يستطيع وليد جنبلاط أن يجمع الزيت والماء في وعاء خاص لمنطقة راشيا والبقاع الغربي اسمه وائل أبو فاعور. على مائدة الأخير، جلس إيلي الفرزلي وحسن عبد الرحيم مراد والبعثي في جهة، وجمال الجراح ومعه نواب المستقبل في جهة أخرى. استدارت طاولة الاشتراكي حول مختلف الأحزاب، وتقاسم حزب الله الخبز مع القواتي والقومي والمستقبل والأحباش والجماعة الإسلامية. يمارس أبو فاعور هوايته المفضّلة في عشائه النجومي: «تدوير الزوايا». يتّزن خطابه ما بين 14 و8. يردّد: «هذه قلعة الشهداء... والعيش المشترك». رغم «الكليشيه»، تبقى الأرض الاشتراكية، نفسياً وسياسياً، عند 14 آذار. في كواليس ذلك العشاء، كان الاشتراكيون «ينغلون» حول الطاولات بانزعاج ويتهامسون: «لماذا دعونا فلاناً؟ ولماذا رحّبنا بفلان؟». لم يتقبّل الاشتراكيون بعد أنهم لم يعودوا في رأس حربة «ثورة الأرز».

يتنقل أبو فاعور من طاولة إلى طاولة. يمازح النائب زياد القادري تارةً، ويغازل حسن عبد الرحيم مراد طوراً. يدور على رؤساء البلديات وفاعليات المنطقة وعلى وجهه ابتسامة الزعيم. يتصوّر مع شرطي البلدية، يمازح المختارة في مشكلة «صيد الحجل»، يعد هذا وذاك بالخدمات. يمشي ابن حاصبيا كالسلطان في راشيا.
في يومياته، يزور أبو فاعور زميله الجراح، لكنه لا يزور عبد الرحيم مراد أو إيلي الفرزلي. شارعه، كما هواه ورائحة مكتبه وشعاراته المعلّقة، كلها تعبق بـ«14 آذار» ولم تتزحزح. رغم ذلك، حين تصالح جنبلاط مع رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي أسعد حردان في صوفر، ردّد أبو فاعور صدى المصالحة في وادي التيم.
خصومه السياسيون يعترفون بتفوّقه من الناحية الخدماتية. واحد يرى أن أموال UNDP ترعى خدماته، وآخر يتّهمه بعرقلة كل الخدمات التي لا تمر تحت جناحه، وثالث يقول «تلك خدمات لا فضل لأبو فاعور في تحقيقها».
لكن الواقع أن في مكتب وائل أبو فاعور زحمة أناس متنوعين يطلبون شتى أنواع الخدمات. هنا، تحت صورة الحريري المعلّقة في مكتب أبو فاعور، يجلس طباخ في مستشفى راشيا يطلب إعادته إلى الوظيفة بعد صرفه التعسفي، قومي من عين عطا يطلب شق طريق إلى منزله، طبيب قواتي الهوى، مديرو مدارس، عاطلون من العمل... كل الناس في مكتب أبو فاعور.
من تحت صورة رئيسه يعدّد «وائل بك» خدماته كحزب وكنائب وكوزير: طريق المرج ــــ جب جنين، طريق راشيا ــــ عين عطا، جامعة CNAM، فرع الاقتصاد وإدارة الأعمال للجامعة اللبنانية في راشيا، مشروع كلية الزراعة في جب جنين، الاهتمام بمستشفى راشيا الحكومي، مشروع المياه بدعم البنك الدولي وصندوق التنمية الكويتي، مدّ شبكة DSL للمنطقة، ويختم: قدّمنا منذ 2005 حتى اليوم ما لا يقل عن 3000 فرصة عمل في لبنان والخارج.
لكن تلك الخدمات ثمة ما يغيّب ضوءها ويقلل من شأنها: بدءاً بجامعة CNAM، إذا بحثت عنها فستجدها على شكل لافتة معلّقة قرب لافتة ثانوية غزة الرسمية. لم تستقل الجامعة، بعد، بمبنى خاص، ولا زاد عدد تلاميذها على 300. جامعة خاصة تستخدم مبنى مدرسة رسمية، لأن وزير التربية حينها خالد قباني أراد ذلك بمرسوم خاص.
