سيكون على أي مراقب أن يفكر مرتين قبل أن يحكم ما إذا كانت الجماعة الإسلامية تنتمي إلى قوى 8 آذار أو إلى ضرّتها 14 آذار. فالجماعة منذ البدايات الأولى التي تشكّل فيها القطبان في عام 2005، كان لها قدم في هذا المعسكر وأخرى في ذاك. فهي خرجت يوم 8 آذار 2005 لتقول مع حزب الله وحلفائه: «شكراً سوريا». وهي التي خطبت في معظم المناسبات التي أقامتها قوى 14 آذار في ذكرى تأسيسها. وهي التي سمّت سعد الحريري لرئاسة الحكومة الأخيرة قبل أن تحجب الثقة عن حكومته. وكان آخر مواقفها رفض شعار «الشعب يريد إسقاط السلاح» الذي حشد له تيار المستقبل وحلفاؤه يوم 13 آذار الماضي ضد حزب الله. فإلى أي خندق تنتمي الجماعة، «الفرع» اللبناني لـ«الإخوان المسلمين»، في وقت يشاع فيه عن ترتيبات أميركية إخوانية برعاية تركيا ـــــ أردوغان، لإعادة رسم خريطة المنطقة من جديد؟ ينفي رئيس المكتب السياسي للجماعة، عزام الأيوبي، ما يشاع عن لقاءات وتفاهمات حصلت بين الإخوان وقيادات أميركية، بحضور وتنسيق قطري ـــــ تركي، مؤكداً أن الإخوان في مصر رفضوا طلبات أميركية للّقاء بهم قبل الثورة. وفي كل مرة، يضيف الأيوبي، ردّ الإخوان على الطلب الأميركي بالقول إن «أي لقاء ينبغي أن يسلك القنوات الدبلوماسية المعتمدة، وإن وزارة الخارجية المصرية هي الجهة المصرية الوحيدة المخوّلة بذلك». ويرى الأيوبي أن ما أشيع عن أجندات أميركية ـــــ إخوانية هو فبركة معروفة الأهداف والغايات.
يوضح الأيوبي شكل العلاقة التي تربط الجماعة بجماعتها الأم: «نحن نفصل داخل حركة الإخوان بين القضايا المحلية والقضايا العامة. ونقصد بالقضايا العامة تلك القضايا المرتبطة بمصلحة الأمة عموماً ولا تختص بقضية محلية لبلد ما. فالقضية الفلسطينية، على سبيل المثال، هي من القضايا العامة. وبالتالي لا يعقل أن يكون لفرع التنظيم في بلد ما موقف مغاير لما هو عليه موقف التنظيم الدولي. أما في القضايا الداخلية أو المحلية فصاحب الفصل في اتخاذ موقف حيالها يعود للتنظيم المحلي».
ومن الأمثلة على ذلك، الخلاف الذي نشب بين الحزب الإسلامي في العراق والحركة الأم بشأن طريقة تعامله مع قضية الاحتلال الأميركي للعراق في عام 2003، وقبوله الانخراط في العملية السياسية. في هذه المسألة، «كان الحسم للحزب الإسلامي الذي كان أقرب الى فهم حقيقة المشهد، بحكم وجوده على الأرض حيث كان اجتهاده في المسألة أن عمله يصب في مصلحة حقن دماء العراقيين وبناء الدولة»، يقول الأيوبي.
وما ينطبق على الدول الإسلامية الأخرى يسري على لبنان. فالود في العلاقة بين حزب الله والإخوان في مصر لا ينعكس بالضرورة على الجماعة الإسلامية. إذ يرى الأيوبي أن علاقة الفرع اللبناني بالحزب تقوم على التفريق بين دعم سلاح المقاومة الذي هو سلاح مشروع في مواجهة الاحتلال، وبين استعمال السلاح في الداخل الذي هو مرفوض بكل مندرجاته.
بدورها، ترى جهات إسلامية مستقلة أن البرودة بين حزب الله والجماعة الإسلامية تعود الى ما قبل أحداث السابع من أيار 2008. فالجماعة ترى أن حصر مقاومة الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب بيد حزب الله بعد اتفاق الطائف أفقدها جزءاً من دورها. لكن ذلك لم يحل دون نشوء علاقة جيدة بين الطرفين، طوال سنوات الوجود السوري. وكان من شبه الثابت أن يتحالف أنصارهما في معظم الاستحقاقات الانتخابية، الطالبية والنقابية.
الحدث المفصلي في العلاقة بين الطرفين وقع بعد حرب تموز 2006، عندما أعلن الأمين العام الأسبق للجماعة، الداعية فتحي يكن، تأسيس «جبهة العمل الإسلامي». وتتهم الجماعة حزب الله بتشجيع يكن على خطوته، وإمداد جبهته بالمال والدعم السياسي. هذا الأمر لا تزال الجماعة تقف عنده، إذ يرى الأيوبي أن «حزب الله ما كان يفترض به أن يتدخل في الساحة السنية من دون تنسيق مع القوى الفاعلة فيها. فنحن نربأ بأنفسنا عن التدخل في الساحة الشيعية».
يضيف الأيوبي: «ثمة عامل خلاف جديد بيننا وبين حزب الله يتمثل بموقف الحزب من الثورة في سوريا. فالشعب السوري عنده مطالب محقّة يجب أن تحترم، إلا أن حزب الله تبنى موقف النظام السوري في تصويره الاحتجاجات في سوريا».
وعن انعكاسات الثورات العربية على حضور الجماعة طالما أن تلك الثورات تنبئ بنفوذ كبير للإخوان المسلمين في المستقبل القريب، يرى الأيوبي أن ذلك «يفرض على الجماعة وقادتها عبئاً جديداً في تبني خطاب يكون أكثر تقدماً في تطلعاته، ويزيل عن كاهل الجماعة أخطاء ارتكبت في مرحلة سابقة، جزءٌ منها في بعض مفردات الخطاب السياسي».
الأيوبي، الذي يؤكد أن أطرافاً سياسية من داخل الطائفة السنية وخارجها بدأت تتودد للجماعة في مرحلة ما بعد الثورات العربية «لاستشعار هذه الجهات أن التغيير الحاصل في المحيط سيعيد ترتيب موازين القوى السياسية في لبنان»، يرى أن «الظروف التي يمرّ بها لبنان اليوم هي ظروف استثانية جداً نشهد فيها تلاشي قوى وظهور قوى جديدة، وحدّاً من النفوذ الخارجي بفعل المتغيرات الحاصلة في الإقليم». وبناءً عليه، فإن «أمل الجماعة كبير في أن يكون أداؤها أفضل في راهن الأيام استعداداً للانتخابات المقبلة عام 2013.



ضيق وقت

يؤكد الأيوبي أن المرشد العام للإخوان المسلمين، محمد بديع، لم يلتق الأمين العام لحزب الله، لأسباب تتصل حصراً بضيق وقته، مشيراً إلى أن المرشد خصّ وفدَ حزب الله الذي جاء للتعزية بوفاة الأمين العام السابق للجماعة الشيخ فيصل مولوي، بلقاء دون بقية الوفود التي جاءت للتعزية في مركز الجماعة في بيروت.