شربل كريّم
لا يختلف اثنان اليوم على أننا نستمتع أكثر من أيِّ وقتٍ مضى بكأس الأمم الأفريقية لكرة القدم، إن لناحية الأهداف الرائعة التي يحار المرء في اختيار الأفضل منها، أو لناحية الحضور اللافت لجميع النجوم الذين لم يتغيبوا عن الحدث الذي يشغل القارة السمراء مرّة في كل سنتين.
وإذ تُمتع أفريقيا حالياً عبر كشفها النقاب عن آخر إصداراتها من المواهب الواعدة والمتعطشة لاقتحام العالمية، فإن الأصوات التي تتعالى في أوروبا بسبب هجرة نجوم الأندية للالتحاق بمنتخباتهم تكاد تعلو على الأهازيج الهادرة للمشجعين الأفارقة الذين يعيشون حالة احتفالات متواصلة ما دامت الكرة يجري تناقلها داخل المستطيل الأخضر. ففي الوقت الذي ينشغل فيه الجميع في أفريقيا بالعمل على إخراج البطولة القارية بأفضل حلّة ممكنة، لكون القارة السمراء ستستضيف نهائيات كأس العالم 2010 في جنوب أفريقيا، تعمل الأندية الأوروبية في الكواليس في محاولة يائسة لتغيير موعد بطولة أفريقيا بعدما أُحرجت أمام جماهيرها الممتعضة جرّاء فشلها في منع لاعبيها من الذهاب لمشاركة منتخباتهم خلال فترة حرجة من الموسم.
وينطلق الداعون إلى تغيير موعد كأس الأمم الأفريقية من مسألة عودة اللاعبين مصابين أو مرهقين، فضلاً عن خسارة المدربين لعناصرهم الأساسية لفترة ستة أسابيع على الأقل. ويأتي الردّ طبعاً في أن الأندية تدرك جيداً عند ضمّها هؤلاء اللاعبين أنها ستواجه السيناريو المذكور، رغم أنها هي من تتكفل بأجورهم وعلاجهم، وهو الأمر الذي يثير غضبها أكثر من أي شيء آخر.
إذاً تدعو الأندية الأوروبية إلى جعل زمن البطولة الأفريقية في فصل الصيف، وهي الخطوة التي سترفع الضغوط عن كاهلها وتجنبها المشاكل مع الاتحادات الوطنية عند تحديد موعد رحيل اللاعبين من أجل الالتحاق بمنتخباتهم، فضلاً عن الإحراج الناجم عن وضع هؤلاء أمام خيار تفضيل المنتخب أو النادي. ويدرك الجميع الآن أن اللاعبين هم أكثر من سيشعر بالإحراج، لأن القرار يبدو في يدهم بعدما تحوّلت القوة القانونية إليهم أخيراً، لذا فإن الاتحادات الوطنية تضرب على الوتر الوطني، فيما تلوّح الأندية بأموالها المغرية، لينقسم ولاء اللاعبين، بحيث يختار محبو المال منهم الاعتزال الدولي في شكلٍ مبكر!
وأياً يكن من أمر، فإن المطالبين بنقلة تاريخية تحمل البطولة إلى الصيف ربما نسوا أن الظروف المناخية لن تكون مثالية للعب الكرة تحت أشعة الشمس الحارقة في أكثر قارات العالم حَرّاً. ويبدو السؤال المطروح بقوة هنا، لمَ لا تعمد أندية إنكلترا وإسبانيا وإيطاليا إلى أخذ قسطٍ من الراحة على غرار الدوري الألماني، الأمر الذي سيجنّبها أوجاع الرأس؟ وإذ يعلم القيّمون على هذه الأندية جيداً أن القانون لن يكون إلى جانبهم لتحقيق مبتغاهم، فإن هذا الأمر قد يكون سبباً للجوئهم إلى «الخدع المالية» عبر دفع إحدى شبكات التلفزة الأوروبية لشراء حقوق نقل البطولة، وبالتالي التحكّم بموعد إقامتها. هذه الخطوات لا بدّ أن تحمل الكثير من النقد إلى الأوروبيين الذين يبدو أنهم لم يكتفوا من استعباد أفريقيا في الماضي البعيد، بل سيزيدون إلى الحرمان الذي تعيشه غالبية بلدان هذه القارة، حجب متعة سكانها من التمتع برؤية أبنائهم مجدداً بين ربوعها، متناسين أن كرة القدم وجدت لإسعاد الجميع.