أعلنت رابطة الدوري الألماني الموعد النهائي لاستئناف بطولة البوندسليغا 2019-2020 بعد أن تم تعليق المنافسات في آذار/ مارس الفائت، بسبب تفشّي فيروس كورونا. وأكّد كريستيان سيفيرت، رئيس رابطة الدوري الألماني استئناف الموسم اليوم السبت 16 أيار/ مايو الجاري، خلف أبوابٍ مغلقة. يأتي هذا القرار، بعدما منحت السلطات الضوء الأخضر لاستئناف منافسات الدرجتين الأولى والثانية هذا الشهر، ما يجعل من البوندسليغا أول بطولة وطنية كبرى في أوروبا تستأنف منافسات كرة القدم. من جهتها، اشترطت الحكومة الالتزام بخطّة الوقاية من جانب كلّ الأندية لاستئناف المسابقات وخضوع الفرق لحجر صحيّ قبل المباريات، على أن تشمل الخطة إجراء اختبارات دورية للاعبين والأشخاص المقرّبين من الفرق.

الأندية جاهزة والرابطة في حالة قلق
رغم اقتراب موعد الاستئناف، يحوم القلق داخل جدران مقرّ الرابطة الألمانية، وهي تأمل عدم ظهور حالات إيجابية جديدة بعد وضع نادي دينامو دريسدن من الدرجة الثانية في الحجر الصحي لأسبوعين، إثر إصابة لاعبين في صفوفه بالفيروس، من دون إغفال ظهور حالات عديدة قبل ذلك في صفوف فيردر بريمن وبروسيا مونشنغلادباخ. الوضع الحرج لم يمنع القيّمين على الدوري من استئناف البطولة وفق إجراءات مشدّدة.
سيعود الدوري الألماني من الجولة 26 التي ستُلعب على 3 أيام في 16 و17 و18 أيار/ مايو 2020، وستكون العودة بديربي الرور بين الوصيف بروسيا دورتموند وشالكه على ملعب سيغنال إيدونا بارك، أمّا المتصدر بايرن ميونخ فسيواجه يونيون برلين في اليوم التالي. بحسب الخطّة الموضوعة، ستُلعب مباريات الجولة 27 في الفترة الممتدة بين 22 و24 أيار/ مايو 2020، وستتواصل المباريات حتى نهاية الدوري.
للحؤول دون انتشار العدوى وانتشال الأندية من خطر الانهيار المالي، يتعيّن على الرابطة إنهاء الدوري بنهاية حزيران/ يونيو من أجل الحصول على مبلغ يُقدّر بحوالى 300 مليون يورو من حقوق النقل التلفزيوني، إضافةً إلى كونه التاريخ الذي تنتهي فيه عقود نحو 100 لاعب في أندية الدرجة الأولى، وأكثر من ذلك في الثانية. في حال تحقيق ذلك، ستتمكّن ألمانيا من تجنّب التعقيدات القانونية بين الأندية واللاعبين مع نهاية عقودهم إذا امتد الموسم إلى تموز/ يوليو، مع الإشارة إلى أن الدور الفاصل الذي يحدّد عملية الهبوط والصعود بين الدرجتَين الأولى والثانية سيُقام وحده في تموز/ يوليو.
ونظراً إلى حساسية الوضع، وخوفاً من العودة إلى نقطة الصفر، ستُلعب المباريات وفق إجراءات صارمة تهدف لإكمال الموسم من دون أيّ تداعيات سلبية على العنصر البشري. في هذا الصدد، أقامت الأندية الألمانية في الأسابيع الماضية معسكرات تدريبيّة لجميع أفراد الفريق بعد أن كانت تقتصر على تدريبات فردية، وقد نجحت بضمان السلامة العامّة ما يمهّد الطريق أمام الاستحقاقات الرسمية. ستُلعب المباريات خلف أبوابٍ مغلقة بموجب القواعد المعتمَدة، مع السماح بوجود 300 فرد في الملعب، على أن يشمل هذا العدد الأجهزة الفنية وعناصر الأمن والمسؤولين عن الملعب وغير ذلك.
من قواعد السلامة التي وُضعت أيضاً عدم البصق على الأرض وتجنّب الاحتفالات الجماعية.
اتّخذت السلطات قرار العودة في محاولة للحدّ من الخسائر الاقتصادية الهائلة المترتّبة على التوقف


