لطالما انقسمت جماهير كرة القدم بين مؤيدٍ ومعارض بشأن استخدام التكنولوجيا في كرة القدم. منهم من رأى ضرورة التغيير بهدف تقليص الأخطاء التحكيمية بشكلٍ خاص، فيما كانت الخشية لدى آخرين من التأثير السلبي لتوقف المباريات المتكرر على الحماسة والشغف. لكن مع مرور الوقت، يبدو أن القيّمين على اللعبة يؤيدون الشريحة الأولى من الجماهير، إذ زاد الاعتماد على التطور التكنولوجي في كرة القدم خلال السنوات الماضية، ليصل الى القمة ربما في كأس العالم المرتقبة.وكما في البرازيل وروسيا، كذلك في قطر، فقد أصبح التطور التكنولوجي علامة فارقة مع كل نسخة جديدة من «المونديال». تم استخدام تقنية خط المرمى و«الرذاذ المتلاشي» للمرة الأولى خلال الاستحقاق الدولي الأهم في 2014، تبعه تفعيل تقنية التحكيم بمساعدة الفيديو (VAR) ضمن المونديال الروسي عام 2018. تستمر الطفرة التكنولوجية الكروية في كأس عالم قطر لتطال الملاعب، والتحكيم واللاعبين، على أن يشكّل نظام التبريد العنوان الأبرز.
(نهاد علم الدين)

واجهت قطر مشاكل كبيرة عند فوز ملفها بحق استضافة البطولة، حيث اعترضت العديد من الدول على الأمر نظراً إلى درجة الحرارة العالية في منطقة الخليج. حوّلت الدولة القطرية بعدها موعد المونديال إلى فصل الشتاء وجهّزت الملاعب بأنظمة تكييف مركزي تساهم في تعديل الحرارة بما يريح الموجودين.
تضمن أنظمة التكييف درجة حرارة مثالية للاعبين والمتفرجين (من المتوقع أن تبلغ درجة الحرارة خارج الملاعب 25 في الشتاء)، حيث يتم تبريد الهواء الخارجي عبر مراوح تعمل بالطاقة الشمسية، ويدخل الهواء البارد إلى الملعب من خلال فتحات في المدرجات وفوهات أخرى كبيرة. يتم بعدها سحب الهواء المبرّد والمصفّى للخلف باستخدام تقنية تدوير خاصة، ثم يُدفع الهواء المعاد تدويره مرة أخرى داخل الملعب، وفق ما ذكرته منصّة «قطر 2022».
بدأ العمل على مشروع التكييف الداخلي منذ 13 عاماً، بمجرد فوز ملف قطر بحق استضافة المونديال في 2010. وأشار القيمون على المشروع إلى أن التجربة سوف تكون استثنائية بالنسبة إلى اللاعبين، وأن الهواء البارد سيمنع الإصابات والأمراض الشائعة في درجات الحرارة الشديدة، مع التأكيد بأن النظام يلبّي متطلبات الاستدامة حيث تُولَّد الطاقة من موقع عملاق للطاقة الشمسية في الصحراء خارج العاصمة الدوحة.
وتتميز 7 من أصل 8 ملاعب جرى تجهيزها لاستضافة العرس الكروي بتقنية التبريد المتقدّمة. فقط ملعب «974» لا يحتوي على تلك التقنية لقربه من الخليج وعدم حاجته إلى التبريد الاصطناعي. ومنذ طرح فكرة استخدام مكيّفات الهواء في الملاعب، أثير جدل واسع ضمن الأوساط الغربية تحديداً. في هذا الإطار، أشار الرئيس التنفيذي لجمعية بريطانيا للرياضة المستدامة، راسل سيمور، إلى مخاوف من الرسالة التي تقدّمها مسألة التكييف ضمن الهواء الطلق، في وقتٍ يجري فيه حضّ الناس على توفير الطاقة حتى لو كانت متجددة.
وبعيداً عن نظام التكييف، سوف يشهد مونديال قطر تقنيات مميزة أخرى لم تعتمد في النسخ الماضية من كأس العالم.

