عاد الأمل إلى أهالي المختطفين في السويداء لدى تنظيم «داعش» باسترجاع أبنائهم، مع نجاح أوّل عملية تبادل بين الدولة والإرهابيين فجر يوم الجمعة الماضي. وأسفرت العمليّة التي خيضت بسريّة تامّة وبعيداً من كلّ مسارات التفاوض «التجارية»، التي انخرط بها أكثر من طرف وشخصيّة في السويداء وخارجها، إلى تحرير الأطفال يعرب وملهم وغيداء وأمواج جباعي، والسيدتين عبير شلغين ورسمية أبو عمار (والدة الشهيد مهند أبو عمار الذي صفّاه الإرهابيون في 2 آب الماضي في إطار الضغط على الجيش السوري والمفاوضين)، مقابل إطلاق الحكومة سراح 17 امرأة من أُسر إرهابيي «داعش».

ويمكن القول، إن نجاح المرحلة الأولى من عمليّة التفاوض، عبر الدولة السورية حصراً، وضع حدّاً لكل المزايدات التي حاول أكثر من طرف، في السويداء وخارجها البناء عليها في الأشهر الماضية، بغية كسب تعاطف شعبي وتحريض المواطنين في المحافظة ضدّ الدولة. كما أن بدء حلّ الأزمة ووصول العمليّة العسكرية ضدّ «الدواعش» في بادية السويداء الشرقية وتحديداً في منطقة تلول الصفاء ذات الطبيعة البركانية القاسية، يجعل عودة الاستقرار الأمني والاجتماعي إلى السويداء في ظلّ مؤسسات الدولة مطلباً شعبياً، في مواجهة حفنة من الأصوات التي لا تزال تعوّل على الدعم الخارجي، لضرب استقرار المحافظة وإخراجها عن سياق الانتظام العام الذي تحقق في الجنوب السوري.
مع هجوم «داعش» على السويداء في تموز الماضي، وسقوط عدد كبير من الشهداء والجرحى، وجد أكثر من طرف الفرصة المناسبة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء وانتزاع النصر الذي حققته الدولة في درعا والقنيطرة. والذي تكلّل قبل أيام بافتتاح معبري نصيب الأردن والقنيطرة مع الجولان المحتل، عبر تأليب أهالي السويداء ضد الدولة وتحميلها مسؤولية الهجوم باختلاق الأكاذيب والضخ الإعلامي المركّز. ووصل الأمر بالبعض، كالنائب السابق وليد جنبلاط في لبنان وشيخ عقل طائفة الموحّدين الدروز في فلسطين المحتلة موفّق طريف، إلى المطالبة بحماية دوليّة وتدخّل أممي تحت عنوان حماية السويداء والدفاع عن الدروز، في دعوة إلى ما يشبه النموذج الكردي في الشمال السوري.

مراحل التفاوض
منذ اليوم الأول لاختطاف 30 أمرأة وطفل وشاب من قرى شرق السويداء بعد الهجوم الإرهابي على قرى شبكي وشريحي ورامي والغيضة، وضعت الدولة كلّ إمكانها العسكرية أوّلاً لطرد التنظيم الإرهابي من البادية فبدأت سريعاً عملية لا تزال فصولها مستمرّةً حتى الآن، ودفع الجيش ما لا يقلّ عن 400 شهيد في ظروف قتالية صعبة للغاية، فيما سقط للتنظيم أكثر من 500 قتيل. وفتحت الدولة الباب أمام التفاوض مع «الدواعش» مؤكّدة استعدادها للتفاوض ضمن شروط «معقولة» في أي عملية تبادل من هذا النوع، مع رفض قاطع لوقف العمليات سواءً في منطقة حوض اليرموك (قبل تحريره)، وفي كامل البادية الشرقية للسويداء وصولاً إلى حيث تدور المعارك الآن في منطقة تلول الصفاء.
في المقابل، لم يكن «الدواعش»، الذين تولّى المفاوضات باسمهم بداية أحد الإرهابيين من «قاطع البادية»، المدعو «أبو عمر» يبدون أي جديّة في عملية التفاوض. وعلى مدى سبع محاولات، لم تنجح اللجنة التي شُكلت من أكثر من شخصية في المحافظة وخارجها بينهم شيخا العقل يوسف جربوع وأبو وائل الحناوي، بالحصول على مطالب جديّة من الخاطفين، الذين تراوحت طلباتهم بين إفراج الحكومة عن أكثر من ألفي إرهابي وتقديمهم لوائح اسمية غير منظمة ووقف الهجوم على حوض اليرموك ثم على البادية، وصولاً إلى المطالبة بمبالغ مالية خيالية عن كل مخطوف. حتى أن هؤلاء، رفضوا عروض إفراج الحكومة عن عدد من الموقوفين لديها في حوض اليرموك من غير الخطرين، بحجّة أن هؤلاء سلّموا أنفسهم للجيش، كما رفضوا الحصول على جثث قتلاهم، وأصرّوا على أسماء من «الأمراء» وأُسر «أمراء» آخرين لا يزالون يتواجدون في محيط منطقة هجين في شرق دير الزور. ومع تعثّر المفاوضات، عمد التنظيم إلى إعدام الشاب مهند أبو عمّار بداية، قبل أن ينتقل الملّف إلى مفاوض آخر من «داعش» من «قطاع البادية» أيضاً ملقّب بـ«خطّاب».

