قبل انطلاق كأس اوروبا 2012 نقلت وسائل اعلام مختلفة تصريحاً لنجم خط وسط اسبانيا شافي هرنانديز حكى فيه عن اهمية وجود بطولة قارية تحوي فقط نخبة المنتخبات دون سواها، وقد اعطى مثلاً عبر كلمات لم تلقَ ترحيباً في العالم العربي مبرراً تفضيله البطولة القارية على كأس العالم بالقول: «طبعاً كأس اوروبا أقوى من المونديال كونها لا تفسح المجال لمشاركة منتخبات مثل السعودية».
كلام شافي عن اهمية كأس اوروبا وتخطيها على الصعيد الفني باجمال المباريات المستوى الذي نلمسه في كأس العالم، فيه الكثير من الصحة. وهذه المسألة بانت بوضوح بعد اسبوع على انطلاق البطولة حيث ارتقت درجة التنافس والحدة في بعض المباريات الى اعلى مستوياتها، فقلّة هي اللقاءات التي خلت من دروس تكتيكية استثنائية يمكن لأي مدربٍ من خارج «القارة العجوز» الاستفادة منها لتطوير مستوى منتخبه على الساحة الدولية. والامثلة كثيرة على هذا الموضوع، ومنها انضباط منتخب المانيا في مباراته ونظيره الهولندي، وخيال منتخب كرواتيا في مباراته مع ايطاليا عندما بدّل خطته ضاغطاً في وسط الملعب ليقطف التعادل، اضافة الى واقعية اسبانيا في مباراتها وجمهورية إيرلندا حيث عادت الى اعتماد اسلوب الـ«تيكي تاكا» مسجلة رقماً قياسياً في عدد التمريرات بين لاعبيها، لتخرج فائزة برباعية دلّت فيها على تعدد ميزاتها في الخطوط المختلفة.
والحقيقة ان اموراً كثيرة تجعل قسماً كبيراً من الرأي العام العالمي يفضّل كأس اوروبا على كأس العالم، او على الاقل لنقل الاوروبيين الذين عانوا غالباً عندما نُظّم المونديال في بلدان اميركا الجنوبية او عندما اقيم في كوريا الجنوبية واليابان عام 2002، اذ عند تنظيم البطولة العالمية في القارة اللاتينية كان الاوروبيون يتكبدون عناء السهر حتى ساعات الصباح الاولى من اجل متابعة المباريات. كما تعطّلت اشغالهم عندما انتقل تنظيم المونديال الى البلدين الآسيويين حيث لُعبت بعض المباريات في الفترة الصباحية او عند الظهر اي في ذروة دوام العمل.
أما في كأس اوروبا فإن المباريات تقام في وقتٍ مريح وبعد انتهاء فترات العمل، والاهم ان عدد المباريات قليل مقارنة بكأس العالم، اذ تقام مباراتان يومياً، وهي مسألة مهمة جداً، اذ لا يضطر المرء الى تعطيل حياته الاجتماعية من اجل تسخير نفسه لمباريات كرة القدم لحوالى شهر تقريباً، وهي الفترة المونديالية، بينما تمتد الـ«يورو» لحوالى ثلاثة اسابيع.
وقلّة نسبة المباريات ناتجة من وجود 16 منتخباً في البطولة، وهو امر له نقطة ايجابية اخرى، اذ يمكن للمتابع ان يحفظ بسهولة مستوى المنتخبات ونتائجها والنقاط التي حصدتها والاحتمالات الخاصة بكلٍّ منها. وانحصار عدد المنتخبات يعيدنا الى نقطة وجود 16 منتخباً متقارباً في المستوى، وهو امر قد يتبدّل في نسخة 2016 التي ستستضيفها فرنسا حيث سيرتفع عدد المنتخبات الى 24 منتخباً، وبالتالي فإن منتخبات من الصف الثاني في اوروبا ستظهر بصورة ضعيفة، وبالتالي فانها ستؤثر على الصورة الفنية النهائية للبطولة.
ومن النقاط التي تثير شعبية القارات كلّها حول كأس اوروبا، ان الاكثرية الساحقة من اللاعبين الموجودين في البطولة ذاع صيتهم على الصعيد العالمي، اذ لا يتوقف الامر عند منتخبات اسبانيا والمانيا وايطاليا، فغالبية اللاعبين الموجودين يلعبون مع اندية تنتمي الى البطولات الوطنية الاكثر متابعة حول العالم، اذ مثلاً بالنسبة الى انكلترا فهي حفظت اسماء لاعبي كرواتيا وفرنسا والبرتغال وغيرها على غرار حفظها اسماء منتخب بلادها، فنجوم هذه المنتخبات ينشطون على نطاق واسع في اندية الدوري الانكليزي الممتاز.
وتضاف مسألة اساسية تزيد من الاثارة على المباريات وهي الحدّة السياسية الموجودة بين بلدانٍ مختلفة في اوروبا، لذا شاهدنا ان مباراة تجمع بين بولونيا وروسيا تثير ضجة بقدر مباراة قمة بين هولندا والمانيا وهي الاخرى تحوي كمّاً من العصبية بسبب التاريخ الحربي الموجود بين الأمتين. كذلك لا بدّ من التنبّه الى المنافسة الكروية الموجودة بين غالبية المنتخبات الاوروبية، فتحفل البطولة بلقاءات الـ«دربي» التي تضفي المزيد الى مباريات مشتعلة اصلاً، من دور المجموعات حيث توجد اكثر من مجموعة صعبة وحتى الادوار الاقصائية حيث تقف افضل منتخبات العالم وجهاً لوجه.
ختاماً، يكفي القول ان من بين المنتخبات الـ20 الاوائل في تصنيف «الفيفا» يوجد 13 في كأس اوروبا 2012، فتنتفي ضرورة الكلام حول مدى قوة واهمية هذه البطولة التي تطل علينا مرة كل اربع سنوات.