بدأت الاستعدادات اللبنانية للمشاركة في مونديال السلة من اللحظة التي حصل فيها لبنان على بطاقة الدعوة، وبدأ الحديث عن الظهور اللبناني في تركيا والتحضيرات له كي تأتي النتائج إيجابية، فما هو المطلوب كي تكون المشاركة نعمة لا نقمة؟
عبد القادر سعد
ما زالت مشاركة لبنان في بطولة آسيا عالقة في الأذهان بعد خيبة الحلول في المركز الرابع، رغم كل ما سخّره الاتحاد للمنتخب الأول من لاعبين مجنّسين ومعسكرات ومباريات دولية بقيادة مدرب أجنبي، حتى تجاوزت الكلفة المالية 720 ألف دولار.
وحالياً، يستعد لبنان لبطولة العالم، ويأمل اتحاد اللعبة أن تكون هذه المشاركة قارب النجاة للسلة اللبنانية الآخذة في التراجع والتي قد تكون على مفترق طرق بعد المونديال، فإما أن تستعيد تألّقها أو تدخل في ظلمة تقضي على ما بقي من لعبة أوصلت لبنان الى العالمية.
فما هي الأسباب التي أدت الى الفشل الآسيوي من باب «تنذكر حتى ما تنعاد»؟

دوري جيد ينتج منتخباً جيداً

من المعروف أن المنتخب الجيد هو نتاج لدوري جيد يشهد تنافساً بين الفرق، ويضم لاعبين يتمتعون بمستوى عالٍ يكونون ركيزة المنتخب الوطني، لكن البطولة المحلية تتراجع عاماً بعد آخر، وهو أمر يؤكده رئيس الاتحاد اللبناني الأسبق لكرة السلة جان همام، وقد تأهّل لبنان للمرة الأولى الى مونديال 2002 في عهده.
هذا التراجع أدى الى الاستعانة بعدد كبير من اللاعبين من خارج لبنان فتحوّل المنتخب الى «لاعبين مستوردين لا يهمّه أمر النتائج نظراً لعدم القدرة على محاسبتهم، إذ يقبضون الأموال ويغادرون». يقول جان همام «وضعف البطولة سببه هروب المتمولين وابتعاد أنطوان شويري الذي هو ظاهرة لن تتكرر». ويضيف همام: «الهروب سببه التخبط الإداري وارتفاع حجم الإنفاق، مقارنة بوضع الاقتصاد اللبناني، إضافة الى الظروف الصعبة التي مرّ بها لبنان».
ويرى همام أن المونديال يجب أن يكون حافزاً لإعادة إحياء كرة السلة، ولكن من الداخل عبر دوري جيد ومنافس ونظيف، إذ لا يجوز صرف مليوني دولار على المنتخب تحت شعار المشاركة في المونديال.

اللاعب المجنّس حاجة ملحة

ونتيجة لتراجع الدوري، أصبح اللاعب المجنّس حاجة ملحة، وبالتالي فإن اختياره يجب أن يكون بعد دراسة ما هو موجود. ويرى مدير المنتخبات الأسبق جان مامو أن ما حصل سابقاً خطأ على صعيد التجنيس، إذ إن المركز (2 - 3) يحتاج الى لاعب مجنس، كما أن جو فوغل ما زال قادراً على القيام بدور مهم.
ويوافقه المدرب الوطني رزق الله زلعوم الرأي، فهو يرى أن المركز رقم 5 الذي يشغله فوغل هو نقطة الضعف في المنتخب، ومن هناك يجب أن يكون التجنيس.
ولا يختلف رئيس نادي هوبس والمدير السابق للمنتخبات جاسم قانصوه عن مامو وزلعوم بشأن ضرورة التجنيس، لكن بعد دراسة ما هو موجود لدينا.

