بعد أشهرٍ على الفضيحة الكرويّة في مونديال روسيا، يعود المنتخب الألماني إلى الظّهور من جديد عبر بوابة دوري الأمم الأوروبّيّة. ظهورٌ ينتظره مشجّعو كرة القدم لرؤية مصير المانشافت ومدى شفائه من انتكاسة الخروج من الباب الضيق في روسيا. فضيحة عادلت بوقعها في الوسط الرّياضي خسارة البرازيل الشّهيرة أمام ألمانيا نفسها في مونديال 2014 بسبعة أهداف مقابل هدف واحد. زلزالٌ عصف بالاتّحاد الألماني نتج عنه العديد من التّغييرات، تمثّلت باستبعاد بعض اللّاعبين واعتزال آخرين. المدرّب الألماني يواكيم لوف لم يقبل الاستسلام بل ظلّ متمسّكاً بمنصبه متعهّداً ببناء منظومة قويّة قادرة على إعادة المجد للألمان. صدمةٌ وغضبٌ بين مشجّعي ألمانيا انفجرا بوجه مدرّب المنتخب ما جعل 55% منهم يطالبون باستقالة لوف عقب نهاية كأس العالم، بحسب دراسة أجراها معهد «سيف» لقياس مؤشرات الرأي، إلّا أنّ الاتّحاد الألماني فضّل إعطاء المدرّب فرصة أخرى تكريماً لما قدّمه للمنتخب منذ تولّيه القيادة الفنّيّة للمنتخب عام 2006.
يأتي دوري الأمم الأوروبّيّة في وقتٍ مثالي لمعرفة مستقبل الألمان، بطولةٌ ستلعب الدّور التّنشيطي لأبناء لوف، وذلك تحضيراً ليورو 2020، إضافة لإعطاء رسم أوّلي عن المنتخب الّذي سيلعب بمونديال قطر 2022.
يدخل لوف البطولة بعقليّة مختلفة، وذلك بالعدول عن أفكاره السّابقة الذي دفع ثمنها في روسيا غالياً. يسعى لوف إلى ترميم التّشكيلة الّتي «سقطت» في موسكو، ظهر ذلك بالأسماء الّتي استدعاها لمواجهتي فرنسا وبيرو، حيث قام باستبعاد كلّ من سامي خضيرة نجم وسط يوفنتوس وسيباستيان رودي، كما شهدت القائمة عدم وجود الهدّاف ماريو غوميز بعد اعتزاله لتقدّمه بالعمر، إضافةً إلى اعتزال نجم أرسنال مسعود أوزيل اللّعب الدّولي بعد تعرّضه للاتّهامات بالتّخاذل، إضافةً إلى الألفاظ العنصريّة الّتي انهالت عليه بعد الصّورة الّتي ظهر فيها رفقة الرّئيس التركي رجب طيب أردوغان واتّهامه بعدم الولاء، وهو ما نكره أوزيل، وعبّر عن رفضه بشكل مطلق. وضمّ لوف بعض الوجوه الجديدة الّتي ستبدأ مسيرتها رفقة المنتخب في البطولة المرتقبة، حيث استدعى كلّاً من ثيلو كيري مدافع باريس سان جيرمان الفرنسي، نيكو شول مدافع هوفنهايم وكاي هافيرتز اللاعب المحوري في باير ليفركوزن. وعدل لوف عن الخطّة الّتي لجأ إليها منذ أشهر قليلة، فأعاد البحث بأوراقه الّتي تخلّى عنها مسبقاً، ليستدعي كلّاً من جوناثان تاه، ونيلز بيترسن وليروا سانيه نجم نادي مانشستر سيتي الإنكليزي. وقد حرّك غياب هذا الأخير عن مونديال روسيا أقلام الصّحافة الألمانية ضد لوف، وثار جمهور المانشافت على القرار «الغامض» للمدرب باستبعاد جوهرة السيتي، خاصّةً بعد الأداء المخيّب الّذي ظهر به المنتخب لعدم وجود جناح قادر على اختراق دفاعات الفرق المنافسة، وهي الميّزة التي يتمتع بها سانيه.
يريد لوف الفوز على المنتخب الفرنسي لإثبات أن ألمانيا قد تعافت من نكسة روسيا


وقبل دوري الأمم الأوروبية قرر لوف احترام رغبة المدافع جوناس هيكتور واستبعاده عن قائمة المنتخب للمباراة المقّررة أمام فرنسا في النّسخة الأولى من البطولة، وكذلك الودية التالية المقررة أمام بيرو، وذلك تفادياً للإرهاق الكبير الذي يمكن أن يصيب اللاعب، في ظلّ البداية المبكرة لمنافسات دوري الدرجة الثاّنية في ألمانيا. وتظلّ المشكلة الأساسيّة الّتي يعاني منها المنتخب الألماني، عدم وجود رأس حربة هدّاف، الأمر الّذي افتقده الألمان في كأس العالم، رغم وجود الشاب تيمو فيرنير. ولكن الأخير لم يكن موفقاً في روسيا، ولم يستطع تعويض نجم ألمانيا السابق والهداف التاريخي لنهائيات كأس العالم ميروسلاف كلوزه. ولمعالجة هذه المشكلة، قد يلجأ المدرّب الألماني لإقحام نجم بايرن ميونخ توماس مولر بمركز رأس الحربة رفقة تيمو فيرنر الّذي سيلعب دور المهاجم الوهمي، علماً أنّ المشكلة قد تحلّ إذا ما قام المدرّب باستدعاء ساندرو فاغنر مهاجم بايرن ميونخ، والّذي قد يعدل عن فكرة الاعتزال إذا ما لمس رغبة حقيقيّة من المدرّب بالاعتماد عليه.