أما مستشفى راشيا، فقد يفسّر «اعتناء» وائل به بأنه «هيمنة». يكشف فيصل الداوود عن تجاذب في المستشفى: «التفتيش المركزي قصد المستشفى 3 مرات وأخذ قرارات بمعاقبة بعض مسؤوليها ومديرها. أما الجامعة اللبنانية، فلا فضل لجنبلاط فيها، تلك جامعة رسمية جاءت بقرار من الرئيس بري».
في العلاقات السياسية، خصام واضح بين الاشتراكي والعونيين، وعلاقة «تبييض وجوه ومسايرة» مع الأفرقاء الباقين. يتباهى «أستاذ وائل» إذ يجيب سريعاً بالإنكليزية: علاقتنا بحزب الله perfect. علاقتنا بالقوميين perfect. لا علاقة مباشرة مع عبد الرحيم مراد والفرزلي، لكنّهما حضرا إلى الإفطار. أما مستقبلياً، فأبو فاعور يعتبر من أهل البيت. يجسّد يوم عيد الفطر الأخير طبيعة عمل أبو فاعور السياسي وموقعه. فهو إذ أرسل وفداً حزبياً برئاسة مسؤولي الاشتراكي نواف التقي وعادل عمورة والمشايخ لتهنئة عبد الرحيم مراد في منزله في الخيارة، قام بزيارة شخصية إلى المرج لمعايدة حليفه السابق النائب جمال الجراح.
رغم سلطة أبو فاعور المطلقة عبر خدماته المتكاثرة ومتابعته اليومية لمنطقة راشيا والبقاع الغربي في ظل غياب نوابها الخمسة الآخرين، لا تكرّسه الساحة الدرزية زعيمها بالكامل. خسر بعض القرى البلدية أو توافقت العائلات وبقيت السياسة جانباً.
في ضهر الأحمر، يعدّد الإعلامي مفيد سرحال أشكال حرمان راشيا المتزايدة. من الناحية السياحية، تملك راشيا أن تكون على رأس الدليل الوطني نسبة إلى سوقها الأثري وصناعاتها الحرفية وقلعة استقلالها وجبل الشيخ الراقد فوقها. سعر متر الأرض يرتفع إلى 100 دولار هنا، لكن الطلب ليس مؤشر تنمية سياحية، بل لأن راشيا وجبل الشيخ موقع استراتيجي.
ترتفع صرخات الناس خوفاً من شائعات عن عملية تصنيف الأراضي الآتية. فلا سجلّات عقارية لأراضي راشيا، ويقال في الأوساط الشعبية إن وليد جنبلاط يسعى إلى تصنيفها «زراعية». من هنا يقلق الأهالي من انهيار سعر الأرض إذا حصل ذلك ويغضبون: «هذه أرض سياحية، ولو أعطي لنا أن نبنيها ونستصلحها، لغطّت راشيا بموقعها وآثارها على أسواق أقل أهمية». يغارون من عناية سليمان فرنجية بمنطقته. لماذا تحظى «إهدن» بمهرجانات دولية رغم افتقارها إلى الآثار، بينما يكتب على راشيا أن تجوع وتحتاج إلى زعمائها المستقدمين من حاصبيا؟
بدوره، لدى السؤال، «يفضح» أبو فاعور نيّته تصنيف المنطقة صناعية، كي تبنى عليها المصانع وتفتح فرص العمل للأهالي. لاحقاً، عندما يمرّ بسيارته قرب مصنع للألمنيوم، يقول: «هذا مصنع لأحد الشباب الذين كانوا معي في زيارة راشيا منذ قليل». يتوقّع أخصام أبو فاعور اليزبكيون والأرسلانيون أن وزير الشؤون الاجتماعية ينوي فتح شركات يستفيد منها سياسياً واقتصادياً. يكشف أحدهم عن كمية هائلة من الأراضي التي اشتراها بنفسه. أبو فاعور يؤكّد المعلومة في حديثه مع «الأخبار». «نعم، أنا أشتري الكثير من الأراضي، ولكن ليس لي. صاحبها وليد جنبلاط!».