من «البادية» إلى «قطاع دير الزور»
في هذه الأثناء، كان التنظيم يخسر شيئاً فشيئاً من أوراق قوتّه، لا سيّما مواقعه في البادية تحت نار الجيش. غير أن المحرّضين ضد الدولة كانوا يكسبون وقتاً إضافيّاً لافتعال الأزمات، لا سيّما مع بدء عمليات الخطف ضد بدو المحافظة. إذ اغتنمت مجموعات ممّا يسمّى «مشايخ الكرامة» الفرصة، فاختطف الشيخ يحيى الحجّار أحد أبرز القياديين في هذا التنظيم، عوائل بدوية من حوالى عشرين شخصاً، بذريعة انتماء هؤلاء إلى «داعش» واضعاً الأمر في إطار التبادل على المختطفين. وجرت عدة عمليات قتل لبدو من المحافظة، بغية إثارة النعرات الطائفية والمذهبية، مع حديث الحجّار وغيره عن طرد البدو من المحافظة كشرط للاستقرار، الأمر الذي ترفضه فعاليات المحافظة والدولة. الحجّار، الذي يرتبط بجنبلاط وطريف ارتباطاً وثيقاً، وقبل نحو ثلاثة أسابيع، اضطر للإفراج عن البدو المختطفين لديه بعد وساطة روسية، وحاول بعدها الإيحاء بأن العملية حصلت تسهيلاً لملّف التفاوض مع «الدواعش»، لم يجنِ ثمار ما زرعه. إذ عمد التنظيم بعدها بيومٍ واحد إلى إعدام ثروة أبو عمّار، إحدى السيدات المختطفات للضغط على المفاوضين. غير أن التحوّل في عملية التفاوض بدأ بعد تسلّم أحد أمراء التنظيم في «قاطع دير الزور» زمام الأمر، المدعو «أبو حذيفة»، فانطلقت المفاوضات الجديّة، والتي انتهت مراحلها الأولى فجر الجمعة، على أن تستمر العملية لتحرير كافة المختطفات في المرحلة المقبلة. وبحسب المعلومات، فإن وسيطاً من الهلال الأحمر سلّم بداية الأسبوع الماضي أول لائحة اسمية جدية صادرة عن التنظيم للدولة السورية، وعلى أساسها كان التجاوب الرسمي سريعاً، ووافقت الدولة على إطلاق سراح زوجات «أمراء» من «داعش». وفيما لم يحسم بعد مكان وجود المختطفات، مع ترجيح احتمالين الأول في منطقة هجين والثاني على الحدود السورية العراقية شمال غربي قاعدة التنف الأميركية، إلا أن المصادر أكّدت أن عملية التبادل حصلت في منطقة قريبة من التنف، مع ترجيحها أن التنظيم نقل المختطفات من ريف دير الزور إلى نقطة التلاقي.
مع قرب انتهاء أزمة المختطفات، تدخل السويداء مرحلة جديدة من الاستقرار الأمني والاقتصادي والاجتماعي، تطالب بها الشريحة الأوسع من السكّان، الذين ضاقوا ذرعاً بممارسات بضع مجموعات من المهرّبين وأمراء الحرب. وفيما عمدت الدولة على مدى السنوات الماضية، إلى استيعاب كل الحالات الخارجة عن القانون بغية الحفاظ على استقرار المحافظة، يمكن القول اليوم إن القرار اتخذ على أعلى المستويات لإعادة فرض هيبة الدولة في المحافظة الجنوبية، استعداداً للمرحلة المقبلة وانطلاق أعمال إعادة الإعمار وتأهيل البنى التحتية وشبكات المواصلات في الجنوب السوري. وتبدو الأشهر المقبلة حاسمة في حلّ أزمة التخلّف عن الالتحاق في الجيش في السويداء، وفصل المطلوبين بتهم جنائية وأعمال إرهابية عن أولئك المتخلّفين عن خدمة العلم، خصوصاً في ظلّ قرار العفو الذي أعلن عنه الرئيس بشار الأسد ومهلة الأشهر الأربعة لتسوية الأوضاع.