«الجندي المجهول» أو «جندي الارتكاز». هذا هو لقب اللاعب الذي يشغل أهم مركز في ملعب كرة القدم. هو لا يسرق الأضواء، أو قليلاً ما يفعل ذلك، لكن في معظم الأوقات يقف خلف المهاجمين، وأمام المدافعين، حيث يمدّ الهدافين بالتمريرات، ويساند المدافعين أمام هجمات الخصوم. يسمح له موقعه بكشف معظم تحركات زملائه، فيقوم ببدء الهجمات وفتح اللعب بطريقة تناسب تحركاتهم، كما تتنوع مهماته الدفاعية، فيأخذ أحياناً دور «الليبيرو».
هو محور اللعبة، لذا فإن الفريق الذي يعاني في هذا المركز يعاني في كل البطولات. وليست مصادفة نصيحة لاعب منتخب ألمانيا وليفربول السابق، ديتمار هامان، لمدرب أرسنال الفرنسي أرسين فينغر بضرورة التعاقد مع لاعب وسط يجيد الربط بين خطوط الملعب الثلاثة، إذا ما أراد المنافسة على لقب الدوري الإنكليزي، إذ بات هذا المركز بنظر الكل عصب فرق الكرة الحديثة. وحتى إن سعر لاعب الارتكاز وصل في بعض الفرق إلى ما يوازي أسعار بعض المهاجمين.
سدّ هذه الثغرة هو ما يشغل فينغر، فنقطة ضعفه هي عدم وجود لاعب وسط يجيد قراءة الملعب وأداء الأدوار الدفاعية بفاعلية، فهو يفتقد من يخلف الفرنسي باتريك فييرا، الذي يعدّ أحد أهم لاعبي الارتكاز السابقين في العالم. لم ينجح الإسباني ميكيل أرتيتا في تعويضه حالياً، وسوق الانتقالات المقبلة تتجه نحو لاعب باير ليفركوزن لارس بيندر أو شقيقه لاعب بوروسيا دورتموند زفن بيندر أو زميله في الفريق إيلكاي غاندوغان.
قد يحتاج الفريق الى التعاقد مع أكثر من لاعب إرتكاز، فالصراع في هذا الخط صار الأقوى، والحاجة الى كثافة عددية فيه باتت ما يشغل عقول المدربين.
تغيّر لقب لاعب الارتكاز من «الجندي المجهول» الى رئة الفريق أو الدينامو المحرك


الفرق الأقوى حالياً في أوروبا هي التي تمكنت من حشد لاعبين بمستوى صراع البطولات في هذا المركز. ريال مدريد الإسباني وبايرن ميونيخ الألماني وتشلسي ومانشستر سيتي الإنكليزيان يكدسون في هذا الخط أهم اللاعبين. تعاقد ريال مع الألماني طوني كروس، لينضم الى الكرواتي لوكا مودريتش والألماني الآخر سامي خضيرة وأسيير يارامندي، فضلاً عن أخذ إيسكو هذا الدور في بعض المباريات. أما في بايرن، فكان قرار المدرب الاسباني جوسيب غوارديولا سريعاً بالحصول على مواطنه شابي ألونسو، ليقف الى جانب تياغو ألكانتارا والإسباني خافيير مارتينيز وأفضل اللاعبين حالياً باستيان شفاينشتايغر، وأضيف إليهم سيباستيان روده. مثلهما، يضم تشلسي الثلاثي النيجيري جون أوبي ميكيل، والصربي نيمانيا ماتيتش والبرازيلي راميريش، ليزيد الاسباني سيسك فابريغاس نشاطاً وفعالية أكبر على هذا الخط. أخيراً في سيتي، يكفي وجود العاجي يايا توريه الى جانب الثنائي البرازيلي فرناندو وفرناندينيو والمعار فرانك لامبارد للتأكيد على قوة ارتكاز «السيتيزينس».
يلاحظ أن الفرق التي تعاني حالياً في البطولات هي الفرق التي تعاني في هذا الخط، مثل مانشستر يونايتد وأرسنال طبعاً. في الأول، الذي مرّ عليه عمالقة في هذا المركز كالإيرلندي روي كين وبول سكولز وغيرهما. لذا حاول المدرب الهولندي لويس فان غال، المدرك لماهية الخطط الحديثة، التعاقد مع شفاينشتايغر، لكن «شفايني» ومدربه غوارديولا رفضا العرض.
ليس غريباً أن نرى أن معظم الفرق حالياً تتصارع على لاعبي هذا المركز، الذي يمنحها قدرة التحكم في إيقاع اللعب وسرعة التمرير ومنح الاستقرار والثبات للفريق داخل الملعب وبناء التوازن وإجادة التمرير وتوزيع الكرات. ومع الاعتماد على الكثافة في خط الوسط بات لاعب الارتكاز هو الأهم، إلى درجةٍ يمكن القول إن السبب الرئيسي لتتويج ألمانيا بكأس العالم كان مبنياً على هذا الاساس، الاعتماد على هذا الخط بما فيه من لاعبين ممتازين، أبرزهم شفاينشتايغر وكروس.
مع تطور الكرة، بات هذا العصر عصر لاعبي الارتكاز. انتهى اسم «الجندي المجهول»، صار أكثر علناً، وأكثر أهميةً: رئة الفريق، والدينامو المحرك. والفرق بأجمعها تتجه لجمع أفضلهم في المواسم المقبلة.