تغييراتٌ محتملة
رغم تميّز فرقها بالتنظيم الكبير والتوازن بين تقديم الكرة الجميلة والفاعلية، لا تعدّ البوندسليغا من الدوريات الأوروبية الكبرى المفضلة لدى الجماهير، التي تتّجه بدورها لمشاهدة اللعب السريع في البريميرليغ والليغا الإسبانية، وصولاً إلى الكالشيو في الفترة الأخيرة. يحلّ الدوري الألماني في المرتبة الرابعة من حيث المتابعة والأهمية، غير أن من شأن عودته قبل الدوريات الأخرى أن يغيّر من هذه المعادلة. ستجذب مباريات الدوري الألماني انتباه جميع عشاق الكرة حول العالم، لأنّها البطولة الوحيدة التي ستكون مُتاحة، ما سيزيد التسليط الإعلامي عليها بشكل غير مسبوق من جميع وسائل الإعلام، الأمر الذي قد يساهم في زيادة القاعدة الجماهيرية لأندية البوندسليغا. إضافةً إلى ذلك، ستتشجع البلدان الأخرى لاستئناف دورياتها مع عودة الدوري الألماني، وهو ما أكّده رئيس رابطة الدوري الإسباني خافيير تيباس الذي وصف عودة البوندسليغا بالخبر المثالي لعالم كرة القدم. سبق للاتحادَين الإسباني والإيطالي أن حدّدا خطة استكمال الموسم، لكنّ السلطات لا تزال تعارض هذا الأمر. هكذا، ستكون التجربة الألمانية موضع اهتمام البطولات الوطنية الكبرى الأخرى الباحثة عن العودة، خاصةً إنكلترا وإسبانيا وإيطاليا، علماً بأن فرنسا كانت الوحيدة بين البطولات الخمس الكبرى في القارة العجوز التي أنهت موسم 2019–2020.

قرار مالي
ورغم جميع الجوانب المحيطة بالآثار اللوجستية والطبية والاجتماعية لاستئناف بطولة البوندسليغا، كان القرار في النهاية قراراً مالياً. استئناف الدوري الألماني، جاء بالدرجة الأولى لتجنّب إفلاس بعض الأندية، بعد أن قُدّرت الخسائر بحوالى 800 مليون يورو، وهو رقمٌ يعتمد إلى حدّ كبير على خسارة عائدات التلفزيون. مع مواجهة العديد من الأندية الألمانية من الدرجتين الأولى والثانية صعوباتٍ مالية بسبب غياب الدفعة الرابعة والأخيرة من مستحقّات حقوق البث، لم يكن أمام القيّمين على الدوري سوى محاولة استكمال الموسم. الخسائر الكبيرة أعادت الجدل حول قاعدة (50+1) السائدة في البوندسليغا، والتساؤل إذا ما ستكون الأندية أكثر أماناً في حال إلغاء القاعدة.
ينفرد الدوري الألماني عن سائر الدوريات الأخرى باعتماده قاعدة (50+1)، وهو قانون يحمي الأندية المحلّية من المستثمرين الأجانب عبر منعهم من الحصول على حصة الأغلبية في نادٍ ما. الأزمة الحالية أتاحت الفرصة أمام القيّمين على البوندسليغا للنظر في تعديل هذه القاعدة، حيث ظهرت ضرورة وجود مستثمرين أصحاب نظرة استراتيجية تزيد من تنافسية الأندية لضمان استقرارها في المستقبل.
مع تعليق كرة القدم، تعطّلت المؤسّسات التجارية التي تشكّل أعمدة الدوري الألماني، إذ أنّ مباريات الكرة هي المنتج الوحيد الذي تستفيد منه تلك الشركات. في ظلّ توقف ضخّ الشركات لأموالها في البوندسليغا، انخفض الدخل العام بنسبة تفوق الستة أضعاف، ما عرّض بعض الأندية الألمانية لخطر الإفلاس. لذا، فإنّ الطريقة الوحيدة لتجنّب الانهيار الكامل لأندية البوندسليغا كانت باستكمال ما تبقّى من جولات للحصول على عائدات النقل التلفزيوني.
الجميع ينتظر عودة الدوري الألماني. الجماهير من مختلف أنحاء العالم ستكون متلهّفة لمشاهدة كرة القدم من جديد، ما سيخفف من نسب الكآبة المترتبة عن الحجر طويل الأمد. في حال نجاح الاستئناف، ستعود بقية الدوريات تدريجياً، تمهيداً لمزاولة استحقاقات الموسم المقبل، الأمر الذي تراهن عليه الاتّحادات الكروية حول العالم.