين وبعيدة عن استهدافات المساعدات الدولية... وكذلك الجمعيات! وتتصدر واجهة عمل الجمعيات في لبنان او ما يعدّونه «جمعيات المجتمع المدني»، ظاهرة غريبة، تقوم على استخدام الجمعية وسيلةً لتحقيق للوصول الى مراكز سياسية واجتماعية... لكن أن تدخل المنظمات الدولية منظومة الفساد هذه، فلأمر يعزز الشكوك بأهدافها، من البنك الدولي الى وكالة التنمية الاميركية الى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، علامات استفهام كثيرة ترسم فوق شعار كل منظمة، وأسئلة عديدة تدور حول سبب استمرار برامج هذه المنظمات في ظل صورة واضحة تشير الى أنها أصبحت جزءاً من النظام التي تريد «إصلاحه» أو «تغييره» أو «تحديثه».. وهذا بعض المستور!

تفريخ لا ينتهي!

فقد وصل عدد الجمعيات قبل أن ينال لبنان استقلاله الى 88 جمعية، ليصبح بين عامي 1943 و1979 نحو 1303 جمعيات. وفي دراسة أجراها الخبير عمر طرابلسي لصالح البنك الدولي، أنّ مجموع عدد الجمعيات قد بلغ 3.946 حتى عام 1999، فيما الجمعيات التي تتمتع بنشاط على الصعيد الوطني ولها حضور أساسي لا يتجاوز عددها الـ150 جمعية، وإن كان «السلم عقدة ما بين حربين» في لبنان، ففي كل حرب أو هزة سياسية كانت اسهم الجمعيات ترتفع، إذ سجلت وزارة الداخلية في عام 2004 125 جمعية، لتضيف إليها في العام التالي 323 جمعية، لكن التطور هو الذي عرفه عام 2006 اذ سجل 518 جمعية، وفي عام 2007 نحو 252، اضافة الى 884 جمعية بين 2008 و2009... لتضاف الى هذا الكم الهائل 591 جمعية تأسست خلال عام 2010!
وهكذا، في إطار تقريبي، وصل عدد الجمعيات في لبنان الى أكثر من 6600 جمعية، أما الفاعل منها وفق ما تشير أوساط الجمعيات نفسها، فلا يتعدى الـ600 جمعية، لا بل تأكد أن الجمعيات التابعة للمذاهب الدينية المسيحية تعمل من دون الحصول على علم وخبر من وزارة الداخلية (تعتمد قانون الانتداب الفرنسي) وعدد هذه الجمعيات بالمئات، ما يرفع عدد الجمعيات في لبنان الى أكثر من 7 آلاف جمعية! وقد فجّر مؤتمر باريس 3 وما تلاه من مساعدات دولية موضوع تنامي عدد الجمعيات في لبنان، وأدّى تدفق الأموال الى نشوء عدد ضخم من الجمعيات الهادفة الى الحصول على تمويل...
ويشرح الناشط في المجتمع المدني كمال شيا أن ورشات كثيرة عُقدت حول كيفية تأثير المساعدات على الناس، الا أن الواقع المتعلق بالجمعيات معقد جداً، فمنذ حرب تموز تغيرت معادلات الجمعيات بطريقة دراماتيكية، فأصبح يمكن أي شخص تأسيس جمعية، ولا يلزمه سوى استخدام أشخاص يعرفون كيفية كتابة تقارير المشاريع، وترسل هذه التقارير الى منظمات دولية أو دول فتتلقى الجمعية مبالغ بمتوسط 250 ألف دولار، وبالطبع ما من احد يراقب كيفية صرف هذه الاموال لتصبح بمعظمها ربحاً صافياً للجمعية الوهمية، ويلفت شيا الى أن عدد الجمعيات الوهمية بالآلاف فيما الاموال التي صُرفت عليها من الخارج تعد بمليارات الدولارات، ولو كانت قد صرفت داخل المجتمع اللبناني لكان لبنان استطاع على الأقل القضاء على الفقر والأمية في آن! ويشرح شيا أن معظم العاملين في المجتمع المدني يصبحون فجأة في الوزارات، يعملون في مشاريع لا يُعرف مردودها على الوزارة ولا على السياسات العامة في البلد، فبدلاً من تغيير الواقع والمؤشرات، يندمج هؤلاء في السياسات العامة للوزارة ويتماهون معها فيصبحون موظفين ينتظرون رواتبهم المرتفعة جداً مقابل عمل يستطيع أن يقدمه موظفو الوزارة الأصليون!

«أمريكا يا أمريكا»!

