في ظل تدحرج كرتنا المحلية على لائحة الترتيب الدولي، وحيال تراجع المستويات عند الفرق واللاعبين، يبرز السؤال المحيّر: لماذا كان المستوى في الماضي أفضل رغم قلّة الإمكانات؟ وما هي أسباب الانحدار الحاصل؟
إبراهيم وزنه
لا تزال كرة لبنان «حزورة» صعبة. فهي تتدحرج إلى الخلف، وفي العقد الأخير تراجعت على سلّم ترتيب «الفيفا» أكثر من 40 درجة، وما عادت لأنديتها قدرة على مقارعة نظرائها حتى في المحيط العربي المجاور، لدرجة أصبحت فيها منتخباتنا بمثابة الحلقة الأضعف عربياً وإقليمياً، وللصدقية يقف خلفها 7 أو 8 دول آسيوية فقط!
لماذا هذا التأخّر، وهل من طريق يعيدنا إلى حيث كنا؟ توجهنا بسؤالنا إلى لاعب لبنان الدولي السابق محمود برجاوي (ابو طالب)، فلخّص العودة بالآتي: جمع الاتحاد أشخاصاً لهم تاريخهم الكروي، اهتمام اللاعبين بتطوير مستوياتهم، التعاقد مع مدربين أكفاء وسيادة الروح الرياضية.

إخلاص الماضي ولا إمكانات الحاضر!

في نظرة تشريحية إلى واقعنا الكروي حالياً، نلاحظ الآتي:
ـ تجاوز موازنة الموسم لفرق الدرجة الأولى الـ5 ملايين دولار، إضافة إلى أكلاف المشاركات الخارجية لبعض الفرق.
ـ تناقص عدد اللاعبين النجوم في الأندية وتكاثر عدد الأندية (146 في جميع الدرجات).
ـ الاعتماد بنسبة عالية على المدرب الوطني (70 % في الدرجة الأولى) ومعظمهم من اللاعبين السابقين الذين يدرّبون ما تدرّبوا عليه، علماً بأن التدريب تطوّر وتحوّل اليوم إلى علم ودراسات متعددة وخطط قابلة للتطوير يومياً.
ـ استقدام لاعبين أجانب معظمهم بمستويات متواضعة، بما يكلف من صرف أموال وعلى حساب لاعبين محليين يُبعدون عن نيل فرصهم في الوقت المناسب.
ـ انقسام القيّمين على إدارة شؤون اللعبة (الاتحاد) إلى فريقين وأحياناً ثلاثة فرق!
ـ وجود «لجنة تطوير» في اتحاد اللعبة اسمياً لا فعلياً، (لم تطرح للتنفيذ أي مشاريع جدية لتطوير أنظمة عقود اللاعبين والانتقالات بين النوادي)، وأبقيت في الإدراج بعض المحاولات الجادة للغيارى من أهل الخبرة.
ـ تكاثر الملاعب الصغيرة بهدف الاستثمار المادي في ظل غياب الملاعب الكبيرة في المناطق، وإقبال الأهالي على تسجيل أولادهم في مدارس كروية لقاء رسوم مادية.
ـ تراجع مستوى التعاون وأجواء الألفة بين اللاعبين داخل الفريق الواحد.
ـ تعامل الأندية مع لاعبيها كموظفين، وهذا الأمر انعكس سلباً على روح العطاء، وبالتالي ضعفت فكرة إثبات الذات وتبخّر مفهوم الولاء الصادق.
ما ذكرناه يكشف الأسباب الحقيقية التي أدّت مع الوقت إلى تراجع المستوى الكروي المحلي، على صعيد النوادي فردياً وكذلك على المنتخبات عموماً، إلى أن وصل لبنان حالياً الى المركز الـ151 عالمياً، بعدما كان في المركز الـ87 عام 1994 (وأفضل من ذلك بكثير في الستينيات والسبعينيات).

الزمن الجميل

بالانتقال إلى الحديث عن سرّ تألّق الكرة اللبنانية في الماضي وتحديداً في حقبة التألق لا بد من تسجيل الملاحظات الآتية:
ـ كثرة عدد اللاعبين المميّزين قياساً إلى عدد أندية الدرجة الأولى (8)، وتسابق النجوم للوصول إلى صفوف المنتخب الوطني.
ـ التعاون الأخوي السائد والزائد بين لاعبي أيام زمان، حتى بين نجوم أندية «الدربي» لما فيه من مردود على مصلحة اللعبة ككل.
ـ الإخلاص للعبة الناتج من الهواية الصافية، وسعي اللاعب لإبقاء نفسه في حالة تأهب واستعداد من أجل مصلحة فريقه، إضافة الى معاناة اللاعبين مع أهاليهم نتيجة ما قد يواجههم من إصابات ومصاريف زائدة وإبعادهم عن التحصيل العلمي.
ـ مستويات الثقافة الأعلى لدى لاعبي الماضي واندماج التواضع بالنجومية.
ـ مشاركة بعض اللاعبين مادياً في دعم فرقهم عند الحاجة.
ـ تفاعل اللاعب وملاحظات المسؤولين والمدربين وأحياناً الجماهير، ما يعني أن الاحترام كان سيد التعامل بين عائلة النادي الواحد.
ـ سعي اللاعبين إلى تمارين إضافية خاصة لرفع مستوى لياقتهم.
ـ الاهتمام بالصحة والغذاء الصحي والابتعاد عن النشاطات الضارة (المشروبات الكحولية، الجنس والسهر). ومن منطلق هذه الممارسات، نجحت كرة لبنان في بقائها متألقة ومنافسة بين الكبار على مستوى الأندية والمنتخبات العربية.

وكيف السبيل لوقف التراجع؟

بناءً على ما تقدّم، نستنتج أن مسار اللعبة حين الهواية كان أفضل بكثير من مسارها حديثاً مع الإمكانات المادية غير الموجّهة، لذا لا بد من معالجة الثغر الواردة والعمل على تثقيف أجيال اللعبة وفك الحصار عنها. ويبقى الأهم أن نوجّه الجيل الصاعد إلى حب اللعبة والإخلاص لها، وهنا يترتّب على الأهل والمدارس والجمعيات والأندية والاتحادات الرياضية والوزارات المعنية أن يلعبوا الدور الجاد أملاً بإعادة الأمور إلى سابق عهدها وصولاً إلى جادة الارتقاء.


أبو طالب يتحسّر على كرة الماضي

«اللاعب يللي عم يروح ما عم يجي متلو» و«في مصاري وما في لاعبين، وفي اتحاد ما في مستوى». عبارات أطلقها الكابتن «أبو طالب» بحسرة، مستذكراً أجواء التشجيع الرياضي الذي كان سائداً في أيامه، ناصحاً عند اختيار اللاعب الأجنبي بضرورة «اختباره بين أجانب مميزين لا مع فريق محلي».