رحلة استعادة الهيبة والسّمعة تبدأ في دوري الأمم الأوروبية، وسط آمال وتطلعات بظهور نسخة ألمانيّة قويّة في هذه البطولة، خاصة أن الامتحان الأوّل في البطولة الأوروبية سيكون صعباً أمام بطل العالم، المنتخب الفرنسي المدجج بالنجوم، والقادر على تجاوز أي منتخب.
وعلى ضوء هذه الوقائع والتطورات، يدرك الأنصار أنّ رحلة التعافي طويلة وشاقّة، وستنطلق بأصعب مواجهة على الإطلاق. قد يرى لوف بهذه المواجهة، بداية مثاليّة لنهضة الألمان من جديد، حيث يُعتبر إسقاط بطل العالم خير مؤشّرٍ على تعافي المنتخب الجريح. ويهدف دوري الأمم الأوروبّيّة الّذي استحدثه الاتّحاد الأوروبي لكرة القدم، إلى زيادة الاهتمام بالمباريات الدّولية التي تقام في فصلي الخريف والرّبيع، والتي تنظر إليها الأندية والجماهير باعتبارها عقبة أمام الموسم المحلّي، إضافةً لإعطاء بعض المنتخبات الفرصة للتّأهّل المباشر لبطولة الأمم الأوروبّيّة دون اللّجوء للتّصفيات، فيما ينظر إليها المدرّبون على أنّها بثّ تجريبي لمدى جاهزيّة اللّاعبين، وإمكانيّة تعديل الأوتار قبل المسابقات الدّوليّة
المقبلة في 2020 و2022، وهذا ما يسعى له تحديداً المدرّب الألماني يواخيم لوف حيث سيدخل هذه المسابقة بكلّ قوّة لإعادة الثّقة للّاعبين الألمان، وكسب رضى المشجّعين من جديد، وإيصال رسالة لجميع منتخبات أوروبا والعالم، بأن ألمانيا جاهزة، وإعادة إحياء مقولة أن «المستحيل ليس ألمانياً».



نوير سعيد بمواجهة فرنسا!
أكد حارس منتخب ألمانيا مانويل نوير ضرورة تقديم مباراة قوية أمام منتخب فرنسا في المباراة الأولى من دوري الأمم الأوروبية. واعتبر نوير أن مواجهة أبطال العالم في هذا التوقيت تعتبر «هدية للمنتخب الألماني»، لقياس قدرات المانشافت بعد الخروج من الدور الأول في مونديال روسيا الأخير. وقال الحارس الألماني الذي لم يقدم أداءً جيداً في مونديال روسيا أن الأهم الآن هو «الاستمتاع بكرة القدم، وتقديم كرة قدم جميلة تليق بالمنتخب الألماني»، وشدد على أن المنتخب واللاعبين «يعرفون الأمور التي يجب العمل عليها لتحسين المستوى، والنقاط التي يجب تداركها». واعترف نوير بصعوبة المهمة أمام المنتخب الفرنسي، وقال: «سنلعب أمام أبطال العالم في ميونيخ ونريد أن نقدم كرة قدم جميلة والمهمة صعبة بالتأكيد. قياس قدراتنا أمام منتخب مثل فرنسا هو أفضل شيء يمكن أن يحصل لنا في مثل هذا الوقت». ولم يخف حارس بايرن ميونيخ حالة الإحباط التي يعيشها منتخب ألمانيا اليوم، إذ أكد أن «لوف يشعر بالإحباط والاكتئاب بعد نتائج كأس العالم، وكذلك اللاعبين يشعرون بالإحباط، لكننا عازمون على العودة لطريق النجاح وتحقيق نتائج جيّدة». وقال نوير: «في كرة القدم القياس يتم بحسب النتائج دوماً. نحن بحاجة لتحسين النتائج، والمدرب سيضيف العديد من النقاط، كما أن اللاعبين متحمسون لتقديم الأفضل، ولعب كرة قدم جيّدة. وهم أيضاً لديهم بعض النقاط التي سيزيدونها للمنتخب. مباراة فرنسا ستكون صعبة لأنها أمام المنتخب الذي رفع كاس العالم مؤخراً في روسيا». وستكون أنظار كل العالم متركزة على المنتخب الألماني، بعد خروجه من الدور الأول في مونديال روسيا الأخير، وخسارته أمام منتخب كوريا الجنوبية بهدفين من دون رد. كما أن جميع المراقبين سيتابعون كيف سيتعامل يواكيم لوف مع المنتخب، بعد فشله في روسيا، خاصة في ظل الخيارات التي اتخذها والتي أثبتت فشلها. ومما لا شك فيه أن أي فشل جديد للمدرب الألماني، ستكون نتيجته الإقالة.