وكالة التنمية الأميركية USAID تتربع على عرش المنظمات الدولية غريبة الأطوار، فهي تشير الى أن مساعداتها تأتي «من الشعب الاميركي الى الشعب اللبناني» إلا أن الواقع يدل على منظومة استخباراتية تعمل على الدخول الى داتا المعلومات في جميع المناطق اللبنانية بغية إحداث خرق، وما وجودها في كل بلديات لبنان تحت غطاء «المكننة» سوى دلالة على ذلك... إذ إن من شروط الحصول على تمويل من هذه المنظمة أن توقّع الجمعية على بند اسمه «بند مكافحة الإرهاب»، وهذا البند ملزم، اضافة الى بنود أخرى تتعلق بموضوع المشروع ومدته وشروط مادية وحل الخلافات وغيرها... وفي البند المتعلق بمكافحة الإرهاب تفتح الجمعية حسابها السياسي للمنظمة! وتستطيع المنظمة مساءلة الجمعية في حال اتصالها بأشخاص أو جهات «إرهابية»، ويوجد بعض العقود التي توقع بين الجمعيات والمنظمة فيها بنود تشير إلى أنه يحق للمنظمة ملاحقة الجمعية لمدة 10 سنوات مقبلة في ما يتعلق بعدم تمويل الإرهاب، فكيف يمكن أن توقع منظمة مدنية وأهلية على عقود كهذه؟ إذ إن العقد يمنعها من التعاطي مع أي جمعية من معظم دول أميركا اللاتينية، اضافة الى الجهات اليسارية وعدد كبير من الشركات، بحجة «الإرهاب»! ولتبيان رداءة هذا الموضوع، كانت USAID تصنف حتى نيلسون مانديلا شخصاً إرهابياً، وقد خرج من القائمة السوداء أخيراً بقرار من الحكومة الاميركية حفظاً لماء الوجه لا أكثر.
ويشير شيّا إلى أن هذه المنظمة تتعاطى مع الجمعيات من منطلق طائفي للدخول الى مناطق تعدّها محرمة على الولايات المتحدة، وقد أصبحت مطالب المنظمة «نكتة» يتبادلها مسؤولو الجمعيات، فمثلاً كانت تريد المباشرة ببرنامج تبادل تربوي وثقافي، وكان طلبهم «نريد أشخاصاً من الطائفة الشيعية للذهاب الى أميركا»، وهذا المطلب كان علنياً! ويستغرب شيا كيف لجمعية أو منظمة في المجتمع المدني، والتي من المفترض أن تكون الأكثر نقدية، أن توقع أو توافق على بنود أو مطالب كهذه؟ ويقول شيا إن usaid تدخل الى المؤسسات العامة وعدد من المناطق للحصول على معلومات استخبارية، وقد طلبت المنظمة بعد حرب تموز أن تقام مشاريع بالتعاون مع بلديات في الجنوب، وكان شرطها ألّا تكون هذه البلديات مع حزب الله، والغريب أن هذا الطلب التقسيمي والمنحاز لقي تجاوب عدد من البلديات وبعض رؤسائها يقولون إنهم وطنيون!
ويشرح أحد العاملين السابقين في الوكالة أن الأميركيين أحكموا قبضتهم على العالم من العسكر الى الاقتصاد والثقافة، وأن دخول المنظمة الى المؤسسات العامة بحجة المكننة هو التفاف على الحقيقة التي تقول إن هدف المنظمة ليس التنمية بل ربط المؤسسات في لبنان بكل المعلومات الواردة من هذه المؤسسات. ويوضح أن الولايات المتحدة تمسك بالخادم الالكتروني الذي يربط العالم كله بشبكة واحدة، فبين 13 خادماً الكترونياً يوجد 11 في الولايات المتحدة وواحد في أوروبا وآخر في اليابان! ويشرح أن السفارة الأميركية لها السلطة المباشرة في الموافقة او الرفض أو حتى فرض التعاون مع بعض الجمعيات، والسفير له اليد الطولى في فرض برنامج حتى لو لم يكن مفيداً، شارحاً أن ذلك يأتي رغم أن للمنظمة آلية تقويم تعدّ أفضل من آليات الدول الأخرى مثل الأوروربيين أو غيرهم.

undp... أو الإدارة الرديفة!

