هل كان بإمكان منتخب لبنان لكرة القدم تحقيق أفضل من تلك الخسارة التي تلقاها أمام أستراليا بهدفين نظيفين؟ سؤالٌ قد يُطرح على مئات الأشخاص من متابعي اللعبة، وسيكون الجواب: حتماً لا.المباراة أمام المنتخب المصنّف 23 عالمياً ليست ككل المباريات، فهي تُعدّ امتحاناً قد يوازي مواجهة أي منتخبٍ أوروبي بحيث تكون المقاربة الفنيّة مختلفة، وطريقة اللعب جديدة، وحتى المواجهات الثنائية لا تشبه إطلاقاً ما اختبره لاعبونا في الفترات السابقة.
الواقع أن أيّ منتخبٍ في قارة آسيا يعرف أن الخسارة ستحوم حوله لا محالة عندما يلعب مع الأستراليين الذين يملكون قدرات بدنية وفنية رهيبة، وقد استفادوا من جوانب كثيرة في اللعبة ليرفعوا من مستوى منتخبهم منذ زمنٍ بعيد، فكان انتقال مئات اللاعبين إلى أوروبا مدخلاً للاقتراب من المنتخبات العالمية ومقارعتها، إضافةً إلى أن تلك البلاد البعيدة عنا استفادت بشكلٍ كبير من الهجرة الواسعة إليها، فضمّت إلى منتخبها كل أنواع اللاعبين الذين يحملون جينات مختلفة تعطيهم في مكانٍ ما أفضلية على غيرهم.
فوارق معيّنة عدة رجّحت كفة أستراليا بشكلٍ منطقي


فوارق بدنية وجسمانية رهيبة
وعند هذه النقطة نتوقف في مواجهة لبنان وأستراليا، إذ كان أحد الفوارق البارزة التي تفوّق من خلالها أصحاب الأرض هو في قدراتهم البدنية الفائقة التي تمكّنهم من الجري لمدة 90 دقيقة وأكثر من دون أن يتأثر مستواهم الفني سلباً. هم أيضاً كسبوا المعركة الجسمانية من خلال تفوّقهم في الالتحامات البدنية التي لم يتمكن العديد من اللاعبين اللبنانيين من مواجهتها بالقوة نفسها.
من هنا، كان واضحاً أن نوعاً هكذا من المباريات يحتاج إلى لاعبين بقدراتٍ بدنية استثنائية كتلك التي امتلكها علي طنيش "سيسي" على سبيل المثال لا الحصر، وهو الذي استغرب البعض استبداله، لكنّ الواقع أن إخراجه من الملعب في أواخر اللقاء كان دليلاً على أنه قام بمجهودٍ جبّار أرهقه، فأراد المدير الفني المونتينغري ميودراغ رادولوفيتش الحفاظ على ما تبقّى له من مخزونٍ بدني للمباراة المقبلة، وهو الذي كان قد غاب عن قمّة فريقه الأنصار مع العهد بسبب الإرهاق.
بكل الأحوال هذا النوع من المباريات يحتاج إلى محاربة الخصم بنفس سلاحه، ما يعني أن الخشونة الحذرة يفترض أن تكون حاضرة لكي يبقى لاعبونا قادرين على الوقوف في وجه "مصارعي" أستراليا الذين لم يرحموهم فأصابوا معظمهم وأسقطوهم على أرض الملعب في فتراتٍ مختلفة من المباراة.

هكذا نوع من المباريات يحتاج إلى لاعبين بقدراتٍ بدنية استثنائية (حسن بحسون)()

عكس حسابات لبنان
هذه المباراة التي أخذت مجرى معاكساً لمّا أراد رادولوفيتش جرّ الأستراليين إليه بإقحامه 5 مدافعين في الخط الخلفي، إذ إن الهدف الأول الغريب من نوعه أبعد عن المنتخب المضيف التوتر الذي كان ليصيبه لو أجبر "رجال الأرز" خصمهم على التعادل السلبي حتى انتصاف اللقاء. لكن لعنة الحظ بقيت حاضرة ومستمرة فصولها منذ نهائيات كأس آسيا، وما إصابة دانيال لحود للقائم إلا دلالة على هذه المقولة.
بالتأكيد أخذ منتخبنا العِبَر من هذه المواجهة، ومنها بأنه يمكنه التحرّر في الهجوم ساعة يشاء، وبأن الاعتماد على الكرات القصيرة أكثر منها الطويلة سيعطيه ثقة أكبر بالنفس وتبقي الكرة في حوزته، لكن عليه أيضاً في موازاة هذه المسألة عدم ترك المجال للخصم للعب بحريّة، وتأمين اللاعبين القادمين من الخلف المساعدة للمعزولين في الخط الأمامي في بعض الأحيان، وهو ما عاناه الثنائي باسل جرادي وعمر شعبان في هذه المباراة.
أما المؤكد فإن التغيير في المقاربة الاستراتيجية والأسماء في التشكيلة الأساسية سيحضر في اللقاء الثاني الذي يقام يوم الثلاثاء المقبل، إذ يُنتظر أن يلجأ "رادو" إلى خياراتٍ بديلة في الخطوط المختلفة انطلاقاً من مبدأ المداورة ووصولاً إلى اختيار العناصر الذين سيبدون أنهم قادرون على العطاء بعد أن استُنزفت القدرات البدنية للبعض منهم في المباراة الأولى، وزادت المشكلة مع اضطرار المنتخب للسفر لمدة 4 ساعات برّاً من أجل الوصول إلى العاصمة الأسترالية كانبيرا لخوض المواجهة الثانية، وذلك في وقتٍ لا يزال فيه اللبنانيون يعانون من فارق التوقيت، ما أثّر على ساعات نومهم وأرهقهم أكثر.
بالفعل قد لا يكون لبنان قادراً على تحقيق أفضل مما فعل، لكن الإيجابية تبقى في ما بدا وكأن منتخبنا لا يهاب المحطات الصعبة، ما يترك أملاً ولو بسيطاً للمباراة الثانية، وآخر كبيراً قبل المحطتين الحاسمتين أمام فلسطين وبنغلادش للتأهل إلى كأس آسيا والدور الثالث للتصفيات المونديالية.