السياسة والرياضة خطان متوازيان لا يلتقيان. هذا عند «أرباب» الألعاب الرياضية، وخاصة الاتحاد الدولي لكرة القدم، أقله في العلن. القانون ينص على عدم التدخّل السياسي في الشؤون الرياضية، وإلا الحرمان من المشاركة في أي لعبةٍ دولية. تهديد الـ«الفيفا» أو اللجنة الاولمبية أو أي اتحادٍ رياضي يأتي من منطلق أن «السياسة لا تدخل في شيء إلا أفسدته»، إلا أن في لبنان، للسياسة منفذاً دائماً، والواجهة السياسية «وجاهة» 12 نادياً لبنانياً يشارك في دوري الدرجة الاولى بكرة القدم في لبنان، عشرة منها على الأقل تتلقى دعماً مادياً سياسياً مكشوفاً، أو تنضوي تحت لواء جهة سياسية معيّنة، والبقية، كالأنصار مثلاً، ارتبط اسمه بآل الحريري، قبل أن يُقرر رئيسه الحالي نبيل بدر الخروج عن المسار السياسي لتيار المستقبل، والسير في طريقٍ سياسي مختلف. بكل الأحوال، كُل الطرق تؤدي إلى مجلس السياسة. طبعاً، هذه الأندية وإدراتها تُفاخر بانتمائها إلى جهات حزبية. أساساً، حتى وزارة الشباب والرياضة تدخل ضمن تقسيم الحقائب السياسية ولا تُعطى لمن يملك خلفية رياضية.
زياراتٌ لسياسيين واجتماعات مع قادة أحزاب وصورٌ مع أهل المجالس النيابية والوزارية، هذه هي الحال لدى إدارات الأندية الكروية قبل انطلاق أي موسم، وبعد نهايته، إذا كان النجاح نصيب هذه الأندية. لكلّ جهة سياسية فريق أو أكثر. النجمة للحريري، العهد لحزب الله، شباب الساحل لحركة أمل، السلام زغرتا لفرنجية، الراسينغ لفرعون، الصفاء لجنبلاط، طرابلس لميقاتي، الاخاء لشهيّب، واللائحة تطول. ربما نسبُ نادٍ إلى جهة سياسية يبدو مبالغاً به، فلا النجمة ملكاً لتيار المستقبل، ولا العهد باستحواذ الحزب، ولا الصفاء بسيادة الحزب الاشتراكي. إلا أنه لا يُمكن إنكار أن لـ«الزعيم» سلُطة، طالما أن شيئاً من ميزانية الفريق تأتي عبره، أو الرئيس أو نائبه أو أمين السر وصل إلى مركزه بفضله أو محسوب عليه، أو حتى لأن الأموال الخاصة للمموّلة في الهيئة الإدارية، محميّة من جهة سياسية
في الاتحاد اللبناني لكرة القدم، «يُنتخب» أعضاء اللجنة التنفيذية طائفياً وسياسياً. وبالتالي فإن هؤلاء وصلوا بسبب مرجعية سياسية، وعادة ما يكون لديهم دور في الأندية الرياضية. فالأمين العام للاتحاد جهاد الشحف، القيادي في الحزب الاشتراكي، هو ممثل نادي الصفاء في اللجنة العليا، ونادي العهد يمثّله عضو المكتب التنفيذي موسى مكي، وأمين سر نادي الاخاء وائل شهيّب، نجل النائب أكرم شهّيب، ضمن اللجنة التنفيذية، وللسلام زغرتا سمعان الدويهي، وهكذا دواليك. البعض يذهب إلى أن بعض الأندية الرياضية، المدعومة سياسياً، والتي تملك ممثلين عنها في الاتحاد اللبناني، لا تُمسّ، وهنا تكمن القوة، بدلاً من الدعم المادي المنقوص. في اتحاد السلة أيضاً، يترأس اللجنة التنفيذية رئيس قطاع الرياضة في حزب القوات اللبنانيّة بيار كخيا، أما نائبه المستقيل رامي فواز فينتمي إلى حركة أمل، فيما بقية الأعضاء مقرّبون من أحزاب وتيارات سياسية أبرزها التيار الوطني الحر. .