أما عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP فهو منظمة من المفترض أن تكون حيادية وأن تعمل لبناء قدرات الدولة وتمكين مؤسسات المجتمع المدني وفق مقررات الأمم المتحدة وأهدافها، إلا أن جميع أدوات هذه المنظمة أصبحت مرهونة لسياسة الولايات المتحدة، لا بل دخل الفساد الى أروقة هذه المنظمة بقوة، وآلية عمل هذه المنظمة تعدّ غير جيدة بحيث لم تترك بعد سنوات من عملها أي أثر فعلي على اصلاح الادارات، فهي بدلاً من كسر جرة الفخار العالقة في رأس البقرة، تقيس رأس البقرة، ثم تجري دراسات عن هذه البقرة لتقطع رأس البقرة ثم تكسّر الجرة، فلا تسلم البقرة ولا الجرّة! ويشرح شيا أن هذه المنظمة تخاف العمل مع منظمات جدية في المجتمع المدني، وهي تسيطر على الجمعيات وتمسك برقاب الوزارات والمؤسسات العامة، ويحصل خبراء هذه المنظمة على 50 ألف دولار حداً أدنى لإجراء دراسات، ما يؤدي الى هدر المال المفترض أن يكرس للمجتمع المدني، بحيث أصبح لدى هذه المنظمة مئات الدراسات المتشابهة وغير المجدية، علماً أن هذه الدراسات تفرض على المجتمع المدني وقد أثبتت في أحيان كثيرة عدم دقتها. ويروي شيا أنه في فترة سابقة قدمت جمعيته برنامجاً للتمويل حول حقوق الإنسان الى منظمة دولية تابعة للأمم المتحدة هي UNDEF وفجأة تبيّن أن UNDP لبنان قدموا برنامجاً مماثلاً الى المنظمة الدولية! ويسأل «كيف لمنظمة تابعة للأمم المتحدة تتحول الى جمعية أهلية وتطالب منظمة أخرى تابعة للأمم المتحدة بتمويل برامجها؟». ويشرح أحد العاملين في البرنامج أن UNDP هو استشاري في كل الوزارات والسرايا ومجلس النواب، ويلفت الى انه اذا كان لديهم تمويل بـ10 ملايين دولار لتحديث وزارة، يصرفون ما بين 60 و70 في المئة من أموالهم على انفسهم والباقي على المشاريع. ويدخل الموظف في التفاصيل، فيشرح أن المجموعة التابعة للبرنامج العاملة في وزارة الاقتصاد تعمل وفق التوجه السياسي مثلاً، المتعلق بالدخول الى منظمة التجارة العالمية، اذ إن موظفي البرنامج يرون أن الاصلاح هو أن تجرى الحسابات بحسب أفكارهم، اما المشكلة فهي أن الاموال التي تنفقها الخزينة العامة على البرنامج تذهب في جزء كبير منها على تمويل هذه المساعدة التقنية على حساب دعم الإدارة الرسمية التي باستطاعتها بهذه الاموال القيام بالعمل نفسه... اما في وزارة المال، فقد أصبحت مجموعة UNDP ادارة رديفة لا بل تتخذ قرارات فعلية بدلاً من الوزراء، وللفساد في هذه المجموعة تحديداً مآثر، وقد بدأت تظهر نتائجه في الحسابات المالية للدولة التي تعبر عن فوضى خلاقة، فوضى يتدخل في تفاصيلها شياطين الأموال المهدورة للشعب اللبناني... اما في الوزارات الأخرى، فعمل هذه المجموعات هو إجراء دراسات توضع في الأدراج في مقابل أموال تزهق من جيوب الشعب اللبناني لتمويل استمرارية وجود البرنامج في هذه الوزارة أو تلك!

البنك الدولي: تدمير ممنهج!

