تتردّد ضحكة دولة الرئيس فريد مكاري مع تصاريحه المتناقضة: لن يترك العمل السياسي، ولكنه لا يعرف كيف سيكون شكله في المستقبل. آماله ورهانه على ثورة الشعب في سوريا، لكنه لا يزال يرفع صورة حسني مبارك. يضحك لعدوّه. هو رجل أعمال تخرّج في أميركا. هو مدير سعودي أوجيه. ابنه يعمل في فرنسا في الشركة نفسها مع ابن غازي كنعان. علّم ابن الضابط السوري على حسابه، ثم صرخ ضدّه كي يخرج من لبنان. هذا هو فريد مكاري. لا يخرج من السياسة، لكنه يبحث عن استثماره الجديد وموقعه. ولد مكاري مرتين. مرة حين وضعته أمه ومرة أخرى حين صافح رفيق الحريري في السعودية عام 1974. من السعودية إلى فرنسا، ومنها إلى الندوة البرلمانية اللبنانية عبر سعودي ــــ أوجيه، رافق «رفيق الدرب» منذ كان ابنه سعد يستعد لدخول الحضانة وكبر معه.
صريح في قول كل المراحل ووصفها. من منابر البعث إلى منابر ثورة الأرز، من بيت سليمان فرنجية إلى خط الشام، حافظ «الفريد» على موقعه كأرثوذكسي في عائلة الحريري وشركاتها. حمل ضحكته ولسانه وتنقّل في المواقع السياسية بذكاء. صديق أخصامه. يعزّيهم في أحزانهم ويبارك لهم في أفراحهم، ويغازلهم ويعدد محاسنهم. سليم سعادة، ضباط الردع، آل طلاس، آل فرنجية، آل خدّام، آل كنعان... «تلك صداقات شخصية باختلاف الموقع السياسي».
منفتح كأميركا التي خرّجته مهندساً في تكساس عام 72. يحترم «أهل السنّة» كالسعودية التي عمل فيها منذ أن تخرّج. قبل 37 عاماً، بدأ يتدرّج قرب رفيق الحريري في سعودي أوجيه... مهندس مشروع، ثم مدير منطقة، ثم مدير المشاريع جميعها، ثم نائب رئيس للشركة عام 82. انتقل في شركة الحريري إلى فرنسا عام 1987. في كل تلك المرحلة، كان يوظّف شماليين، من المنية إلى طرابلس إلى بعض قرى الكورة. كان يسهم في بناء مشروع تيار المستقبل مع الحريري الأب. عام 1992، «طلب مني رفيق الحريري أن أترشح للنيابة».
مشى فريد مكاري بين القوميين إلى بيت سليمان فرنجية نائباً ثم تعارك معهما وخسّرهما وبقي هو النائب الأقوى. اغتيل رفيق الحريري، وأتت موجة ثوار الأرز، فبقي حيث موقعه الطبيعي في عائلة الحريري. اليوم، وتحت صخب متغيّرات المنطقة يصيبه الانفصام. لا تزال صورة مبارك معلقّة في منزله، ومعها صورة ملك السعودية الحالي وولي عهده سلطان.
رغم أنه من المساهمين الشماليين الأساسيين في مسيرة الحريري الأب، لكنه لا يحب أن يقول «أنا من تيار المستقبل». يكره غياب سعد الحريري، ويحبّ الرئيس ميقاتي حين يطالب بتمويل المحكمة. «نجيب ميقاتي مستدركها على صعيد موقعه السنّي، إذا لم تقرّ المحكمة التمويل، فسيكسب سعد. أهل السنّة يعتبرون الحريري قضيتهم». يتكلّم في السياسيين فرداً فرداً، ويعرف ما في أذهانهم. يقول مكاري «جنبلاط يحب رفيق الحريري أكثر مما يحبّه سعد وأقل منّي بشوي». على لائحات هواتفه، يملك فريد مكاري صداقات إقليمية متمددة ويبشّر منها: «أملي من الوضع الإقليمي أن يقتنع اللبنانيون بالاتفاق».
في منزله بالرابية، صورة له مع جورج بوش، وصورة مع جاك شيراك، وصورة للرئيس رفيق الحريري بين شيراك وساركوزي، وصورة بين سلاطين قطر.
