لا تأتي الألعاب الأولمبية بثمنٍ بخس، بل تحتاج المدينة المضيفة إلى تخصيص مليارات الدولارات لتشييد الملاعب والبنى التحتية، إضافةً إلى أجور الموظفين وما إلى ذلك... في النسخ الأخيرة، ارتفعت تكاليف تنظيم الحدث الأولمبي كثيراً، حتى بلغت أحياناً حجم اقتصاد بلد صغير. ورغم احتفال العاصمة اليابانية طوكيو عام 2013 إثر فوزها بحق تنظيم الألعاب الصيفية لعام 2020، غير أنّ فاتورة استضافة الأولمبياد لن تسرّ القيّمين على الحدث.لطالما لفت الاقتصاديون إلى أن الألعاب الأولمبية تترك وراءها ديوناً عالية وبنية تحتية مهدرة. في هذا الصدد، يكثر الحديث بين المنظمين والنقاد حول التكاليف التي تنشأ من الألعاب ويقارنونها في حال توظيفها في قطاعات أخرى، من شأنها أن تدرّ عوائد أفضل وأكثر ضمانة على البلدان المضيفة.
سبق أن توقعت دراسة أجرتها حكومة طوكيو عام 2017 بأن العائدات ستكون كافية لتعويض التكاليف وتحقيق الأرباح، حيث جرى التقدير بأن الألعاب ستعود على الاقتصاد بـ 127 مليار دولار من الطلب الإضافي جراء الاستهلاك المرتبط بالحدث من التذاكر إلى الطعام والشراب والسياحة... ومع ذلك، لم ترق التطلعات إلى الواقع في ظل غياب الجماهير جراء الفيروس المستشري، ما يؤشر إلى وجود خسائر فادحة.
وكانت دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2014 في سوتشي الروسية هي الأعلى تكلفةً، تليها ألعاب طوكيو الصيفيّة لهذا العام، وذلك وفقاً لورقة بحثية جرى إعدادها في جامعة أكسفورد. ووفقاً لصحيفة وول ستريت جورنال، لا تزال التكلفة الإجمالية المرتبطة بألعاب هذا العام تقديريّة، حيث ستتوفر صورة أوضح عن إنفاق اليابان في الأسابيع المقبلة بمجرد انتهاء المنافسة، وبالتالي ستتحدد الخسائر بشكل أدق.

أكثر من 15 مليار دولار
من المهم ملاحظة أن نفقات الألعاب الأولمبية المدرجة هي «تكاليف متعلقة بالرياضة»، حيث تشمل نفقات بناء الملاعب والاحتفالات والتكاليف التشغيلية الأخرى مثل القوى العاملة والمطاعم. لا يتم تضمين الأنشطة غير المتعلقة بالرياضة التي تقوم بها اللجنة المنظمة للألعاب الأولمبية في الإنفاق الرسمي، وتشمل هذه «التكاليف غير المباشرة» مثل بناء الطرق والسكك الحديدية والبنية التحتية للمطارات وتطوير الفنادق... على سبيل المثال، بلغت تكلفة أولمبياد بكين 2008 المتعلقة بالرياضة 6.8 مليارات دولار، لكن إجمالي إنفاق الصين كان حوالى 42 مليار دولار بسبب التكاليف الخارجية.
تشير عمليات التدقيق التي أجرتها الحكومة اليابانية إلى أن التكلفة ارتفعت من 7.5 إلى حوالى 25 ملياراً


وبحسب وكالة رويترز، تضخمت ميزانية ألعاب طوكيو فور بدء الألعاب إلى 15.4 مليار دولار أميركي، أي ضعف عرضها الفائز البالغ 7.5 مليارات دولار أميركي في عام 2013. وتشير عمليات التدقيق التي أجرتها الحكومة اليابانية إلى أن الرقم يتجاوز 25 مليار دولار أميركي، وخاصةً بعد الإجراءات الاستثنائية المضادة لفيروس كورونا بما في ذلك تكلفة الاختبارات وتخصيص الأماكن المقدّرة بـ 2.8 مليار دولار، وما إلى ذلك من نفقاتٍ استثنائية.
تم تخصيص مبلغ 7.5 مليارات دولار لإنشاء الأماكن الدائمة أو المؤقتة (تم بناء ثمانية أماكن دائمة جديدة). الاستاد الوطني نفسه، حيث أقيمت مراسم الافتتاح، كلّف 1.4 مليار دولار أميركي، فيما بلغت تكلفة المركز الأولمبي للألعاب المائية الذي يتّسع لـ 15000 مقعد 542 مليون دولار أميركي. يقع جزء كبير من العبء المالي على دافعي الضرائب اليابانيين، الذين سيموّلون حوالى 55 في المئة، فيما تموّل 6.7 مليارات دولار أميركي المتبقية من القطاع الخاص، والخدمات المصرفية على الرعاية والمساهمة من اللجنة الأولمبية الدولية.

