لا شك في أنه لا يغيب عن بال كل من تابع الأفلام التاريخية الخاصة بالمقاتلين الجلادين، تلك المشاهد التي تصوّر هؤلاء عبيداً، فهم قاتلوا وعرّضوا أرواحهم للموت مقابل لا شيء، بل فقط لإمتاع الطبقة الأغنى وصناعة الاستعراض للجمهور المتعطش للدم.وقد يصح استحضار هذا المشهد في يومنا هذا إذا ما تحدثنا عن بطولة قتالية اسمها "UFC"، والتي ذاع صيتها بشكلٍ سريع في العالم، حتى باتت من أكثر البطولات متابعة على الإطلاق. هناك في الـ"UFC" يشعر المقاتلون بالظلم، فهم يخسرون الدماء على أرض الحلبة بأثمان بخسة، فأعلنوا على ما يبدو بداية ثورة ضد الاستغلال الذي يشبه عبودية العصور المظلمة، وخصوصاً إذا ما وضعنا في الميزان ما يقدّمونه مقابل ما يحصلون عليه.
عدد من المقاتلين المتعاقدين مع المنظمة، وآخرون معتزلون، شكلوا فجأة جمعية معنية للدفاع عن حقوقهم، موجّهين صفعة قوية لرئيس الـ"UFC" داينا وايت، الذي حاول التصدي لهم كونه يعلم أن الخطوة ستكون مقدمة لتغييرات جذرية في تعاطي المنظمة مع "موظفيها" من المقاتلين.
"ثورة" مقاتلي الـ"UFC" منطقية جداً، فهي لم تأتِ صدفة بل هي نتيجة تراكم عوامل عدة؛ أبرزها جشع الإدارة ومالكي المنظمة، لكن الأسباب المؤثرة هي ثلاثة، وتأتي على رأسها مسألة المنشطات، إذ رغم الصورة التي تروّج لها المنظمة بأنها نظيفة ولا مكان فيها للمنشطات، فإن هذه الآفة كانت ولا تزال حتى اليوم جزءاً رئيسياً من الحمية الغذائية لعدد كبير من المقاتلين. واللافت أنه رغم خضوع المقاتلين لفحوص دائمة، فإن النتيجة تخرج بعد نهاية النزال ببضعة أيام ــ الأمر المنافي للمنطق ــ أي بعد أن يكون المتعاطي للمواد المنشطة قد هزم خصمه بضربة قاضية آذاه بها جسدياً.
يتقاضى المقاتل أجراً يوازي أجر موظفٍ مصرفي!

أما السبب الثاني فهو ضعف الأجور، إذ برز ما قاله البطل السابق الكندي جورج سان بيار: "إنهم يقاتلون من أجل الفتات". لطالما كانت أجور معظم مقاتلي الـ"UFC" بسيطة جداً، لدرجة أن بإمكان موظف مصرفي في الولايات المتحدة يتقاضى ما لا يزيد على 60 ألف دولار سنوياً أن يتخطى ما يتقاضاه مقاتل خلال الفترة نفسها!
والمقاتل لا يشارك عادةً بأكثر من نزالين أو ثلاثة في السنة، متقاضياً ما لا يزيد على 30 ألف دولار عن النزال إن لم يكن ذا شهرة كبيرة. هذه المشكلة كانت المنظمة قد نجحت في احتوائها لفترة عبر تجنبها الحديث عن قيمة مداخيلها الحقيقية، إلا أن إعلان مالكي المنظمة الأخوين فرتيتا عن بيعها الشهر الماضي بقيمة خيالية بلغت 4.2 مليارات دولار، جعل المقاتلين يتساءلون كيف لمنظمة تبلغ هذه القيمة أن تدفع 30 ألفاً فقط مقابل النزال؟ ولعل الطريقة الفضلى لإبراز ضعف مداخيل هؤلاء المقاتلين هي عبر مقارنتها بمداخيل رياضيين آخرين في الولايات المتحدة، ففي حين يحصل لاعبو دوري السلة الأميركي الشمالي للمحترفين على نصف ما ينتجه الدوري من أموال، يحصل نظراؤهم في الـ"UFC" على 15 بالمئة فقط من عائدات منظمتهم.
كذلك برز جشع ملّاك الـ"UFC"، في صفقة شركة "ريبوك" قبل عامين، من أجل تزويد المقاتلين بالتجهيزات اللازمة في نزالاتهم. وبالنسبة للمقاتلين، كان الخبر كارثياً، إذ حرمتهم الخطوة من الأموال التي كانوا يحصلونها عبر وضع شعارات شركات راعية عدة على سراويلهم القصيرة داخل "الأوكتاغون".
"إنهم يستعبدوننا" هكذا عبّر البطل السابق البرازيلي فيتور بيلفور، في أول ردّة فعل له على الصفقة، مضيفاً: "ليس من العدل أن تقبض 500$ لكي تتلقى لكمة"، في إشارة إلى اعتماد المقاتلين التام على أجور المنظمة بعد حرمانهم من أموال الرعاة، وقد شكلت هذه الصفقة، كما عملية البيع، عاملاً مسرّعاً لتكتل المقاتلين في وجه إدارة المنظمة من أجل استعادة حقوقهم.
وبالعودة إلى جمعية المقاتلين، فقد ساهم وجود أسماء مقاتلين هم بمثابة أساطير في عالم الفنون القتالية المختلطة، أمثال بطل الوزن الثقيل الخفيف السابق الأميركي راندي كوتور ومواطنيه كين شامروك وكانغ لي، إضافة إلى منافسين حاليين داخل "الأوكتاغون" على رأسهم بطل وزن الريشة السابق البرازيلي جوزيه ألدو، وبطل الوزن الخفيف السابق الأميركي بنسون هندرسون، في إعطاء هذا التحرك زخماً ودعايةً يحتاج إليهما بشدة.
إلا أن نجاح الجمعية مرهون بصعود نجوم الصف الأول على متن الحملة، فاستمالة المنظمين لمقاتلين أمثال الإيرلندي كونور ماكغريغور أو الأميركي جون جونز، أو غيرهم ممن هم على رأس اللعبة والذين يجنون الملايين، ستشكل تحدياً حقيقياً أمام الجمعية، وفي حال نجاحهم، سيكون ذلك من دون شك عاملاً حاسماً لمصلحة الجمعية في معركتها، أما في حال فشلهم في جلب بعض هذه الأسماء، فقد لا يُكتب لهذا التحرك حياة طويلة.