يستضيف منتخب هولندا على ملعب يوهان كرويف، الخاصّ بنادي أياكس أمستردام، المنتخب الألماني في قمّة مباريات الجولة الثالثة من دوري الأمم الأوروبيّة. مباراةٌ يسعى من خلالها المدرّبان لإعادة هيبة المنتخبين، في ظلّ التراجع الواضح الذي ظهرا عليه في السنوات الأخيرةتراجعٌ كبير عرفته الكرة الهولنديّة في السنوات الأربع الأخيرة. المنتخب الذي فرض نفسه مرشّحاً دائماً للمنافسة على الألقاب القاريّة، اختفى مع انتهاء مونديال البرازيل، بعد اعتزال الجيل الذي خرج على يد الأرجنتين من نصف نهائي كأس العالم. أسماءٌ كبيرة اعتزلت، فشل المنتخب في إيجاد ضالّته بين المواهب الحاليّة. افتقارٌ فنّي وإداري أسهم في تراجع المنتخب الهولندي، ليفشل حتّى في التأهل إلى مونديال روسيا.
لم تستطع كرة القدم الهولنديّة إنتاج جيل جديد يوازي موهبة الجيل القديم. مواهب كثيرة خرجت من «بلاد الطواحين» فشلت في تثبيت أقدامها في الأندية العالميّة الكبيرة. ظهرت منذ سنواتٍ ثلاث موهبةٌ صنّفت بالاستثنائيّة في الدوري الهولندي. بدا ممفيس ديباي حينها اللاعب المنتظر. أداءٌ كبير في الدوري جذب اهتمام مانشستر يونايتد، وقّع على إثره أفضل لاعب في الدوري الهولندي مع العملاق الإنكليزي، الذي تأمّل منه أن يعيد ذكرى رونالدو في الأولد ترافورد. مستوى مخيّب للّاعب جعله يخرج إلى ليون، ليختفي بعدها بين أزقّة فرنسا. جيلٌ كان يضمّ فان بيرسي، وأريين روبن، ويسلي شنايدر وغيرهم، من الصعب تعويضه خلال أربع سنوات. شحٌّ في الخيارات جعل من المدرّب يستدعي صاحب الـ 32 عاماً ريان بابل ليضيف شيئاً من خبرته إلى المنتخب الشاب.
معاناة المنتخب الهولندي تبرز في عدم وجود لاعبين محترفين في الأندية العملاقة. وإذا استثنينا آريين روبن، آخر الصامدين من الحرس القديم، نجد أنّ ياسبير سيليسين هو اللاعب الوحيد الذي يلعب في مصاف الأندية الكبرى، حيث يشغل مركز الحارس البديل لبرشلونة، أمّا باقي اللاعبين فيتوزّعون على أندية أوروبيّة متوسّطة.
إخفاقات الأندية الهولنديّة على الصعيد الأوروبي، انعكست سلباً على أداء المنتخب، حيث باتت أندية أياكس أمستردام وأيندهوفن وفينورد، تخرج من الأدوار الأولى للبطولات الأوروبيّة، بعد أن كانت لها صولات وجولات على منصّات التتويج.

الافتقار إلى مدرّبين
تراجع أداء المنتخب في الآونة الأخيرة لا يقع على عاتق اللاعبين فقط، بل إنّ جزءاً كبيراً يقع على عاتق مديري الدكّة الفنيّة. أسماءٌ هولنديّة بارزة في عالم التدريب، لم تعمّر كثيراً، إذ كان يوهان كرويف آخر المدرّبين الهولنديّين الناجحين. توافد بعده عدد من المدرّبين، تركوا بصمة ناجحة، من دون أن يتمكّنوا من إبراز أنفسهم كأفضل مدرّبي العالم، على غرار لويس فان غال، فرانك ريكارد ورونالد كومان.

استهتار لوف يُسقط ألمانيا

قاد لوف المنتخب إلى الظهور بصورة باهتة(أ ف ب )

مستوى مشابه تعيشه الكرة الألمانيّة. المنتخب الذي كان يصنّف مشواره فاشلاً إذا ما حلّ وصيفاً لإحدى البطولات التي يشارك فيها، فشل في عبور دور مجموعات كأس العالم الأخير لأوّل مرّة خلال 80 عاماً. نجاحٌ كبيرٌ حقّقه المنتخب الألماني عام 2014، تمثّل بتتويجه في مونديال البرازيل. نجاحٌ آخر تكرّر عام 2017، بعد أن تُوّج المنتخب بكأس القارّات بتشكيلةٍ شابّة، تلاه تحقيق مسيرة مثاليّة في التصفيات المؤهّلة لمونديال روسيا، تمثّلت في الفوز في المباريات الـ10.
تبدّلت الحال بعد ذلك. نسخة سيّئة ظهر عليها المنتخب، غاب عنها التفاهم والتنظيم كما جرت العادة. مؤشّرات سلبيّة ظهرت عبر المباريات الوديّة للمنتخب قبيل المونديال، تمثّلت في التعادل مع إنكلترا وإسبانيا وفرنسا، تلتها الخسارة من البرازيل في برلين، ثمّ خسارة مفاجئة من النمسا وفوزٌ صعب على السعوديّة، تجاهلها لوف.
عنادٌ وإهمال، رافقتهما جرعة من الثقة الزائدة، قادت يواكيم لوف إلى تدمير المنتخب في المونديال، حيث قاد سوء اختياره للأسماء، وعدم التوازن بين عنصري الشباب والخبرة، المنتخب إلى الظهور بصورة باهتة، ليودّع البطولة بعد فوزٍ واحد في ثلاث مباريات.

تغييرات جذريّة في الفلسفة الكرويّة الألمانيّة

تراجع في ترتيب الفرق الكبيرة كالبايرن وشالكه أدّى لتراجع مستوى المنتخب(أ ف ب )

تراجع أداء المنتخب مرتبط أيضاً بتراجع الكرة الألمانيّة بشكلٍ عام. كثرة المدرّبين الشباب في الأراضي الألمانيّة أدّت إلى تراجع ترتيب الفرق الكبيرة، على غرار بايرن ميونخ وشالكه في الموسم الحالي.
الاعتماد على الشباب تمثّل في اللاعبين أيضاً، حيث يظهر في أغلبيّة الأندية لاعبون أساسيّون تصل أعمارهم إلى 17 سنة، ما جعل الدوري الألماني يحتلّ صدارة الدوريّات الكبرى عام 2016 بأقلّ معدّل أعمار لاعبين. سياسة الأندية الألمانيّة بتوفير الأموال عبر تطوير المواهب الشابّة، انعكست سلباً على أداء المنتخب الذي افتقر إلى عناصر الخبرة. تراجعت الأندية الألمانيّة منذ أن فاز بايرن ميونخ بدوري أبطال أوروبا عام 2013 في النهائي الألماني الخالص، ما جعل من النادي البافاري اليوم النادي الوحيد الذي يتأهّل إلى أدوارٍ متقدّمة في البطولات الأوروبية، بعد أن كانت أندية شالكه، باير ليفركوزن وبروسيا دورتموند مرافقة دائمة له.
نقص تطوّر الإدارات الرياضيّة، التصعيد المبالغ فيه للشباب على حساب لاعبي الخبرة، إضافةً إلى تغيير الفلسفة الكرويّة، أودت بالمنتخب الألماني، بانتظار ما سيقدّمه أبناء كلوب في البطولة الأولى لهم بعد انتكاسة المونديال.