«هو ليس مدرباً جيداً لأنّ لديه أسلوب حياة غريباً لا يمكنه أن ينعكس إيجاباً على فريقه». بهذه الكلمات وصف «ملك» كرة القدم البرازيلي غريمه الأزلي دييغو ارماندو مارادونا كمدرب، غامزاً من قناة ان الماضي الملوّث بإدمان الكوكايين للارجنتيني لا يمكن سوى أن يترك آثاره السلبية على أيّ فريق يدربه. طبعاً كان بيليه قاسياً في وصفه للمدرب مارادونا عبر ربط ماضيه المضطرب بحاضره مدرباً، وذلك رغم أن التجارب التدريبية القصيرة لبطل كأس العالم 1986 أثبتت ان مهنة التدريب ليست له، ولو أن وجوده هو اكثر من محبّب في الملاعب أينما حلّ.
مارادونا خاض تجارب تدريبية عدة سابقاً، وكانت نتيجتها الفشل، والأكثر قساوة بينها هي الدراما التي عاشها مع المنتخب الارجنتيني في مونديال 2010، حيث انتظر منه الكلّ في «بلاد التانغو» قيادة الارجنتين الى المجد مجدداً، بعدما فعل هذا الامر لاعباً، الا أن الخروج المرير أمام الالمان (0-4) في الدور ربع النهائي، قضى على احلامه واحلام شعبه الذي نصّبه «إلهاً» لكرة القدم في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، ليخرج بالتالي من الباب الضيّق بعدما استغنى الاتحاد المحلي عن خدماته.
الا أن الامر المؤلم اكثر هو ما حصل معه حالياً، فهو طُرد من نادٍ ينتمي الى دوري عادي جداً مقارنة بالبطولات الوطنية الاخرى في اوروبا او اميركا الجنوبية، ما ينقص من قيمته مدرباً ونجماً أممياً، ويترك البعض يقول ان مارادونا هو أسوأ مدرب بالنسبة الى نجم بثقله، وخصوصاً ان معظم اولئك الذين طبعوا اللعبة بأسمائهم لفترات ما كانوا على قدر الآمال، أمثال «القيصر» فرانتس بكنباور، الذي قاد المانيا الى حمل كأس العالم عام 1990 بعدما رفعها لاعباً في 1974، و«الهولندي الطائر» يوهان كرويف الذي حصد الالقاب مع نادييه السابقين اياكس امستردام وبرشلونة بين منتصف الثمانينيات والتسعينيات.
فعلاً، كانت مسيرة مارادونا التدريبية كارثة، إذ قبل الأرجنتين، خاض التجربة مع ديبورتيفو مانديو عام 1994 من دون ان يترك بصمة فعلية. وبعدها بسنة درّب راسينغ كلوب، لكن مجدداً من دون ان يحقق الكثير مع هذا النادي المعروف في الارجنتين. ولا يمكن نسيان انه لدى خلافته ألفيو بازيلي لتدريب الارجنتين عانى المنتخب معه وكان قريباً من تفويت قطار التأهل الى كأس العالم، ما اثار انتقادات واسعة ضده انتهت بتعرّضه بالشتم للصحافيين، وبالتالي وقفه من قبل الاتحاد الدولي لمدة شهرين.
ولا يمكن استبعاد ان ما حصل مع مارادونا اخيراً هو صنع يديه. وهنا الحديث ليس عن النتائج التي حققها مع الوصل بل حول خياره بالاشراف على الفريق الاماراتي، وخصوصاً انه قبل تعاقده معه العام الماضي (قبل 14 شهراً تحديداً) تلقى عروضاً كثيرة للاشراف على نوادٍ في الدوري الانكليزي الممتاز مثلاً، وإذ يأتي البعض ليقول إن هذه النوادي متواضعة مثل وست هام او نيوكاسل، فإن مارادونا كان سيحظى بحماية اكبر لان ما كان سيطلب منه هناك سيكون محدوداً، إذ من الطبيعي ألا تطمح هذه الاندية الى زعامة الـ «برميير ليغ» كما هي حال الوصل مثلاً، الساعي دائماً الى الوقوف في القمة بين أقرانه الإماراتيين والخليجيين. كذلك، لا ضير من القول إنه كان يفترض بمارادونا قبول منصب مدرب أحد المنتخبات حيث قيل إن ايران عرضت عليه تدريبها. والأمر الجيّد في تدريب منتخب على حساب نادٍ هو تمكنه من حصر أفكاره التدريبية في عدد أقل من المباريات، ما قد يمنحه نجاحاً، وخصوصاً اذا اشرف على احد المنتخبات الآسيوية، حيث المستوى منخفض نسبياً مقارنة بأوروبا او اميركا الجنوبية.
من المؤلم القول إن مارادونا مدرب فاشل، فهو بنظر الكثيرين اعظم لاعب في التاريخ، وبالتالي لا يريد احد التصديق او التسليم بالأمر الواقع بأن «إل بيبي دي أورو» (أي الولد الذهبي) لا يمكنه النجاح في اي ميدان. كذلك يريد هؤلاء تجاهل ان مارادونا حصل على شهاة تدريبية بـ «الواسطة» باعتراف فيكتوريو بوكو رئيس اتحاد المدربين في الارجنتين، الذي كشف ان النجم التاريخي حصل على استثناء ومُنح الشهادة من دون انغماسه في اي دورة تدريبية، وذلك بسبب انشغاله الدائم بأمور اخرى.
هل سيعود مارادونا مجدداً الى مقاعد التدريب رغم كل الملاحظات عليه؟ هو امر غير مستبعد، فاذا كان «الأسطورة» قد حصل على شهادته بـ «الواسطة» فإن «واسطته» الأكبر هي المحبة الجارفة للجماهير له، حيث ستتمنى اندية كثيرة التعاقد معه بغية الاستفادة من المردود المالي، بحيث إن مجرد وجوده معها سيزيد في لحظات معدودة من شعبيتها حول العالم.



بيليه أذكى

يعتبر مؤيدو «الملك» بيليه ان الاخير كان اذكى من دييغو مارادونا لانه لم يدخل ابداً مجال التدريب، محافظاً على صورته الكروية الطيّبة، ومستفيداً منها لتحصيل الاموال التي قال هو نفسه بأنها كانت السبب وراء تحوّل مارادونا مدرباً. لكن مؤيدي الارجنتيني ينفون هذا الموضوع معتبرين ان شخصية مارادونا مغايرة كليّاً لتلك التي يتمتع بها بيليه، اذ هو عاشق لكرة القدم ولا يمكنه العيش من دون التفاعل مع احداثها، لذا يجد في الملعب ملاذاً لترجمة شغفه بطرقٍ مختلفة.