في منزله بالرابية رجل بحجمه ينسّق في «شؤون إقليمية» تبدأ في المال وتنتهي في السياسة، ويعاين القروض التي يأخذها الحريري في السعودية. لم يهتد بعد إلى معالم انتخابات 2013. يقول إنه يفكر حالياً في عدم الترشح. الفكرة ذاتها راودته قبل كل معركة انتخابية في السابق. يحب أن يراهن على سقوط النظام السوري من دون أن يتمتم باسم الأسد. يردّد «نعم». ينقل عينيه تساؤلاً من اليمين إلى اليسار، ثم يؤكّد: ربما حقاً يسقط.
في كل الأحاديث ذات الزوايا الحادة يهرب. يشعر بضرورة التهرّب من مسؤولية الكلام في مثل هذه المرحلة، لكنه يستكمل العمل والاستثمار في ماله والسياسة، «بعت حصّتي من البنك اللبناني ــــ الكندي لكنني سأفتح عملاً جديداً بالمال». لا يستطيع أن يبقى من دون استثمار، لأن مصروفه ضخم. لا يصرّح بحجمه، ولكنه يعدّد أبوابه: «في الخدمات الخاصة، وفي حياتي الخاصة وعلاقاتي ونمطها، في السياسة، لا تنسوا أن الكورة لي».
في ما يخص ديون سعد الحريري، يطمئن مكاري: «المال بخير. إذا كان عندك 10 آلاف دولار وعليك دين ألفان، كيف يكون وضعك؟ هذا وضع الحريري». يهاتف نازك الحريري أثناء المقابلة ليهنّئها: «مبروك الحفيد الجديد»، ثم يقول: «علاقتي بآل الحريري ممتازة، وأنا فرد من البيت، ورفيق الحريري جزء من يومياتي»، قبل أن يرحل في صورة الرئيس الشهيد معتمراً قبعة راعي البقر الأميركية.
«سعد كبر وكنت أعمل مع أبيه، تربطني به عاطفة صداقة وأبوّة. لذلك أستطيع أن أبدي ملاحظاتي حين يخطئ... لو عاد رفيق الحريري ورأى، أكيد سيكون عنده ملاحظات». ثم في تقويم سعد الحريري: «قلت له إنه أخطأ حين زار سوريا وعوّل على س ــــ س، والله شاهد على أنه لم يسمعني».
في حديث القهوة والأخذ والرد يسائل نفسه: «أنا أعرف من قتل الحريري ولكن لن أقول»، ثم يلمّح إلى النظام السوري مستدركاً: «لكنني متأكد من أن الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية كان عندهما علم بأن شيئاً بهذا الحجم سيحدث في لبنان ومرّرتاه». يرفع إبطه قائلاً «نحنا منسمّيها قبّة باط». يقلّب أوراقه، يأكل قلمه ويستكمل مع الأسئلة: «لأن ما حدث بعد مقتل الحريري من مصلحة إسرائيل وأميركا».
يقرّ فريد مكاري ببساطة وصراحة وضحكة أن المرحلة التي سلّطت ثورة الأرز والحريري على حكومة لبنان كانت من مصلحة أميركا وإسرائيل. وعند إعادة السؤال يبرر نفسه بمثل خاص به: «إذا كان عندك أخوان ومات أحدهما، تزداد حصة من الورثة. ولكن هل تفرح بأن أخاً لك مات؟».
«ازدادت الورثة» في السياسة، لكنّها تقلّصت في المال. يستغرب فريد مكاري أن تغلق أميركا مصرفاً له (اللبناني ــــ الكندي) بتهمة دعم المقاومة ويقول «أنا لي تاريخ في موقفي ضد حزب الله، لكنّ الأميركيين منفتحون، لذلك يعاقبون حلفاءهم».
لكن في قصة البنك الذي يُنسب دائماً إلى فريد مكاري، هو مجرد شريك، حصته وحصة أخيه لا تتعدى 15%. إلا أن في بيع البنك نكسة ما على مكاري. يبحث عن استثمار جديد ويفكّر. وفي طريقه مودّعاً الزوار، يسأل عن أداء سيارة kia، لا ليشتري مثلها لابنه، بل لأنها شركة تعني له. «كنت وكيلها في يوم من الأيام».