«مع هذا الفتى يمكنك الذهاب إلى أي مكان». بهذه الكلمات وصف المدرب الإسباني السابق لبايرن ميونيخ، جوسيب غوارديولا، أهمية دور الدولي الألماني جوشوا كيميتش، في تشكيلته أيام كان مدرباً للفريق، مصوِّباً في كلماته القليلة هذه على مسألة نادرة، هي إمكانية إشراك لاعبه الشاب في أيٍّ مركزٍ كان.
ومع كيميتش، فعلاً يمكن بايرن أن يذهب لملاقاة أيِّ خصم، إذ مهما كان النقص في التشكيلة، فهناك «جوكر» قادر على ملء الفراغ، لا بل تقديم أداء رائع من خلال الروح الجماعية التي يملكها والتي يبثها في نفوس زملائه. ومع كيميتش، بالتأكيد سيذهب بايرن إلى مكانٍ بعيد، ليستعيد المشاهد الجميلة التي رسمها الكابتن المعتزل فيليب لام، الذي أطل خليفته بسرعة هائلة في النادي البافاري، إذ لم يكن صدفة أن يحمل كيميتش، رغم صغر سنه (22 عاماً) شارة القيادة في إحدى المباريات الاستعدادية للموسم الجديد، وقد ظهرت جميلة على ساعده ويستحقها من دون جدال.
الواقع أن الحسرة الكبيرة التي عرفها جمهور بايرن منذ انتهاء الموسم الماضي وإعلان لام اعتزاله، تبخّرت بسرعة قياسية، فهناك في «أليانز أرينا» وجد المشجعون مستنسخاً عن القائد السابق، لا بل لاعباً أفضل منه على صعيد الأرقام، أقله في الموسم الحالي، الذي يواصل فيه تقديم الأداء التصاعدي مباراةً بعد أخرى، فهو من دون شك استفاد أخيراً من وصول يوب هاينكس إلى الإدارة الفنية، وخصوصاً أن الأخير تكتيكي بامتياز، وهي مسألة تخدم اللاعبين مثل كيميتش الذين يستفيدون من الانضباط التكتيكي لزملائهم لكي يلمعوا أكثر على أرض الملعب من خلال تأديتهم أكثر من دور.

خلق كيميتش فرصاً أكثر من أيّ لاعب
في «البوندسليغا»


مباراة الليلة أمام لايبزيغ تعيدنا إلى الذاكرة، إلى يوم قرر فيه بايرن ميونيخ نقل لاعبٍ مجهول بالنسبة إلى الكثيرين، لارتداء ألوانه، حيث احتضنه غوارديولا سريعاً، وشرع في العمل على تطويره. وهنا لا يمكن نسيان تلك «البهدلة» التي خصّصها «بيب» للاعب اليافع على مرأى من الجميع في نهاية إحدى المباريات، حيث ركض الإسباني إلى الملعب ليُسمِع لاعبه ملاحظاته بقساوة، في لقطةٍ كان يمكن لاعبين كثراً أن يرفضوها، لكن ليس كيميتش. وقتذاك، وقف مُظهراً نضجاً وفكراً احترافياً قلّ نظيره، مستمعاً إلى مدربه من دون أيِّ امتعاض. هو أصلاً يعبِّر عن المعنى الحقيقي للاحتراف، ويمكن ضرب المثل حول هذا الكلام من خلال ردّ فعله على إقالة الإيطالي كارلو أنشيلوتي، الذي تجاهله كثيراً في الموسم الماضي، في خطوة أضرّت المدرب لا اللاعب الذي عاد مع هاينكس ليفجّر موهبته كاملة. كيميتش، عندما وُجِّه سؤال إليه عن رأيه بإقالة أنشيلوتي، ردّ قائلاً: «لقد حققنا العديد من النتائج المميزة (مع أنشيلوتي)، قبل أن تتحوّل الأمور إلى سيئة في الموسم الحالي. أحياناً تحصل هذه الأمور في كرة القدم، ويجري التغيير».
إذاً، فتى لايبزيغ المغمور بالأمس، بات نجماً في بايرن اليوم، فهو يُعَدّ أكثر اللاعبين ثباتاً في التشكيلة والمستوى خلال الموسم الحالي، إذ قبل مباراة السبت الماضي أمام هامبورغ، كان قد بدأ وأنهى كل المباريات، مسجلاً ثلاثة أهداف، وممرراً أربع كرات حاسمة، وخالقاً فرصاً (25 فرصة) أكثر من أي لاعبٍ في «البوندسليغا»!
تكفي هذه المعلومة الأخيرة للدلالة على طينة كيميتش الذي لا غنى عنه في منتخب ألمانيا أيضاً، إذ حتى في أوقات ظُلم أنشيلوتي له، كان مدرب «المانشافت» يواكيم لوف، يختاره أساسياً في تشكيلته، حيث لم يخيّب ظنه يوماً.
وقد تكون كلمات الإشادة بكيميتش قليلة عليه، لكن اللافت أنه على غرار الكثير من اللاعبين حول العالم يُعَدّ مظلوماً لناحية عدم تسليط الأضواء عليه، رغم إصرار إدارة بايرن دائماً على اعتباره جوهرة بكل ما للكلمة من معنى، والدليل ما قاله الرئيس التنفيذي للنادي كارل - هاينتس رومينيغيه، أن كيميتش تخطى لام بما قدّمه الأخير مع بايرن بنفس السن. وفي هذا الكلام الكثير من الصحة، إذ كما هو معلوم، أعار بايرن لام لشتوتغارت لينضج قبل أن يعود ليقود بطل ألمانيا نحو أمجاد كثيرة من تلك الجهة اليمنى التي لم تخسر أي شيء من متعتها باعتزال الرقم 21 الشهير، ولتأكيد هذه المقولة يمكن سؤال الهولندي أريين روبن عن المسألة بعدما وجد في ظهره محارباً حامياً له، وأمامه ماكينة أهداف لا تهدأ ولا ترحم.