دمشق | أواخر العام الماضي، فجّر المدير الفني للمنتخب السوري لكرة القدم هيكتور كوبر مفاجأة مدوّية عندما صدرت قائمة المنتخب التي شاركت في نهائيات كأس آسيا مستبعدةً الهدّاف المعروف عمر السومة!

حينها قامت الدنيا ولم تقعد بالنسبة إلى الجمهور وروّاد «السوشال ميديا» من مناصري اللاعب المرموق، والذين شنّوا حملة شعواء على المدرب الأرجنتيني وكادره الفني واتحاد كرة القدم، معتبرين أنّ ما حصل بمثابة «وصمة عار» بحسب تعبيراتهم، و لا بد أنها ستخلّف نتائج كارثية. توّجها ظهور اللاعب بلقاء خاص مع الإعلامي السوري القطري أيمن جادة ساق فيه انتقادات لاذعة ضدّ اللاعبين المغتربين مشككاً في مستوياتهم وغايتهم من تمثيل منتخب بلدهم الأم، في حين كانت المعلومات المتقاطعة تشير إلى خلاف كبير حصل بين السومة والمدرب نتيجة الخسارة المذلة أمام اليابان بخمسة أهداف مقابل لا شيء، في واحدة من جولات التصفيات الأولية المؤهلة للمونديال، ورفضه استكمال المباراة على دكّة الاحتياط بعد استبداله بين الشوطين. حتى إنه قيل آنذاك بأن لاعب نادي العربي القطري رمى قميص المنتخب، وطلب من المدرّب عدم استدعائه مرّة ثانية، فيما كانت تلك المباراة بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير فعلياً باعتبار أنّ الهداف السوري كان يتصرّف وفقاً لما تمليه عليه أناه، ويجرّب فرض سطوة مبالغة على اللاعبين الشباب، إضافةً إلى مجموعة تجاوزات لا فائدة من إعادة سردها الآن...

بكل الأحوال أتت مشاركة المنتخب السوري في ملاعب الدوحة ضمن نهائيات قطر 2023 كالمياه التي كذّبت الغطّاس كما يُقال في لغة الأمثال الشعبية الدارجة، عندما حقق «نسور قاسيون» نتائج طيبة وتأهلوا للمرّة الأولى في تاريخهم إلى الدور الثاني، وواجهوا برجولة وثبات المنتخب الإيراني الذي كان مرشحاً بقوة للوصول إلى الأدوار النهائية، وأُقصوا أمامه بطريقة مشرّفة بعد تعادل استمرّ 120 دقيقة، ثم خسروا بضربات الجزاء الترجيحية.

حينها كان السومة يتابع فريق بلاده بحسرة واضحة من الأستوديوهات التحليلية لقناة «bein sport» التي تعاقد معها للتعقيب على بعض المباريات، من دون أن يخفي مشاعره الطافحة تجاه منتخب بلده. ولدى خروج المنتخب تعالت الأصوات مجدداً لضرورة وجود هدّاف بحجم «العكيد» كما تلقّبه الجماهير، لأن الهدّاف المترف بالخبرة هو الورقة الناقصة بالنسبة إلى الفريق في ظل خطّة كوبر الدفاعية البحتة، والخوف من الحالة الهجومية.
قد يكون اعتذار داهود من الشعب السوري مجرّد خطوة في طريق عودة المياه إلى مجاريها.


بُعيد المشاركة اللافتة للمنتخب، اجتمع السومة بالسبّاح فراس معلّا رئيس الاتحاد الرياضي العام السوري، ودار نقاش عميق لإمكانية عودته إلى الفريق بما تقتضيه المصلحة العامة ورؤية المدرّب، وبناء على هذا الاجتماع أطلّ السومة في برنامج «الكابتن» الذي كان يبث حلقاته من «كاتارا» في الدوحة بالتوازي مع نهائيات آسيا، وتقدّم باعتذار صريح إلى القيادة الرياضية السورية!