التحضير أساس

ومن الأمور المهمة بالنسبة للمنتخب مسألة التحضير، وهو أمر كان مثار نقاش حول الأسلوب الذي اتُّبع قبل بطولة آسيا، إذ يرى زلعوم أن «التحضير كان سيئاً بسبب عدم وجود اللاعبين بالكامل بعضهم مع بعض قبل فترة من البطولة الآسيوية. فمات فريجي ودانيال فارس التحقا متأخرين». ومن هنا يجب أن يجتمع اللاعبون جميعاً قبل وقت كاف، وحدد زلعوم فترة شهرين على الأقل يجب أن تكون فيها تمارين المنتخب متكاملة كي يتأمن التجانس بين اللاعبين، الذي كان غائباً في آسيا.
هذا التجانس يتوقف قانصوه عنده طويلاً، معتبراً أن اللاعب اللبناني لا يتمتع بفنيات اللاعب الأوروبي، وبالتالي فإن التجانس بين اللاعبين يمكن أن يكون الورقة الرابحة لتسجيل النتائج الجيدة.
ولقائد منتخب لبنان فادي الخطيب رأي في التحضير، وخصوصاً أنه رافق الاستعداد السابق في آسيا، إذ يرى «التايغر» أن الفترة يجب أن تكون طويلة، مع معسكرات أكثر تضم جميع اللاعبين، وليس كما حصل سابقاً. ويضيف الخطيب «على المنتخب أن يبدأ تمارينه من الآن بمعدل مرة أسبوعياً، كما يجب إبعاد العناصر السلبية ،كبرايان بشارة، الذين أثّروا على المنتخب في آسيا وحاربوا قائد المنتخب لإبعاده عن دوره الأساسي، ونجحوا في ذلك، إضافة الى العناصر التي ليس لها جذور لبنانية ولا تنتمي الى شيء اسمه لبنان. جو فوغل نجح سابقاً لأنه كان يعيش معنا وفهم عقليتنا، فإما أن يعود الى المنتخب أو يُجنّس فنسنت جونز».

المدير الفني: محلّي أم أجنبي؟

ويبقى للمدير الفني الذي سيتسلّم مهام القيادة في تركيا أهميته، وهنا يظهر التباين في وجهات النظر بين المدرب الأجنبي والمدرب المحلي. «فالمدرب المحلي يفهم عقلية اللاعب اللبناني ويقود المنتخب من قلبه» يقول جان مامو، مضيفاً «المدرب الأجنبي يبيعك في 5 دقائق، وهو يأتي أصلاً من أجل المال». ويعلل مامو تمسكه بالمدرب اللبناني من منطلق واقع «الفرق اللبنانية التي وصلت الى بطولات آسيا والعرب بالمدربين اللبنانيين، فلماذا لا نستعين بهم للمنتخب؟ قبل 10 أو 15 عاماً لم يكن المدرب اللبناني يمتلك الخبرة، أما الآن فقد اختلف الوضع، وأنا أرشح غسان سركيس لقيادة المنتخب، بغضّ النظر عن حساسيته مع الاتحاد».
ويوافق الخطيب مامو بشأن ترشيح المدرب اللبناني «الذي لا يؤسس مجموعات بين اللاعبين، ومصلحته من مصلحة لبنان الذي هو بلده، فيما المدرب الأجنبي يركب الموجة ويهمّه تمرير البطولة».
أما المدرب الأجنبي فيلقى تأييد جان همام الذي يراه «أقدر على ضبط اللاعبين»، فيما جاسم قانصوه يهمّه المدرب الذي «يلبق مع لعبنا. فاللاعب اللبناني يتأثر بالشق المعنوي الذي يمثل 70% من الأداء» مع تفضيل للمدرب الأجنبي، بشرط أن يكون مساعده لبنانياً، ولكن «على أن يعمل معه لا ضده». وكذلك الأمر بالنسبة لزلعوم الذي يرى أن الأجنبي أقدر بشرط أن «لا يزكّيه لاعب في المنتخب كما حصل مع دراغان راتزا».

الإدارة أولاً


يشكّل المونديال طوق نجاة للسلة اللبنانية الآخذة في التراجع والتي قد تكون على مفترق طرق

تباين في وجهات النظر بين المدرب الأجنبي الذي يضبط اللاعبين والمدرب المحلي الذي يفهم عقليّتهم
وبعد كل الآراء والاقتراحات والملاحظات السابقة، لا بد من وجود إدارة قادرة على تنفيذ تلك المقترحات، وهنا يأتي دور الاتحاد وإدارة المنتخبات في التخطيط وإيجاد فريق العمل الصحيح القادر على تلافي الأخطاء السابقة ووضع استعداد المنتخب على السكة الصحيحة.
وهنا تتوحد الآراء بشأن أهمية الإدارة، «شرط أن تكون هناك لجنة فنية من خبراء ولاعبين قدامى عارفين باللعبة» يقول جان مامو، قبل أن يؤكد «أن على مدير المنتخب أن يُسائل المدير الفني عن أي قرار يتخذه ويكون خاطئاً».
ويضيف زلعوم من جهته «إدارة المنتخب مهمة حساسة، ممكن أن تحرق الشخص أو الفريق في حال الفشل، ورئيس الاتحاد فعل كل شيء لإنجاح المنتخب وضم لاعبين لم نكن نحلم بهم، لكن بعض النصائح الخاطئة من أشخاص موجودين الى جانبه أدت الى الفشل في آسيا».
وينطلق قانصوه من خبرة في إدارة المنتخبات قائلاً «الإداري لديه دور على الصعيد النفسي للاعبين وضبط الإيقاع في المنتخب، ويكون معه فريق عمل قوي قادر على العمل بمحبة ومونة وحزم في الوقت ذاته».
ويوافقه فادي الخطيب انطلاقاً من تجربته «لم يعرف الإداريون كيف يحمونني في آسيا، ويستبعدون العناصر الذين يحاربونني».

