بعد فضيحة الفساد التحكيمي التي كان بطلها الحكم روبرت هويتزر في المانيا، وفضيحة التلاعب بنتائج المباريات التي هزّت ايطاليا لمشاركة اعرق النوادي فيها، ومروراً بالفضائح المتنوعة التي عصفت بنادي مرسيليا الفرنسي، وآخرها مع مالكه روبير لويس دريفوس ومدربه السابق رولان كوربيس، الى اليونان التي شهدت بطولاتها الرشاوى بالجملة والتدخلات السياسية في ادارة الاتحاد المحلي، وصلت دورة الانغماس في المستنقعات النتنة لكرة القدم الى انكلترا، لتكتمل عملية تشويه صورة اللعبة الشعبية الاولى في العالم.اكثر من اسبوع مضى على برنامج “الاسرار الوسخة في كرة القدم” الذي بثته هيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي) وأحدث زلزالاً ما زالت تردداته تتفاعل يومياً على صفحات الجرائد الانكليزية التي دأبت في الاسابيع الماضية على تحليل الاسباب الكامنة وراء انتقال النجمين الارجنتينيين كارلوس تيفيز وخافيير ماسكيرانو الى وست هام يونايتد، محاولة ايجاد خيط يقودها الى إحداث ضجة اعلامية، حتى جاءها البرنامج المذكور بمادة دسمة تمكنها من ممارسة هوايتها المفضلة عبر تزيين صفحاتها بالعناوين المثيرة. ولم يكن مفاجئاً الى حدّ ما، وخصوصاً بالنسبة الى متابعي أدقّ تفاصيل الكرة الانكليزية، أن يكشف يوماً ما عن امور تحدث في الكواليس، إذ عرف دوماً، من دون الحصول على دليل قاطع، أن الزوايا المعتمة في ارجاء اللعبة بدأت تعجّ بالزوار، ولعل ابرز ما جاء في هذا المجال كان على لسان مدرب انكلترا السابق السويدي زفن غوران اريسكون الذي قال لصحيفة “ذا صن”: “هناك الكثير من الاشياء التي تمر من تحت الطاولة في انكلترا”.
ويؤخذ كلام اريكسون اكثر من غيره على محمل الجدّ، اذ تخبّط الرجل بفضائح جنسية وعملية طوال الفترة التي قضاها على رأس الادارة الفنية للمنتخب الانكليزي، حتى اصبح لديه الادراك الوافي في شأن العمليات والمفاوضات المشبوهة التي تحرّمها القوانين الكروية الانكليزية. وبالعودة الى الذاكرة، لا يخفى على احد أن اريكسون نفسه أثار غيظ الرأي العام الانكليزي عندما وقع ضحية لصحافيين متنكرين في ازياء عربية تمكنوا من تصوير حديث له بواسطة كاميرا خفية، مفاده انه مستعدّ لترك المنتخب الانكليزي للإشراف على استون فيلا بعدما أوهمه هؤلاء بأنهم ينوون شراء النادي المذكور، اضف تطرّق اريكسون الى بعض لاعبيه الدوليين، منهم ديفيد بيكام وواين روني، واصفاً إياهم بعبارات مسيئة.
واعتمدت الطريقة نفسها تقريباً في برنامج “بي بي سي” للكشف عن عمليات غير مشروعة طاولت 18 من المدربين الحاليين والسابقين في الدوري الانكليزي الممتاز، اتهموا بالحصول على عمولات ورشاوى لإبرام صفقات انتقال اللاعبين بالتعاون مع وكلاء فاوضوا ايضاً لاعبين بطرق غير قانونية، وهذه تعدّ اكبر المخالفات التي يحرّمها قانون الكرة في انكلترا. ورغم أن الكثير من الاسماء لم يكشف عنه النقاب لسبب او لآخر، كانت المذكورة منها كافية لإثارة “دراما” غير مسبوقة تصدّر لائحة ابطالها مدرب بولتون وندررز سام الاردايس ونجله كريغ، اضافةً الى مدرب بورتسموث هاري ريدناب ومساعده السابق كيفن بوند ومدير قطاع الناشئين في تشلسي النروجي فرانك ارنيسن، الى ثلاثة وكلاء لاعبين هم بيتر هاريسون وتشارلز كوليمور والفرنسي تيني يريما.
وظهر الاردايس ونجله الذي عمل وكيلاً للاعبين المتهمين الاساسيين في القضية، وخصوصاً أنه جرى تصوير كريغ من دون علمه في خضم شرحه لصحافي منتحل صفة العميل الطريقة التي يعمل بها واعترافه بأنه تقاضى اموالاً بطرق غير شرعية، بمساندة والده الذي استخدم منصبه لتسهيل مرور الصفقات الى بر الامان. وكان الدليل المدهش على ضلوع آل الاردايس بالفضيحة المدوية، قول كريغ الذي ادّعى أخيراً انه ترك عمله في نيسان الماضي، عند سؤاله عن معرفة والده بأسرار الصفقات المشبوهة الخاصة بنادي بولتون: “بالطبع يعلم بأمرها، وقد استعنت به في مناسباتٍ عدة”. ويقال ان الاردايس حصل على عمولات في عمليات عدة، ابرزها في سبيل نقل الاسرائيلي تال بن حاييم والياباني هيديتوشي ناكاتا والحارس العماني علي الحبسي الى بولتون، فيما نسب الى هاريسون وكوليمور ويريما تسهيل الامور، وخصوصاً الاول، المقرّب من المدرب الذي كان مرشحاً لخلافة اريسكون في منصب المدرب الوطني.
وبدوره، وقع ارنيسن في فخ “الكاميرا الخفية” اثناء تفاوضه مع هاريسون للحصول على توقيع موكله لاعب ميدلسبره ومنتخب انكلترا للناشئين نايثان بوريت من دون علم ناديه، مؤكداً استعداده لدفع 150 الف جنيه استرليني لإتمام الصفقة التي يبدو أن ناديي ليفربول ونيوكاسل يونايتد ضالعان فيها ايضاً. وهنا لا بد من الإشارة الى أنه إذا أدين تشلسي في قضية مماثلة، تُحسم على الفور ثلاث نقاط من رصيده لتكراره فعلة العام الماضي عندما غرّم لمحاولته التعاقد مع لاعبه الحالي اشلي كول من دون إذن ناديه السابق ارسنال.
وإذ اضحت عبارة “لم افعل شيئاً مخالفاً للقانون” الاكثر استعمالاً من المتهمين، فإن وزير الرياضة ريتشارد كابورن اوعز الى الاتحاد الانكليزي بفتح تحقيق واسع النطاق في القضية المستجدة، في موازاة طلب الاخير الاجتماع بمسؤولي “بي بي سي” للاطلاع على ما نشر وما لم ينشر في التقرير، علماً أن رابطة النوادي الانكليزية المحترفة ستكون في الثاني من الشهر المقبل على موعد مع نتائج التحقيق الذي تجريه شرطة العاصمة لندن بقيادة رئيسها السابق جون ستيفنز.
(أ ف ب)