كادت الأحداث التي جرت عامي 2005 و2006 أن تودي بتركيبة لبنان السياسية والاجتماعية، لما حملته من أحداث جسام، بدأت باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، مروراً بخروج الجيش السوري، وصولاً الى العدوان الإسرائيلي على لبنان في حرب تموز، وما أفرزه من تداعيات سياسية. على هذه الخلفية، تولد شعور «بالألم» لدى الجماعات الإسلامية التي تداعت الى اجتماع عاجل بعد أربعة أيام فقط على احداث الأشرفية (5 شباط 2006)، حضرته الجماعة الإسلامية وحركة التوحيد الإسلامي (بجناحيها)، والتيار السلفي برئاسة الشيخ داعي الإسلام الشهال، وجمعية الاتحاد الإسلامي، ومنتدى طرابلس الثقافي ولفيف من علماء طرابلس. وتبلور عن هذا اللقاء ما سمي «قوى العمل الإسلامي»، قبل ان يتحول التجمع الجديد إلى حزب «جبهة العمل الإسلامي» بعدما انسحبت منه الجماعة والتيار السلفي وبعض الجمعيات. وبقي على رأس الجبهة الداعية الراحل فتحي يكن، فيما برز في العضوية رئيسا حركة التوحيد الشيخان بلال شعبان وهاشم منقارة، والشيخ عبد الناصر جبري مؤسس معهد الدعوة في بيروت والشيخ غازي حنين والشيخ شريف توتيو.
كان الداعية يكن يريد للجبهة، التي أسسها ورعاها، أن تختط لنفسها «خطاً وطنياً اسلامياً يمثل رافعة للساحة الإسلامية السنية التي انحرفت عن دورها الطبيعي في حمل لواء الجهاد والمقاومة وصمام أمان للحيولة دون تفجر الصراع السني ـــــ الشيعي»، وفقاً لما ورد في الأدبيات الأولى لتأسيس الجبهة.
حجزت الجبهة لنفسها بسرعة لافتة حضوراً بارزاً في الحراك السياسي اللبناني، وخاصة لما رافقها من لغط ومواقف ما بين داعم لها ومعجب بأهدافها ومواقفها، وبين من كان يراها غطاءً لحزب الله في العمل داخل «الشارع السني». لكن أحداث 7 أيار 2008 زادت من حجم الضغوط على الجبهة التي كانت تؤيد حزب الله في أدائه السياسي.
وإذا كانت الأحوال السياسية والظروف التي ولدت في أحضانها جبهة العمل لم تعد قائمة، فأين هي الجبهة اليوم؟ وكيف آلت الأمور بعد رحيل مؤسسها؟
تقول جهات عايشت الحالة الإسلامية الجهادية منذ الثمانينيات وواكبت نشوء ونمو جبهة العمل منذ ولادتها: «الحالة الإسلامية السنية عموماً في لبنان هي في حالة عجز ولم يعد لها وظيفة. وهذا ينسحب على الجبهة كما ينسحب على غيرها. فالتنظيمات الإسلامية السنية من دون استثناء تعمل باستراتيجيات غيرها. على سبيل المثال، تعمل «الجماعة الإسلامية» باستراتيجية سعد الحريري الذي أخذ قواعدها الشعبية وتركها جسماً بلا روح. الحال ذاتها تنطبق على جبهة العمل التي تنحصر وظيفتها في تنفيذ استراتيجية حزب الله».
وبحسب الجهات ذاتها، فإن الجبهة لم تشكل حالة شعبية، ولا يوجد أمامها اليوم تحديات «وليس لديها استراتيجيات أصلاً، بل هي تعيش على هامش الحياة السياسية». كذلك فإن الجبهة بقيت بلا رأس منذ وفاة مؤسسها الشيخ فتحي، ولذلك استعاض قياديوها عن وجود رئيس بخلق آلية جديدة لتداول القيادة من خلال «منسقية عامة» يتناوب على شغلها قادة الجبهة دورياً، حيث تحدد فترة المنسق العام بثلاثة اشهر قبل أن تنتقل الى آخر.
وفي «جوهر الشغل لا يوجد خلاف بين قيادات الجبهة» فهم متفقون من حيث المبادئ والأهداف والتوجهات السياسية، على حد قول مصادر مطلعة على أوضاعها. وما يحول دون ذوبان تنظيماتهم داخل الجبهة هو الصراع على القيادة والسلطة، وهو السبب نفسه الذي يحول دون انفراط عقد الجبهة لأنهم داخل الجبهة أقوى مما لو كانوا خارجها، وفق المصدر الذي يرى ان خطأ الجبهة الأساسي أنها ليست تنظيماً واحداً، بل إن «بعضهم دخل الى الجبهة فرداً ثم أسس تنظيماً خاصاً به، وهو لا يزال داخل الجبهة معتقداً أن الشيخ فتحي نفسه لم يرد لها أن تكون تنظيماً واحداً لأنه الوحيد الذي كان قادراً على ذلك ولم يفعل ولا أدري لماذا».
وإذا كان المنسق العام للجبهة الشيخ هاشم منقارة يتفق مع المصدر السابق في أن الجبهة هي دون ما كانت عليه أيام الشيخ فتحي، فهو يؤكد أن الداعية يكن نفسه لم يستطع أن يجعل الجبهة كتلة واحدة، لوجود ثغر في البنية والتطلع. «فبعض قادة الجبهة لا يريدون ذلك لأسباب مرتبطة بالعقلية والذهنية التي يفكرون فيها، كما يعود لارتباطات داخلية وخارجية لدى هؤلاء فضلاً عن نقص الوعي السياسي عند البعض».
ولا ينفي منقارة أن الجبهة كما يشاع تمر في ضائقة مالية كبيرة يعزوها لرحيل الداعية يكن الذي كانت له علاقات متشعبة ولديه أبواب عديدة يحصّل منها الأموال للجبهة. «وبوفاة الشيخ ضاقت هذه الأبواب ولم يبقَ لنا سوى باب او اثنين»، رافضاً تسمية الجهات التي تفتح لهم هذه الأبواب، «فهذا أمر يخصنا». ويرى منقارة ان الجبهة ثبتت على مواقفها التي من اجلها أنشئت، مثل دعم المقاومة وحق الأمة في الجهاد في سبيل تحريرها، رافضاً صحة القول إن الجبهة ليس لها استراتيجية أو ليس لها استقلالية، متابعاً: «نحن لسنا إمّعة. نحن أصحاب قرار ونعرف ماذا نريد، ولدينا استراتيجية هي حمل الإسلام ديناً ودولة، وأن نحقق مصالح الأمة من خلال دعم المقاومة وتبنّي خط الجهاد، وكل ما يخدم هذا الخط».
وبين هذا الموقف وذاك، يرى الشيخ ماهر حمود أن الجبهة بقيت بالحد الأدنى الذي يسمح لها بالاستمرار، وهي لعبت دوراً لا بأس به في التعبير عن الموقف الإسلامي البعيد عن الفتن المذهبية.



غياب الحالة الشعبية

كان الداعية فتحي يكن مفتاحاً لعلاقات استراتيجية للجبهة داخل لبنان وخارجه. لكن الجبهة لم تتمكن من إرساء قاعدة شعبية خارج الحالة التي يمثلها بعض أطرافها في طرابلس، كحركة التوحيد التي نال أمينها العام، الشيخ بلال شعبان، نحو 17 الف صوت في الانتخابات النيابية الأخيرة.