أرسين فينغر الفرنسي الوحيد الذي غزا بلاد الإنكليز برضى أهلهالم يكن كثيرون قد سمعوا باسم أرسين فينغر عندما حطّ به الرحال قبل 10 أعوام في العاصمة الإنكليزية لندن للإشراف على فريق أرسنال المتخبط بمستواه وقتذاك، إلا أن الأسلوب الفريد الذي اتبعه الفرنسي منحه مكاناً بين رموز الدوري الإنكليزي الممتاز في موازاة ارتقاء فريقه أعلى القمم الكروية.
ولا يستطيع أحد أن ينسى يوم إعلان "الغانرز" تعيين فينغر مدرباً له، وهو الذي كان في قاع قائمة المرشحين التي ضمّت الهولندي يوهان كرويف، الغني عن التعريف، والمدرب السابق للمنتخب الإنكليزي تيري فينابلز، إذ توافقت الصحف الإنكليزية على اعتبار أن أرسنال اختار مدرباً مملاً على صورة الأداء الذي أبعد قسماً من جماهيره عن متابعة مبارياته التي كانت غالباً خالية من الجودة والنوعية. إلا أن الفرنسي الفذّ تجاهل بصرامته وفكره الخصب الدعاية السلبية التي أحيط بها، وشرع ببناء سمعته الخاصة وأسس مجموعته التي تحوّلت في فترة من الفترات فريقاً لا يقهر على غرار عدم تذوقه طعم الخسارة طوال موسم 2003 ـــ 2004.
ولا حاجة إلى سرد الألقاب التي أحرزها "المدفعجية" في عهد فينغر، الذي احتفل بالأمس بذكرى مرور عشر سنوات على توليه الإشراف على النادي اللندني الارستقراطي، رغم أنه يستحق التوقف عند كل محطة منها، إذ صعق الفرنسي الجميع عندما خطف لقب الـ"برميير ليغ" في أول موسم كامل له في إنكلترا (1997 ـــ 1998)، مضيفاً اليه لقب كأس إنكلترا ليصبح أول مدرب أجنبي يحقق هذا الإنجاز الذي أتبعه بلقبين في الدوري وثلاثة في الكأس من دون أن ينجح في فرض سطوته على الساحة القارية حيث فصلته 14 دقيقة عن الفوز بالمسابقة الأوروبية الأم في المباراة النهائية لدوري الأبطال الأوروبي التي ظفر بها برشلونة في أيار الماضي.
إذن سرعان ما وجد مدربو الـ"برميير ليغ" أنفسهم في وضع حرج عندما غزا عروشهم الفرنسي القادم من تلك البلاد التي نافست إنكلترا عبر التاريخ في البر والبحر على حدّ سواء. من هنا، ليس مفاجئاً الإجماع من إدراة النادي اللندني وجماهيره على المطالبة بعقد أبدي لفينغر الذي عاش قصة حب مغموسة بالتضحية والشجاعة طوال عقد من الزمن حيث تجاهل جميع العروض التي قدمت اليه للتخلي عن أرسنال.
لكن ما قصة نجاح هذا المدرب الذي صنع المجد بأقل كلفة ممكنة؟
يدرك المتابعون لمسيرة فينغر التدريبية، التي بدأها مع نادي نانسي قبل الانتقال الى موناكو في 1987 (أحرز معه لقب الدوري الفرنسي) ومنه الى ناغويا غرامبوس الياباني، حكمته في اختيار اللاعبين الذين سطع نجمهم سريعاً، حتى استحق لقب "ساحر سوق الانتقالات". فهو اعتمد فلسفة كروية عمادها اقتناص المواهب الخام وصقلها من أجل تحويلها جواهر حقيقية. ورغم الانتقادات اللاذعة التي وجهتها اليه الصحافة البريطانية آخذة عليه اهتمامه باللاعبين الاجانب، وخصوصاً الفرنسيين (أول مدرب أشرك 11 لاعباً أجنبياً أساسياً)، اقتنع هؤلاء بخياراته بعدما بات اللاعبون الذين جلبهم الى ملعب "هايبيري" أشبه برموز البطولة الإنكليزية.
ويمكن القول إن فينغر لعب أوراقه دائماً بلا خوف أو تردّد وسط الدعم اللامتناهي الذي لاقاه من إدارة النادي اللندني، لذا كان شرطه الأساسي قبل تحوّله الى لندن ضمّ مواطنه باتريك فييرا الذي أضحى رمز القائد المثالي في عالم الكرة، وقد تأثر الفريق برحيله الموسم الماضي الى يوفنتوس الإيطالي، فاحتل المركز الرابع على لائحة الترتيب، وهي النتيجة الاسوأ لأرسنال في عهد فينغر (!)
والى جانب نجاحات فييرا رمى فينغر بورقة رابحة أخرى عندما دفع بمواطنه المغمور وقتذاك نيكولا أنيلكا لصناعة السحر الهجومي بمؤازرة الهولندي دنيس بيرغكامب الذي كان يصارع للعودة الى مستواه بعد فترة مضطربة مع انتر ميلان الإيطالي. واذا كان بإمكان فينغر صناعة اللاعبين فإنه ماهر أيضاً في إعادة تصنيعهم ليلمعوا مجدداً في سماء الكرة. وبعد نجاح تجربته مع بيرغكامب، عمد الى جذب تييري هنري الذي كان يعيش كابوساً مزعجاً مع يوفنتوس الإيطالي. وهنا تكمن المفارقة، في طريقة فينغر في اختيار اللاعبين المتشابهين من ناحية أسلوب اللعب، فجاء هنري السريع والفعال على صورة انيلكا، ليتفوق عليه محوّلاً نفسه أفضل هداف في تاريخ "الغانرز".
وكرّت السبحة ليضاف الى قائمة الاكتشافات الفرنسيان جيل غريماندي وايمانويل بوتي والسويدي فريديريك ليونغبرغ والكاميروني لورين ايتامي ماير والنيجيري نوانكو كانو والعاجي كولو توريه. وفي موازاة استقدام هؤلاء اللاعبين من الخارج، انصبّ اهتمام فينغر على مدرسة النادي التي استخرج منها أفضل اللاعبين المتعددي الجنسية، وأهدى الى منتخب إنكلترا اشلي كول وجيرماين بينانت، قبل إطلاق مواطنه غايل كليشي والسويسري فيليب سانديروس والإسباني فرانشيسك فابريغاس والعاجي ايمانويل ايبويه. وجاءت ضربة فينغر الأخيرة عن طريق اليافع تيو والكوت (17 عاماً) الذي أضحى بانتقاله الى نادي العاصمة (مقابل 8.8 ملايين دولار) أغلى لاعب مراهق في تاريخ الكرة الإنكليزية، والذي يتحضر ليتسلّم الراية من هنري في المستقبل القريب قائداً للمجموعة المثيرة للاهتمام التي تضمّ الفرنسيين أبو ديابي والكسندر سونغ والسويسري يوهان دجورو والسويدي سيباستيان لارسون والإيطالي ارتورو لوبولي.
ورغم إجادته الإنكليزية والألمانية وإلمامه بالإيطالية والإسبانية واليابانية، تبقى لغة الفوز وحصد الألقاب المتداولة بالنسبة إلى فينغر الذي لا يحتفظ بأي تذكارات لتخليد أمجاده مصرّاً على النظر الى المستقبل دون سواه وإطلاق ورشة التحدي حتى لا يتوقف الزمن عند لحظات ذهبية قد تكون مهددة بالصدأ إذا غضّ الطرف عن تلميعها في الوقت المناسب.
(أ ف ب)