لم تفد الحركة لعودته إلى صفوف المنتخب، إذ كان منتظراً اعتذاره العلني من المدرّب، وهو ما حصل فعلاً مساء الإثنين عبر حسابات اللاعب الرسمية على «السوشال ميديا»، تلاها بعد دقائق اجتماع «أونلاين» جمعَ السومة مع كوبر ومساعده المصري محمود فايز ونائب رئيس اتحاد كرة القدم عبد الرحمن الخطيب ومدير المنتخب موفق فتح الله، أفضى إلى حلّ النزاع نهائياً واستدعائه مجدداً إلى المنتخب، حسبما صرّح الخطيب في اتصال سريع مع «الأخبار».

ولدى سؤاله عن احتمالية عودة اللاعب السوري المحترف لدى نادي بروسيا دورتموند في الدوري الألماني محمود داهود، اختصر الكلام بالقول: «أتمنى ذلك لكن كلّ شيء يأتي في وقته»، علماً أن داهود سبق أن وجّه رسالة تحفيزية إلى زملائه في الفريق السوري بفيديو تداولته «السوشال ميديا» بكثافة أثناء المشاركة الآسيوية الأخيرة، ثم أعلن عن انضمامه إلى بعثة المنتخب قبيل مباراته مع ماينمار التي أقيمت في السعودية (الأرض السورية البديلة باعتبار أن اللعب في سوريا محظور)، وفجأة انسحب الداهود الذي يشكّل قدومه إلى منتخب بلده الأم قيمة مضافة صريحة، أما السبب كان بحسب ما علمناه من داخل المعسكر آنذاك نشوب خلاف مع إدارة المنتخب لعدم تحقيقهم متطلباته، فيما كانت الآراء المناقضة على المقلب الآخر بأن تلك الطلبات غير منطقية، إذ أراد فيها اللاعب إطلاعه على كامل الخطة وتحديده اللاعبين الذين سيجاورونه وحمله شارة قائد المنتخب ممهورة باسمه، وتعيين خاله في منصب قيادي في الفريق، وتحقيق شروط مادية ولوجستية تميّزه عن غيره، وهو ما شكلّ حساسية مع بقية اللاعبين. لذا لم يكن أمام الكادر الفني سوى التعاطي بصرامة، وهو ما جعله يغادر المعسكر ليؤثر الموضوع بحسب تقارير إعلامية على قيمته السوقية، وربما على وضعه في ناديه الذي قيل بأن إدارته تواصلت مع الاتحاد السوري لكرة القدم لتستفسر عما جرى.

(ويب)

هذا ولم يغب عن جدول أعمال القائمين على المنتخب إعادة الوفاق مع اللاعب الذي سبق أن لعب في برايتون الإنكليزي ومثّل المنتخب الألماني تحت الـ21 عاماً، قبل أن يقرر الانضمام إلى منتخب بلاده الأم. هكذا، قد تكون أفضت تلك الجهود إلى تراجع اللاعب نسبياً عن طريقة تعاطيه ونشره اعتذاراً وجهه إلى الشعب السوري، وربما تكون تلك مجرّد خطوة في طريق عودة المياه إلى مجاريها، وتمثيله المنتخب في مبارياته المستقبلية، علماً أن الفريق يحتاج إلى نقطة واحدة لعبوره إلى المرحلة المقبلة في التصفيات المونديالية من مباراتين: الأولى مع كوريا الشمالية على أرضها في 6 حزيران (يونيو) المقبل والثانية مع اليابان في ملاعبها بتاريخ 11 من الشهر نفسه.

وفقاً لتلك التشكيلة مع المنظومة والانضباط العالي اللذين أسس لهما المدرب العالمي هيكتور كوبر، ربما يكون حلم التأهل للمونديال المقبل ليس بعيد المنال...

كلّ ما نحتاجه بعد ذلك هو الجرأة الهجومية والمنطق العصري السائد في كرة القدم، بمعنى أن نلعب كرة حديثة تكون فيها أفضل الطرق الدفاعية متمثّلة في الهجوم سواء تحقق ذلك مع كوبر أو مع خليفته في قادم الأيّام!