البنك الدولي معروف بـ«البنك التجويعي» في جميع دول العالم الثالث، فقد عمد عدد من رؤساء الدول الى اتهام مسؤولي البنك الدولي بالابتزاز الاقتصادي، وبفرض أجندات تخدم الولايات المتحدة الاميركية ومصالحها وخصوصاً النفطية منها... أما في لبنان، فقد قرر البنك الدولي مع عدد من الجمعيات المحلية التوجه الى المؤسسات الرسمية «لكون المجتمع المدني يشوبه الفساد». وتتميز علاقة البنك الدولي بلبنان بما يسمى إجراء اصلاحات في الهيكل الاقتصادي في لبنان، ويرى هؤلاء أن عملهم الاساسي في لبنان هو تحديث عمل الوزارات (او الدخول الى بيانات الوزارات). وتتميز مشاريع البنك الدولي بأنها تتطلب إنفاق أموال باهظة لإجراء دراسات لا تتابع، تدخل في عصبها صفقات عديدة. فقد أنفق البنك على دراسة عن مؤشرات الفقر في لبنان مثلاً، نحو 6 ملايين دولار، وهذا التمويل كان من ضمن تحديث وزارة الشؤون الاجتماعية، فهدرت الاموال ولا تزال مؤشرات الفقر هي ذاتها. ويشير أحد العاملين في برامج مع البنك الدولي الى أنه لا يوجد لدى البنك اي تخطيط لأي مشاريع، بل تأتيهم التقارير من الخارج أنه يُعمل على قضايا معينة ليست بالضرورة مهمة أو ذات أهمية للبنان.
وقد عمل البنك وصندوق النقد الدولي خلال فترة وجودهما في لبنان على خفض العجز، وهذه هي الوصفة السحرية التي يعتمدها كلاهما في الدول النامية، كما أعدوا برامج التكييف الهيكلي والاقتطاع من نفقات الاجتماعية، فيما اللعبة الاساسية تكمن في اطار السياسات المالية للبنان... ففي أفريقيا مثلاً، يقول المصدر، يضغط البنك الدولي لجمع المساعدات التي يقدمها في المصارف الغربية في أفريقيا، التي تشتري سندات خزينة في البنك المركزي الأميركي في مساهمة لتمويل الدين العام الاميركي، وبذلك تكون اقتصادات الشعوب في يد الولايات المتحدة، ويكتب على سجل البنك أنه يقدم المساعدات!
هذا الواقع ينسحب على عدد كبير من المنظمات الدولية العاملة في لبنان، إذ إن احدى الجمعيات الايطالية نفذت ورشات عمل في الزراعة لمدة ثلاث سنوات، وتبين ان هذه الورشات كانت على الورق بعدما عُلم أن المزارعين المعنيين بهذا المشروع لا يعلمون عنه شيئاً، فيما ترمي الجمعيات والمنظمات الدنماركية أموالها في الشارع اللبناني «بلا وعي» وفق ما يقول أحد العاملين في جمعية دنماركية: يضعون أموالاً في لبنان بلا وعي، وعدد من هذه المنظمات تحوم علامات الاستفهام حول عملها وارتباطها...



الجمعيّات وسيلة للوصول إلى جنّة المناصب!

ليس وزير الداخلية زياد بارود سوى نموذج من ناشط في المجتمع المدني وصل الى منصب وزاري، فالطامحون كثر، والطموح أحياناً لا يطأ عتبة الوزارة بل يصبو الى مناصب أدنى، فيصبح أهم هموم العامل في الجمعيات أن يعين مستشاراً لدى الزعيم الفلاني أو موظفاً لدى المنظمة الدولية العلّانية، أو مؤهلاً في أية لحظة للمنصب النيابي أو الوزاري المنشود... فمثلاً أحد المستشارين لدى رئيس الحكومة سعد الحريري، كان من مؤسسي جمعية لا فساد، وبعدها عمل مستشاراً لدى UNDP ليصل الى رتبة «مستشار رئيس الحكومة»...
مستشار وزير الداخلية خلال الانتخابات النيابية كان في جمعية لادي المتعلقة بالانتخابات، ثم عمل مسؤولاً عن الحملة المدنية لإصلاح الانتخابات، ليصبح مسؤولاً في جمعية جيمي كارتر. وفي المجتمع المدني، دائماً ما كان يتردد اسم ناشط هو من الشخصيات المرشحة دائماً لتولي منصب نائب أو وزير، وهو يعمل في جمعية من «آي أن ان دي»، وكذلك في شبكات عديدة منها يوروماد، وقبل الانتخابات النيابية أصبح الأمين العام في احدى الجمعيات...
أما المنسق العام لحملة مراقبة الانتخابات السابقة، فهو يعمل عبر مشاريع في الدخول الى الوزارات، وكان يقدم ورشات للتدريب في وزارة الشؤون الاجتماعية... وهو لا يخفي طموحه بأن يصبح وزيراً، ويقول إن ترجمة التغيير تكون عبر الوصول الى السلطة...
وأحد رؤوساء جمعية «لادي» كذلك، طرح نفسه في الانتخابات النيابية الاخيرة نائباً، لكن «حظه» السياسي لم يسعفه!
ويشرح أحد المتابعين لعمل جمعيات المجتمع المدني، أن بعض الطارئين على المجتمع المدني يحاولون تقليد بعض الشخصيات التي وصلت الى مجلس النواب أو الوزراء وكانت عاملة في المجتمع المدني مثل النائب غسان مخيبر أو الوزير زياد بارود، بحيث تحول همهم الى إبراز أنفسهم بدلاً من العمل الجدي للوصول الى هذه المراكز. أما مواصفات الطامحين الى السلطة فهي: أن يكون دبلوماسياً جداً، ألّا يغضب أي جهة سياسية، أن يراعي «الخواطر»، ويلتزم الابتعاد عن طرح قضايا شائكة...



