شربل كريّم
بدا جليّاً في المراحل الاولى من الموسم الجديد الفراغ الذي خلّفه رحيل قائد ألمانيا ميكايل بالاك عن بايرن ميونيخ للانضمام الى تشلسي الإنكليزي. وفي الوقت الذي كانت فيه الجماهير البافارية تراهن على حسم فريقها لقب الدوري الألماني في شكلٍ مبكر في المواسم القريبة الماضية، ظهرت شكوك حول إمكانية احتفاظ رجال المدرب فيليكس ماغات بالثنائية (الدوري والكأس) التي أحرزوها الموسم الماضي.
وبقدر ما كان الأمر مفاجئاً للبعض، بدا منطقياً للمتابعين عن كثب تركيبة البايرن، المستوى السلبي والنتائج المتواضعة التي سجلها الفريق أثناء استعداداته للموسم الجديد ومنذ انطلاق فعاليات “البوندسليغه”. إلا أنه سرعان ما عرف الجميع أن الفريق الذي لا يقهر في ألمانيا فقد الكيميائية مع هجرة بالاك، ولم تنجح بالتالي “تجارب” ماغات بإشراك كلٍ من الباراغوياني روكي سانتا كروز ومواطنه خوليو دوس سانتوس وعلي كريمي والناشىء اندرياس اوتل لتعويضه في مركزٍ حساس لا يجيده سوى أصحاب المستوى الرفيع.
وحالت “الفلسفة البافارية” التي أطلقها مدير الفريق، أولي هونيس، لخفض الأجور وعدم شراء اللاعبين بمبالغ مرتفعة، دون دخول البايرن أسواق العرض والطلب بقوة لشراء حاجته وسدّ الثغرات المستجدة في تشكيلته. إلا أن الخسائر الودية أمام أوراوا رد دايموندز الياباني (0 - 1) وبرشلونة الاسباني (0 - 4)، وفقدان لقب كأس رابطة النوادي الألمانية لمصلحة فيردر بريمن، والفوز بصعوبة على بوخوم الوافد حديثاً الى “البوندسليغه” (2 - 1)، كل هذا أفاق القيّمين على الواقع وخصوصاً بعد وجودهم في مجموعةٍ لا يستهان بها في دوري الابطال الاوروبي الى جانب انتر ميلان الايطالي القوي وسبورتينغ لشبونة البرتغالي وسبارتاك موسكو الروسي.
وربما أراد هونيس نفسه قبل مباراة فريقه ونورمبرغ (0 - 0) تهدئة خواطر بعض الثائرين والمنتقدين بإعلانه الاقتراب من ضم الهولندي مارك فان بومل ليكون الخليفة الحقيقي لبالاك. وازدادت البوادر الايجابية بعد المباراة عينها عندما دخل الهداف الهولندي روي ماكاي غرف تبديل الملابس ليجد رسالة هاتفية من مواطنه يبلّغه فيها عزمه على ترك برشلونة للالتحاق به في بافاريا. ومما لا شك فيه أن ماكاي يدرك أكثر من غيره أن فان بومل يمكن أن يكون الرجل المناسب في المكان المناسب لرأب الصدع الحاصل قبل فوات الأوان، علماً بأن الخطوة تحسب لمسؤولي البايرن الذين عالجوا المشكلة بشكلٍ سريع ورصين على رغم أن مسألة استقدام وجه جديد لم تكن واردة في الحسبان قبل أيام قليلة.
وإذ لم يستفد البايرن شيئاً من خسارته المذلة أمام “البرسا” على “كأس خوان غامبر”، فإن مسؤوليه تحركوا بسرعة لدى سماعهم في كاتالونيا أنباء عن رغبة فان بومل في ترك ناديه، وخصوصاً أنهم سبق أن فشلوا في محاولتين خلال الاشهر الـ12 الماضية لضم لاعب الوسط المبدع. ويمكن اعتبار أن البايرن لعب مرة أخرى من تحت الطاولة، رافضاً الإعلان عن قيمة الصفقة التي قدّرتها الصحف الألمانية بحوالى 6 ملايين يورو، بينما أوردت مصادر أخرى أنها أكبر بكثير، لذا أراد مسؤولو البايرن التكتم عن الرقم المدفوع حتى لا يناقضوا أقوالهم السابقة.
وإذا كان فان بومل وصف الخطوة بأنها الأفضل على الإطلاق في مسيرته، فإن ماكاي بدا سعيداً أكثر منه لإدراكه أن وجود مواطنه الذي لعب معه على مستوى منتخب الشباب والمنتخب الأول ويتقاسم معه مدير الأعمال نفسه، سيساعده الى أبعد الحدود لزيادة رصيده من الأهداف. وهذا الأمر لا مجال للشك فيه بالنظر الى القيمة الفنية لأفضل لاعب في هولندا الموسم قبل الماضي، الذي لعب دوراً رائداً في إحراز برشلونة الدوري الاسباني ودوري الأبطال الأوروبي. من هنا، ليس مستغرباً التأكيد أن البايرن سيضرب مجدداً بوجود فان بومل الذي يجيد الألمانية، والمعتاد على الدور القيادي منذ لعبه مع بي أس في ايندهوفن، إذ أجاد توجيه عدد كبير من اللاعبين الناشئين لحصد النجاحات على الصعيدين المحلي والقاري. وانطلاقاً من هذه الميزات أدرك هونيس أنه لا بد من استقدام فان بومل في ظل تخمة الناشئين في الفريق الأحمر. وبهذا الأمر أُضيف المزيد من عنصر الخبرة التي سيمثلها الهولندي الى جانب ماكاي والفرنسي ويلي سانيول والبرازيلي لوسيو والمدافع البلجيكي الجديد دانيال فان بويتن.
ويُنظر الى فان بومل “تكتيكياً” على أنه الوحيد القادر على شغل دور بالاك بامتياز، إذ يمكنه اللعب خلف المهاجمين وإيجاد الحلول الشافية لإيقاف المدّ الهجومي للمنافسين، والاحتفاظ بالكرة لتمريرها في الوقت المناسب أو إصابة الشباك من المسافات البعيدة. ويعدّ وصول فان بومل مكسباً للدوري الألماني في شكلٍ عام، وخصوصاً بعد هجرة أبرز نجومه أمثال بالاك والفرنسي يوهان ميكو والتشيكي توماس روزيسكي والبلغاري ديميتار برباتوف، وهو كان يريد بشدة تجربة حظه في ألمانيا القريبة من مسقطه بحسب ماكاي، علماً بأنه سبق أن رفض عرضاً قدّمه له والد زوجته بيرت فان مارفيك مدرب بوروسيا دورتموند.
الآن عاد بايرن ميونيخ يتطلع الى حقبة جديدة، وأضحت المعادلة في خط الوسط البافاري فان بومل والانكليزي أوين هارغريفز بانتظار ما ستسفر عنه الأيام القليلة المقبلة قبل إقفال باب الانتقالات أواخر الشهر الجاري، إذ ينتظر معرفة مصير هارغريفز الذي يريد الرحيل الى مانشستر يونايتد في موازاة إصرار هونيس على أنه يمكن “الشياطين الحمر” بلوغ قمة جبل إفرست الشهير قبل الحصول على توقيع لاعبه، الذي يعتبر أساساً لفريق لم يتعوّد إلا التربّع على القمم الكروية.