بيار ساركوزي لا يميل إلى السياسة. يحبّذ أكثر الموسيقى والأجواء الهادئة. الأمر لا يعجب الأب نيكولا، فالظهور الإعلامي لعائلة رئيس فرنسا ذو أهمية كبيرة، إنه من الـ«برستيج»، وبالطبع، فإن «برودة» بيار لا تجلب الصحافيين وعدسات الكاميرات. ما العمل؟ إنها كرة القدم، ساحرة قلوب الجماهير.
أراد بيار مراضاة والده فأدرك أن اهتمامه بالكرة سيظهره أكثر إعلامياً. لا بد الآن من خطة عمل لإنجاح هذا الأمر. الخطوة الأولى، ظهر بيار على نحو مفاجئ في تدريبات نادي ليون قبل أيام. كان الاستقبال حافلاً من جانب اللاعبين، لم يكونوا ليصدقوا: نجل الرئيس بيننا؟ فركوا عيونهم متسائلين. الإعلام حضر عن بكرة أبيه. ركّزت الكاميرات عدساتها على بيار وهو يداعب الكرة. بات الآن الشاب يستحق اهتماماً، كيف لا؟ ما الذي ينقصه؟ شعر أشقر يتهادى على الكتفين وطلّة مميزة، وكرة بين القدمين.
الخطوة الثانية، إطلالة على الجمهور المحتشد في ملعب «بارك دي برانس» في العاصمة باريس في مباراة القمة بين باريس سان جيرمان وليون الأحد الماضي. وتساءل الجمهور مندهشاً: بيار ساركوزي في ديارنا؟ نجح بيار في خطف الاهتمام من نجوم الكرة في الملعب. في اليوم التالي، كانت صوره في المدرجات تملأ الصحف.
إذاً، بيار ساركوزي أطلّ على كرة القدم. لكن باربرا برلسكوني سبقته الى ذلك. باربرا خلفها رجل دولة عرف منذ شبابه أسرار هذه اللعبة وخفاياها. سيلفيو كان معلماً بامتياز في هذا المجال. أدار رئاسة نادي ميلان العريق وصاحب الجماهيرية الجارفة فوصل الى رئاسة الحكومة. ما المانع إذاً من تكرار التجربة مع الحسناء باربرا؟ على حين غفلة، بدأت الصبية الشقراء تتردد الى معقل النادي.
يوماً بعد يوم بدأت تنغمس بعالم كرة القدم. ومن ثم، خرج الساعد الأيمن لسيلفيو في النادي، أدريانو غالياني، ليلتقط الصور التذكارية مع باربرا في حديقة مقر ميلان.
المناسبة؟ أصبحت باربرا عضواً في مجلس إدارة النادي. إنها الخطوة الأولى في المشوار نحو المجدين الرياضي، فالسياسي. لكن باربرا مطمئنة الى أن الخطوات التالية لن تطول كثيراً، فهذا ما حصل تحديداً مع الوالد.
أبناء العرب «ماهرون»
ذات يوم، وقف الساعدي القذافي أمام المرآة في قصر الوالد في العاصمة الليبية طرابلس. تلفّت نجل الزعيم المخلوع معمر يمنة ويساراً، فاكتشف أنه يملك قوام الرياضيين. قامة ممشوقة وعضلات مفتولة. ارتسمت البسمة على وجه الساعدي بعدما أدرك أخيراً ما «يصلح» له للمستقبل: لاعب كرة قدم. لكن الشاب كان طموحاً جداً، وصل طموحه إلى العالمية. اختار سريعاً ملاعب إيطاليا. سأل الوالد عن الفكرة، فأجابه العقيد: لك ما تريد يا ولدي. بعد أيام، كانت أسهم في نادي بيروجيا في جيب الساعدي. وأكثر من ذلك، أصبح لاعباً في الفريق. كيف ذلك؟ لا أحد يعلم. كان الشاب سخياً جداً على فريقه و«موهوباً» جداً، نعم كان يتقن جيداً أخذ الصور التذكارية مع نجوم إيطاليا بعد المباريات!
ملّ الساعدي من إيطاليا وحنّ الى أرض الوطن. عاد ابن العقيد الى ليبيا ليخدم كرتها «بخبرته» التي استقاها من تجربته الإيطالية. بعد الثورة، كُتب كثيراً هناك عن «إنجازاته»: إقالة مدربين، تعذيب لاعبين، فرض لاعبين على تشكيلة المنتخب وغيرها الكثير.
في هذا الوقت، دبّت الغيرة في مصر في قلب جمال وعلاء مبارك من الساعدي. لكن حسني كان يعرف ابنيه جيداً. كان مبارك الأب يعلم أن جمال وعلاء لا يملكان «مهارات» الساعدي الكروية. ما العمل؟ كيف السبيل الى استثمار عشق أهل مصر الكبير للكرة؟ لمعت الفكرة سريعاً في مخيلة الرئيس المخلوع: جمال وعلاء يجيدان الـ«بيزنيس»، فما المانع من إدارتهما لشؤون الكرة من خلف الكواليس؟ بين ليلة وضحاها، أصبحت ثلة من نجوم الكرة المصرية من أصدقاء جمال وعلاء. اكتفى علاء بذلك، لكن جمال كان «أذكى» من شقيقه، فهم اللعبة سريعاً: دعم الكرة لزيادة حب الجماهير يساعد في الوصول مستقبلاً الى التوريث، أما في الوقت الحالي فيكفي إلهاء الشعب الفقير بمباريات الأهلي والزمالك والإسماعيلي والتفرغ للسطو على مقدرات الدولة. جاءت الفرصة لجمال على طبق من ذهب لكي يظهر ولاءه للمنتخب: واقعة «أم درمان» الدموية الشهيرة بين مصر والجزائر.
«خبط» جمال بكفه على الطاولة، وقال قوله الشهير: «مخطئ من يظن أن أحداث الخرطوم ستمر مرور الكرام». لكن أحداث الخرطوم مرّت وأتت الثورة وظلّ جمال وحيداً، أدرك أن الكرة خرجت من ملعبه الى الأبد.