شيا: وقائع مريبة

يقول مدير جمعية «مسار للسياسات الشبابية» كمال شيا أن ضابطة في الطيران الأميركي كانت تردد دوماً أمام زملائها أنها نادمة على عدم وجودها مع زملائها الذين يحتلون العراق. وقد أتت في حرب تموز 2006 الى لبنان وعملت عبر إحدى المؤسسات في الجنوب.
ويلفت الى أن ضابط حماية وجهوزية في الجيش الاميركي دخل الى المجتمع المدني اللبناني عبر اجتماعات تتعلق بالحماية والجهوزية وجاء في حرب تموز عبر جمعية «سيف ذا تشيلدرن» (اتحاد غوث الاولاد التابع الى الولايات المتحدة)، وكان مكتبه في المنارة يغص بالخرائط العسكرية. وكذلك أسس ضابط متقاعد في الاستخبارات الاميركية جمعية «البحث عن أرضية مشتركة» في لبنان ويعمل على حل النزاع وتقبل الآخر وبناء السلام! ويعتبر شيا أنه حين تفرض منظمة دولية توقيع الجمعيات على بنود «مكافحة الإرهاب» وتصنف في الوقت نفسه عدداً من الأحزاب اللبنانية أنها إرهابية، فهذا يشير الى عملية خلق شرخ في المجتمع اللبناني لا بناء السلام.



حمدان: جمعيات طائفية

يشير الناشط في المجتمع المدني رضا حمدان الى أن معظم الجمعيات اللبنانية هي انعكاس للنظام الطائفي في البلد، فدور الجمعيات الأهلية يجب ألّا يحل محل دور الدولة كما هو الواقع حالياً، إذ إن كل طائفة كوّنت شبكات أمانها عبر الجمعيات. لكن، وفق حمدان، يوجد نوع ثان من الجمعيات التي تبغي الربح بعكس سبب إنشائها، وهي «تلحق» التمويل وتعدّ مشاريع بحسب القضايا «الدارجة» دولياً. اما النوع الثالث، فهو عبارة عن جمعيات تعمل على استكمال دور الدولة مثل طرح قضايا حقوق المرأة وحقوق المعوقين وغيرها، للضغط لتحسين القوانين أو استحداثها. فمثلاً، وزارة الشؤون الاجتماعية تصرف أكثر من 70 في المئة من موازنتها على الجمعيات الرعائية الاجتماعية. ويسأل حمدان: هل يوجد رقابة على هذه الجمعيات التي معظمها طائفي؟ هل يعلم احد كيف تنفق الأموال؟ وعلى ماذا؟ ويضيف « اكتشفنا أن أكثر من 90% من الاطفال المقيمين في جمعيات رعاية اجتماعية (وتمولهم وزارة الشؤون) ليسوا ايتاماً، بل فقراء دخلوا الى هذه الدور عبر زعماء المناطق، ليحصل هؤلاء على أصوات ذويهم.



كنعان: وضع شاذ

يرى رئيس لجنة المال والموازنة النيابية ابراهيم كنعان أن أصل الفساد هو الإدارة اللبنانية التي تستخدم موظفي الـundp للهروب من التوظيف الرسمي، وهذه الإدارة تساهم في الخروج عن القوانين واستخدام موظفين في مواقع حساسة من خارج ضوابط مجلس الخدمة المدنية ومنظومة الدخول الى الإدارات الرسمية، وخارج أي آلية للمحاسبة، ويوجد حالات غير طبيعية في عمل عدد من موظفي هذه المنظمة في الإدارات الرسمية. وهذه الحالات لا تنطبق، وفقاً لكنعان، على وزارة المال حصراً، إذ يوجد مستشارون يتحكمون في الإدارات العامة اكثر من المديرين العامين ورؤساء الدوائر، وقد أعطت لجنة المال والموازنة الحكومة اللبنانية مهلة سنة للخروج من هذا الوضع الشاذ وخفض عدد هؤلاء المستشارين وتوسيع الملاك الرسمي...
ويأمل كنعان أن يتحقق هذا المطلب، لأن منحى العمل في الإدارات العامة يتجه نحو الإصلاح، حتى لو كانت هذه الإدارات لا تعترف بهذا التغيير.