كم هي غريبة كرة القدم. بالأمس كان روبن فان بيرسي في لندن. يتجول مختالاً في شوارعها. وتبتسم له الوجوه في أماكنها وترفع له اللافتات والصور في منازلها. كان «روبن هود» الملك في لندن. الملك الاوحد وصاحب الصولجان. كان الأيقونة التي يعتني بها اللندنيون برموش العيون وتخفق لأجلها القلوب، كيف لا؟ وهو الوريث لجيل حمل أياماً مجيدة لملعب النادي القديم الـ«هايبري» من مواطنه دينيس بيركامب إلى الفرنسيين تييري هنري وروبير بيريس وصولاً الى السويدي فريدي ليونبرغ. بالأمس، كان فان بيرسي في ملعب «الامارات» يصنع البسمة على الوجوه والأحلام في القلوب. صحيح أن أرسنال لم يعرف طعم الألقاب في تلك الفترة، الا أن وجود الهولندي كان خير معوض لهم. كان رود متعة عطلة نهاية الأسبوع بالنسبة للندنيين. بفنياته الرفيعة واهدافه الرهيبة كان فان بيرسي يزرع الامل في قلوب أنصار «الغنرز» بغد أفضل. بغد انتظره اللندنيون طويلاً.

بالأمس، كان فان بيرسي هنا الى جانب أرسين فينغر «والده الروحي» ومكتشفه في فيينورد روتردام في بلاده. قصة جميلة جمعت بين الهولندي والفرنسي، هذا الأخير الذي صقل موهبة اللاعب يوم قدم الى مدينة الضباب وهو لم يتخط بعد العشرين عاماً. كان وقتها فان بيرسي شاباً نحيل البنية مجهولاً بالنسبة لكثيرين وسط أسماء مرعبة في كتيبة «المدفعجية» كهنري وبيركامب وبيريس وغيرهم. غير أن فينغر آمن بهذه الموهبة وأولاها عنايته حتى شهد مستوى الهولندي تطوراً رهيباً ونضجاً غير عادي وهذا ما يرجع بالدرجة الاولى الى التوظيف الصحيح من قبل الفرنسي للاعبه بعد ان كان في مركز الجناح ليحوله الى مهاجم صريح لا يرحم شباك الخصوم ولا يهاب أي حارس.
غداً يعود «روبن هود» الى المكان الذي شهد انطلاقته الى العالمية. يعود فان بيرسي الى لندن على صهوة جواده وهو متوج بأول ألقابه الكبيرة في الدوري الانكليزي الممتاز مع مانشستر يونايتد. شتان ما بين اليوم والأمس. بالأمس كان فان بيرسي فتى اللندنيين المدلل، واليوم بات «الخائن» وغير المرغوب به في العاصمة الانكليزية.
في الواقع، جماهير «المدفعجية» لم تغفر لفان بيرسي تركها فريقها الى الغريم في السنوات الأخيرة، مانشستر يونايتد، منذ اللحظة الاولى لاعلان ذلك النبأ. لم تغفر لروبن انتقاله من احضان فينغر الى أحضان أكثر المدربين كرهاً في لندن وهو «السير» الاسكوتلندي أليكس فيرغيسون. منذ اللحظة الاولى، أحرقت قمصان الهولندي وبات مغضوباً عليه. حتى ان جماهير الـ«غنرز» أقامت الدنيا ولم تقعدها بسبب تبادل لاعبها المعار الى غريميو البرازيلي، أندريه سانتوس، لقميصه مع فان بيرسي في مباراة الذهاب هذا الموسم في «اولد ترافورد» حيث تدارك البرازيلي الموقف معلناً اعتذاره واكثر، فقد نشر صورة له وهو يتناول الطعام فوق قميص الهولندي.
غداً اذاً، يعود فان بيرسي الى ملعب «الامارات». لحظة لا شك استثنائية بالنسبة للاعب وانصار أرسنال. فينغر استبق اللحظة وطلب من الجماهير احترام «روبن هود» وحسن استقباله، كما الحال بالنسبة لمانشستر يونايتد حيث تجري العادة بتحية شرفية للمتوج باللقب قبل انتهاء البطولة. لكن أياً يكن من امر: إن صفقت جماهير أرسنال لمانشستر وفان بيرسي او اطلقت صافرات الاستهجان بوجه الهولندي عند لمسه الكرة، فإن هذا لا يلغي أن «روبن هود» يبقى علامة فارقة مرت يوماً ما في لندن، ولا يزال أبناء المدينة، عبثاً، يبحثون عمن يعوضهم فقدانها.