أهمية المشاركة

لا شك أن المشاركة في مونديال السلة ستكون لها انعكاسات على السلة اللبنانية، إذ يجمع همام وقانصوه ومامو وزلعوم والخطيب على أهمية المشاركة التي ستضع لبنان مجدداً تحت الأضواء، بشرط أن يتم توظيف المشاركة إعلامياً لمصلحة السلة اللبنانية وتعويمها وهذه مهمة الاتحاد. ويرى جان همام أن المونديال قد «يكون سيفاً ذا حدّين، ومن الممكن أن يرتدّ سلباً على السلة اللبنانية إذا لم يعرف الاتحاد كيف يعيد الجماهير الى المدرجات من خلال كأس العالم».

500 ألف يورو!

شكّل مبلغ الـ 500 ألف يورو الذي دفعه لبنان ثمناً للدعوة، بعدما فرض الاتحاد الدولي هذا الرسم على الدول التي ترغب في الحصول على بطاقة الدعوة «وايلد كارد»، بعد فشلها في التأهل عبر التصفيات، صدمة للبعض بشأن توقيته وقيمته، فيما الفِرَق اللبنانية تعاني عجزاً كبيراً، علماً بأن هذا المبلغ دفعته أيضاً كل من ألمانيا وليتوانيا وروسيا التي حصلت على البطاقات الثلاث الأخرى.
من هنا، كان سؤال موحّد إلى الشخصيات الخمس السابقة: لو كنت مكان بيار كاخيا، هل كنت تدفع هذا الثمن؟
وكانت الإجابات:
جان همام: كلا، وخصوصاً في هذه الظروف وهذا الموقع.
جاسم قانصوه: نعم، والمهم الاستفادة من المشاركة.
جان مامو: كلا، صحيح أننا ظُلمنا أمام الصين، لكننا كنا سيئين أمام الأردن، وبالتالي فإن المشاركة في الدعوة لا تعني إعادة الحق.
رزق الله زلعوم: نعم، فالمال الذي دفع لم يكن سيدفع للبطولة المحلية وهو تأمّن لإشراك لبنان في المونديال.
فادي الخطيب: نعم، لأثبت للجميع أن لبنان جدير بأن يتأهّل إلى المونديال.
وبعد كل ما قيل، يبقى الحضور في مونديال عالمي حلماً لكل بلد، ومنهم لبنان الذي يعلّق آمالاً كبيرة على هذه المشاركة. ومن هنا كان هذا الموضوع لإلقاء الضوء على ما حصل وما يجب أن يحصل، حتى لا يتحوّل الحلم الى كابوس.


مجموعة لبنان مقبولة

خدمت القُرعة لبنان في بطولة العالم لكرة السلة المقررة في تركيا بين 28 آب و12 أيلول 2010. ووقع المنتخب اللبناني في المجموعة الرابعة مع كل من إسبانيا، حاملة اللقب، وفرنسا وكندا وليتوانيا ونيوزيلندا، وهو سيلعب في مدينة إزمير التركية.
■ وسيعقد رئيس الاتحاد اللبناني بيار كاخيا مؤتمراً إعلامياً، اليوم عند الساعة 14.00 في نقابة الصحافة، للحديث عن المشاركة اللبنانية.
وجمعت القرعة: الأرجنتين وصربيا وأوستراليا وألمانيا وأنغولا والأردن في المجموعة الأولى، وضمت الثانية الولايات المتحدة وسلوفينيا والبرازيل وكرواتيا وإيران وتونس، والثالثة اليونان وتركيا وبورتوريكو وروسيا والصين وساحل العاج.
وتوزعت المنتخبات الـ24 على أربع مجموعات من ستة منتخبات. وبعد الدور الأول الذي سيقام بنظام الدوري، يتأهل أول أربعة منتخبات من كل مجموعة إلى ثمن النهائي الذي يقام بطريقة خروج المغلوب وصولاً إلى النهائي.