الدول ترفض التنظيم
وفي ظل ارتفاع التكاليف، يظهر اهتمام اللجنة الأولمبية الدولية بضرورة خفض الإنفاق، والسبب الرئيسي وراء ذلك هو أن المدن المضيفة باتت تدرك أكثر مدى تداعيات تنظيم الألعاب على اقتصادها (سبق أن عزفت بعض الدول عن التقدم لتنظيم الدورة عام 2016)، وقد أفادت دراسة أجرتها جامعة أكسفورد في هذا الصدد بأن جميع الألعاب الأولمبية الصيفية والشتوية منذ عام 1960 تجاوزت الميزانية في المتوسط ​​بنسبة 172%، غير أن اللجنة الأولمبية الدولية قالت إن الدراسة كانت «مضلّلة». تعلّمت العديد من المدن دروساً اقتصادية قاسية جراء استضافتها الأولمبياد على مر السنين. ووفقاً لبحث أجرته جامعة أكسفورد أيضاً عام 2016 بالشراكة مع موقع Play The Game، تضخّمت تكلفة الحدث في مناسبات عديدة على مر السنين مع أمثلة بارزة بما في ذلك مونتريال الكندية في عام 1976 التي جاءت بنسبة 720% فوق الميزانية المحددة، وألعاب عام 1992 في برشلونة الإسبانية التي شهدت تجاوز 266% في التكلفة. في السنوات الأخيرة، بلغت تكلفة دورة الألعاب الأولمبية لعام 2016 في ريو دي جانيرو البرازيلية ما يقل قليلاً عن 14 مليار دولار، وهو ما يمثل زيادة في التكلفة بنسبة 352%، بينما كانت تكلفة الألعاب الأولمبية لعام 2012 في لندن أقل قليلاً من 15 مليار دولار، أي بنسبة 76% زيادة في الميزانية.


مقابل ذلك، ولتقليل التكلفة والحؤول دون تعقيد استضافة الألعاب، بدأت الإصلاحات الرئيسية في عام 2014 كجزء من الأجندة الأولمبية 2020. استفادت طوكيو جزئياً من تلك الإصلاحات، حيث خفضت 4.3 مليارات دولار أميركي في عام 2018 بعد مراجعة مخططاتها الرئيسية. وقال المتحدث باسم اللجنة الأولمبية الدولية في هذا الصدد: «إذا لم يكن المضيف بحاجة إلى مكان رياضي دائم جديد، فلن يُطلب منه بناء مكان. وبدلاً من ذلك، يجب إقامة المسابقات في المرافق الحالية أو الأكثر ملاءمة، حتى لو كان ذلك يعني نقلها خارج المدينة أو الدولة المضيفة». هذا ما أشار إليه فيكتور ماثيسون، أستاذ الاقتصاد الرياضي في كلية هولي كروس عندما قال: «سوف تستخدم لوس أنجلوس عام 2028 موقعين على الأقل تم إنشاؤهما لألعاب عام 1932. سيكون عمر هؤلاء حوالى مئة عام بحلول ذلك الوقت. نحتاج إلى استخدام المرافق الحالية ووضع الألعاب في أماكن تمتلك بالفعل البنية التحتية الرياضية، وبالتالي تخفيض التكاليف».
تجدر الإشارة إلى أنه في كثير من الحالات، لم يكن الإرث الدائم لاستضافة الألعاب الأولمبية أكثر من عدد كبير من الأماكن المهجورة والمتضخمة، حيث لا تُستخدم الملاعب والقرى الأولمبية المتداعية كنصب تذكاري للإنجازات الرياضية، بل كرموز قاتمة لسوء الإدارة المالية الكارثي. فما هو مصير الأولمبياد في السنوات المقبلة؟