نظام تحكيم متطور
شهدت العديد من النسخ السابقة للمونديال لقطات تحكيمية فادحة أثّرت بطريقة أو بأخرى على نتائج المباريات، وكان من الممكن أن يُكتب التاريخ الكروي بشكلٍ مُختلف لو لم تحدث. من هدف الأرجنتيني دييغو أرماندو مارادونا بيده في شباك إنكلترا عام 1986، إلى إلغاء هدف متوسط الميدان الإنكليزي فرانك لامبارد أمام ألمانيا بمونديال جنوب أفريقيا 2010، رغم تخطي الكرة خط المرمى، وكذلك الكرة التي أهّلت فرنسا الى مونديال 2010 عبر يد تييري هنري. مثل هذه اللقطات وغيرها جعلت الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» يستخدم التكنولوجيا في البطولات التي يرعاها، فبدأ الأمر بتقنية خط المرمى ثم الـ«VAR».
أصبح التطوّر التكنولوجي علامة فارقة في كل نسخة جديدة من كأس العالم


أحدث التقنيات المعتمدة في كأس عالم قطر 2022 هي تقنية شبه آلية للكشف عن حالات التسلل. سيتمُّ إطلاق تقنية «الحكم الروبوت» خلال لقاءات كأس العالم المقبلة بحسب ما أعلنه الفيفا، بعد ظهورها في مباريات دوري أبطال أوروبا. وتعتمد التقنية الجديدة على استخدام كل الكاميرات الموجودة على أرض الملعب لمراقبة مراكز اللاعبين وأوضاعهم بهدف حسم حالات التسلل في وقتٍ قصير.
وبحسب صحيفة «ديلي ميل» البريطانية، ستثبّت 12 كاميرا في سقف الملعب لتتبّع الكرة، و29 كاميرا على كل لاعب بهدف مراقبة وإنشاء نماذج ثلاثية لهيكله الجسدي مع جمع 180 صورة من البيانات على مدار المباريات.
تعمل التقنية بالربط بين الرقاقة الذكية الموجودة داخل الكرة والكاميرات المثبتة في الملعب. سيتم وضع مستشعر في وسط كرات «Adidas» المخصصة لكأس العالم، والتي أخذت اسم «الرحلة» وتتسم بكونها الأفضل دقة والأكثر سرعة في تاريخ كل نسخ كأس العالم. تقوم المستشعرات بتسجيل البيانات 500 مرة في الثانية لاكتشاف متى ركلت الكرة بالضبط، ثم دمجها مع بيانات تتبُّع الأطراف لتنبيه مسؤولي المباراة داخل غرفة الـ VAR عندما يكون اللاعب متسللاً في اللحظة التي لعبت فيها التمريرة. رغم تعقيد العملية نظرياً، من المتوقّع أن يستغرق البتّ في القرار بضع ثوانٍ فقط للحؤول دون ضياع الوقت.

بيانات اللاعبين
سيتمكن اللاعبون خلال بطولة كأس العالم من الحصول على رؤية أفضل حول أدائهم على أرض الملعب من خلال تطبيق «FIFA Player». جرى تطوير التطبيق بالتعاون مع «FIFPRO»، الممثل العالمي للاعبي كرة القدم المحترفين، وسيستخدم لأول مرة في بطولة كأس عالم قطر بعدما أظهر الاستطلاع والمقابلات التي أجريت اهتمام اللاعبين بالحصول على بيانات أدائهم. سيوفّر تطبيق «FIFA Player» فرصة وصول كل لاعب إلى بيانات أدائه الفردي بعد فترةٍ وجيزة من كل مباراة، وتتضمن البيانات التي جمعت: مقاييس بيانات كرة القدم، بيانات التقطها فريق محلّلين للأداء، بالإضافة إلى بيانات التتبّع. تشرح البيانات أيضاً ما إذا كان اللاعب قد قدّم عرضاً أو تحركاً صحيحاً للاستلام، وما إذا كان إجراء التوزيع قد كسر خطوط الخصم، إضافةً إلى مدى فاعلية الضغط الذي مارسه على الخصم الذي استحوذ على الكرة. ثم مزامنة هذه البيانات مع لقطات المباراة لتمكين اللاعبين من مشاهدة جميع اللحظات الرئيسية لأدائهم بالتفصيل، عبر استخدام زوايا مختلفة للكاميرا.
بالإضافة إلى ذلك، سيتم توفير صور الحركة المتعددة التي التقطت خلال اللحظات المهمة من كل مباراة لكل لاعب على حدة. سيتمكن اللاعبون من حفظ الصور أو مشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي مع إحصاءات المباريات المفضّلة لديهم، مباشرةً من التطبيق.
تقنيات جديدة تُستخدم للمرة الأولى وستحمل معها العديد من المفاجآت خلال المونديال، على أن تثبت جدواها خلال فترة المباريات.