شربل كريّم
يحكى كثيراً عن وقوف رجال الإعلام خلف النوادي والقيّمين على الرياضة في مختلف المجالات بشكلٍ أشبه بالحراس الشخصيين الذين يحيطون بالسياسيين والشخصيات المهمة. وإذ تتراوح أسباب هذه «المحبة الزائدة» بين منفعة شخصية عند البعض، وتعصّب زائد عند البعض الآخر، يبقى انحياز الصحافيين مؤثراً على الجوّ العام وعلى ثقافة القراء الذين يعتنق الكثير منهم ما تورده الصحيفة التي يقرأها، فيحمل هذه الآراء ملوّحاً بصحتها من دون البحث في مرات عدّة عن مدى صحتها.
ومهما يكن من أمر، فإنه في قراءة للصحف الإيطالية في الفترة الأخيرة يبدو واضحاً أن هذه «الهيستيريا» الصحافية المتحيّزة حاضرة بقوة، بعدما غابت نوعاً ما في الموسم الماضي، إثر إسقاط يوفنتوس إلى الدرجة الثانية، إذ معلوم أنه لطالما اتهمت غالبية الصحف الإيطالية الحكام بالانحياز إلى فريق «السيدة العجوز»، وقد عاد هذا التوجّه ليظهر إلى العلن، لكن مع توجيه أصابع الاتهام هذه المرّة إلى إنتر ميلان.
8 ركلات جزاء منها 5 في آخر 10 مباريات هزّ بها إنتر شباك منافسيه في الدوري الإيطالي هذا الموسم، ما دفع الصحف المضادة له إلى شنّ حملة شعواء، التزم على اثرها المدرب روبرتو مانشيني وأفراد الفريق من إداريين وفنيين ولاعبين الصمت اعتراضاً. وبدأت تأخذ هذه الحملة فعلها، حيث تُجاهر جماهير الفرق الأخرى بعدائها لإنتر، وهو أمر قد يزيد خطورة الوضع في ملاعبٍ تخبّطت بأحداث شغب دموية. إذاً أصبح لقب بطل إيطاليا بأقلام الصحافيين «يوفنتوس الجديد»، وكانت المفاجأة اختيار كارلو أنشيلوتي (ميلان) ولوتشيانو سباليتي (روما) وتشيزاري برانديللي (فيورنتينا) الأفضل على صعيد المدربين، وتغييب مانشيني عن لائحة المرشحين، وهو أمر مستغرب، لكونه قاد إنتر إلى اللقب بخسارة واحدة!
وينحصر المدّ والجزر حالياً بين صحيفتين معروفتين، هما «لا غازيتا ديللو سبورت» الموالية لإنتر، ومركزها ميلان، و«توتوسبورت» في تورينو حصن يوفنتوس. ولا يخفى أن الأولى أدت دوراً أساسياً في التحريض على «اليوفي» خلال فضيحة التلاعب، وقد بالغت عندما اتهمت لاعب الأخير التشيكي بافل ندفيد بتعمّده كسر ساق لاعب إنتر البرتغالي لويس فيغو، ما دفع الأول إلى إرسال كتاب للصحيفة بهدف تبرير فعلته، خوفاً من أي عمل «انتقامي» يُوجَّه إليه من المتعصبين.
ولا يبدو مستغرباً ميل الصحف نحو الفرق الكبيرة، إذ إنها خطوة ذكية تفرز مبيعات أكثر، لكنها هذه المرّة بصراحة تظلم فريقاً متكاملاً لم يخسر محلياً حتى الآن وسط سعيه للتأكيد أنه لم يحرز لقبه الأخير، مستفيداً مما سمي «كالتشوبولي».
إلا أن الأمر الأخطر من مواجهة إنتر لمنافسٍ إضافي في رحلته، أي الصحف المعارضة له، هو إمكان ارتباك الحكام الذين سيُديرون مبارياته في الفترة اللاحقة، ما يزيد علامات الاستفهام والنقاط السلبية التي لم تفارق «سيري آ» على الأقل في الموسمين الماضيين، وقبلها عندما كان يوفنتوس مهيمناً، وسط ظلمٍ تحكيمي واضح عاناه إنتر، وهي القضية التي وصلت أصداؤها وقتذاك إلى البرلمان الإيطالي حيث نوقِشَت بجدية تامة.
لكن مهما وجدت الحلول، فإن أمراً راسخاً سيبقى فارضاً نفسه بقوة، ألا وهو أن الصحافيين يرتدون تحت بزاتهم المزيّنة بربطات العنق قمصان الفرق التي يشجعونها ويطرحون أفكارهم بتطرّفٍ تام، وإذا كان لأحد شك في هذه المقولة، يفترض عليه متابعة «ماركا» المدريدية و«سبورت» الكاتالونية.