لكلّ جهة سياسية فريق أو أكثر(عدنان الحاج علي)

في الأيام الماضية استضاف رئيس الحكومة سعد الحريري وفداً من نادي النجمة في بيت الوسط، تكريماً للفريق بعد تأهله إلى دور الـ32 من مسابقة كأس العرب للأندية الأبطال. الحريري كما قيل في الأوساط الرياضية، كان له دور بمشاركة «النبيذي» في الدور التمهيدي للبطولة، بعدما حوّل الاتحاد اللبناني لكرة القدم الدعوة للنادي لخوض الدور الثاني إلى السلام زغرتا. بعدها، كانت زيارة اخرى إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري في المجلس النيابي. في الوسط الكروي كان الهمس على أن النجمة، الذي لديه مشكلة تبعية سياسية وطائفية، كون إدارته من طائفة ومعظم جمهوره من طائفةٍ اخرى، زار بري بسبب زيارته للحريري، وهكذا يكون «العدل» تحقق شيئاً ما، ويكون طرفا الإدارة والجمهور راضيين، بل أبعد من ذلك، يقطع الطريق أمام إدارات وجماهير الأندية الاخرى، التي تُهاجم مشجعي النجمة، أو «جمهور المقاومة»، على انتمائهم إلى نادٍ يرعاه الحريري. المسؤول الإعلامي في النادي، راني الحاج إبراهيم، وضّح أن الزيارة إلى المجلس النيابي كانت «في سياق التهنئة لدولته بتجديد الثقة، وللمحبة التي يكنّها للنادي»، أما الزيارة إلى بيت الوسط فكانت أيضاً «لتهنئة الحريري وشُكره على مساعدته». بالتالي، يبدو جلياً أن الزيارة إلى الرئيس بري ليست بهدفٍ رياضي، أما الوجود في صورة واحدة مع الحريري، فهو «واجب». وفي اليوم عينه، زار وفد من نادي السلام زغرتا برئاسة الأب اسطفان فرنجية النواب طوني فرنجية واسطفان الدويهي وميشال معوّض لتهنئتهم بفوزهم في الانتخابات النيابية. أيضاً، هنّأ نادي العهد الرئيس بري لانتخابه رئيساً للسلطة التشريعية. هذا كله خلال اسبوعين. هذه الصور تاريخية، السيد حسن نصر الله احتفى بالنجمة والعهد سابقاً، والرئيس بري والسيد موسى الصدر استقبلا «النبيذي» أيضاً، والرئيس الشهيد رفيق الحريري بطبيعة الحال كان جامعاً للنجمة والأنصار.
أحياناً لا بأس بمثل هذه الصور. بل من الواجب أيضاً أن يحتضن رجال الدولة، خاصة الرؤساء، الأندية والمنتخبات عند «الإنجازات»، ولكن هذا عندما يكون «الإنجاز» دولياً وعلى صعيد الوطن، وليس احتفالاً ومباركةً بلقبٍ محليّ. وليس محطة لأخذ «البركة»، خاصةً وأن الموضوع يتجاوز الصورة التذكارية. فالسياسيون ليسوا مجموعة «قديسين»، وحضور الأحزاب نافذ في اتحاد اللعبة، إلى درجة يعرف متابع الكرة اللبنانية إلى أين أوصلتها. زيارات تحدث للشعور بالانتماء والقوة، ونزولاً عند رغبة الجماهير/ أو للحصول على دعم مادي، أو بسبب الخوف، أياً كانت الأسباب التي تفرض على الإدارات الالتزام بالتعلّق الدائم بالسياسيين. هذا الأمر مرفوض حسب قوانين اللعبة وحسب الفيفا. لكننا في لبنان. وهذه العلاقة «التبعية» ما هي إلا دلالة على العقلية اللبنانية، لدى المشجعين أيضاً، الذين يتفاخرون بهذه العلاقات وينشرون صور لاعبي أنديتهم مع السياسيين، بل يتنافسون على عرضها أيضاً. كرة القدم اللبنانية غارقة في دوامة الاستغلال العام.