مع صدور التعليمات التنفيذية للمرسوم رقم 18، الذي أُقِرّ قبل أكثر من أسبوعين، تبيّن السوريون تفسير بعض المواد القانونية من خلال شطب قوائم المطلوبين للاحتياط من المتخلفين عن الالتحاق بالجيش السوري. تضمن المرسوم عفواً عاماً عن جرائم الفرار الداخلي والخارجي والجرائم المنصوص عليها في قانون خدمة العلم. أيام عصيبة من التفسيرات والمعلومات المتضاربة عن شطب أسماء ما يقارب 800 ألف متخلّف عن الالتحاق بقوات الجيش. وبنشر تعميم موجّه من وزارة الدفاع إلى وزارة الداخلية، أمس، اعتبر الاحتياطيين مشمولين بمرسوم العفو، موجّهاً لكف البحث عنهم. التعميم الوزاري والتعليمات التنفيذية للمرسوم التشريعي صدرا بعد أيام قليلة على إعلان وزير الدفاع العماد علي أيوب، تحت قبة البرلمان، عن توجيه رئيس الجمهورية بشار الأسد لدراسة شطب لوائح المطلوبين للاحتياط، وتلميحه إلى أن تسريح عناصر الدورتين 103 و104 لا يزال قيد الدراسة أيضاً. وبينما اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي من غير أي توضيح رسمي، إثر اقتصار المعلومات على ما يبثه ناشطون ومراسلون يؤكدون الأخبار المتضاربة أو ينفونها، جاءت تعليمات المرسوم التنفيذية حاسمة للأمر. وبعد تأكيدات إدارة الأمن الجنائي وصول التعميم فعلاً، يفترض البدء بعملية الشطب التي قد يتطلب إتمامها فترة قصيرة.
مشاكل العسكريين فجّرت أزمة لا يمكن تجاهلها على المستوى الشعبي. والعفو عن المتهربين من الالتحاق بقوات الاحتياط شكّل صدمة لجنود الخدمة الإلزامية والمحتفظ بهم، ممن انتظروا قرار تسريحهم بعد سنوات من الخدمة خلال الحرب.
خيبة أُخرى أصابت الملتحقين لخدمة الاحتياط قبل صدور المرسوم، إذ إن عليهم انتظار مراسيم تتعلق بالتسريح بدلاً من الاستفادة من العفو الصادر أخيراً، ما يصوّرهم كجنود «سيئي الحظ»، بحسب تعبير بعضهم. أصوات بعض هؤلاء علت مواقع التواصل الاجتماعي، إذ اعتبر الجندي المسرّح بسبب الإصابة، فراس، أن شهداء الجيش قضوا بسبب المتهربين من خدمة الاحتياط، منتقداً عدم تقدير تضحيات الجيش وحرمان الجنود من أي ميزات. واعتبر أن شطب أسماء المتهربين من الخدمة ليس إلا تشجيعاً على الخطأ والتهرب من الواجب في مقابل معاناة لا تنتهي لمن التحقوا وقاتلوا سابقاً. رأي يتقاطع مع حديث أحد جنود الجيش في المنطقة الجنوبية، الذي علّق على المباركات والتهاني التي تبادلها شبان سوريون يشملهم العفو، بالقول إن الأمر ليس إلا جُبناً .
خرجت مناشدات بأن يشمل العفو العسكريين الموقوفين في سجن صيدنايا


أما الجندي عمار صالح فقد قدّم رؤية واقعية في معرض تعقيبه على القانون. فالشاب الذي ينتمي إلى أقدم دورات الجيش المنتظرة تسريحاً بعد سنوات مريرة من القتال، يرى في القانون مصلحة وطنية حقيقية، لاعتبارات تتعلق بالمستفيدين منه، من إخوة الجنود والشهداء والجرحى وعائلاتهم، وبينهم الشبان الذين لا معيل لعائلاتهم في غيابهم. وانتقد حملات بعض زملائه على المتهربين من الاحتياط معلّلين الأمر برفضهم القتال، إذ «لا ضرورة لتوافر رباطة الجأش لدى الجميع»، وفق تعبيره. ويضيف قوله: «تفعيل طاقة من بقي من الشباب هو الخطوة الأولى في رحلة إعادة الحياة. وذلك من خلال منحهم حريتهم بعد تعطيل حياتهم وتكبيل طاقاتهم». صالح الذي يصر على عدم انتظار عدالة أفلاطونية متخيَّلة كَحَل لمشكلة عامة بهذا الحجم، ذكر تحفظاته في حديث إلى «الأخبار»، بالقول إن حل مشكلة المتهرّب عن القيام بالواجب جاء قبل تسريح من قام بالواجب بالفعل. يقول الشاب بالمزيد من حرصه على التوازن: «بعد نيل المستفيدين من العفو حريتهم سيتحركون نحو استهلاك جميع فرص العمل المتوافرة في البلاد حالياً. ما يعني أن عناصر الاحتياط، في حال الحصول على تسريح قريب، قد يضيعون في رحلة مريرة من البحث عن عمل من دون جدوى». ومع رفع الدولة يدها عن تأمين المساعدة لهؤلاء بعد التسريح، أسوةً بمن تم تسريحهم من قبل، يرى صالح أن صدور تسريح الجنود قبل شطب أسماء المتخلفين عن الالتحاق كان ليرد الظلم الأكبر الذي سينالونه لاحقاً.

ضباط سجناء في صيدنايا!
اشتعلت أوساط السوريين على وسائل التواصل الاجتماعي بعد نشر عضو مجلس الشعب نبيل صالح، مقتطفات من مداخلته في المجلس، يثير في شق منها قضية عدد من الضباط الموقوفين في سجن صيدنايا، منذ أشهر. وبينما طفت أحاديث عن اتهام هؤلاء وصف الضباط في عدة ملفات أبرزها الفساد، تسود المجالس الضيقة الأحاديث عن توقيف قرابة 200 ضابط من حملة الشهادات الجامعية، بينهم أصحاب أقدمية في الجيش من حيث الرتب والمناصب. وقد جرى توقيفهم قبل أكثر من 8 أشهر، بعد توجيه عدة تهم إليهم مرتبطة بقضايا فساد ومحسوبيات في التعيينات، إضافة إلى اختلاسات مالية. ومع تحويل هؤلاء إلى سجن عدرا، أول الأمر، زادت خشية عائلاتهم من اعتبارهم كبش محرقة لعمليات فساد مختلفة يقف وراءها تجار أزمة وتقارير كيدية وانتقامية.
ولفت النائب نبيل صالح في حديث إلى «الأخبار» إلى ضرورة تحويل هؤلاء إلى القضاء العسكري تحت إشراف قضاة مختصين، بدلاً من إحالتهم إلى لجنة أمنية واحتجازهم طيلة أشهر. واعتبر أنه في حال وجود بريء واحد بينهم، فإن الأمر يستحق تجنيبه وعائلته الإساءة بحصوله على محاكمة عادلة تحت إشراف لجنة قضائية حتى تثبت إدانته أو براءته. عدد من عائلات الموقوفين ناشد القيادة السورية أن تشملهم بالعفو أو، أقلّه، أن تحاكمهم طلقاء، لا سيما أن لدى بعضهم قِدماً عسكرياً يتجاوز 30 عاماً، فيما يقبعون في سجن صيدنايا محرومين من حقوقهم. وتحدثت أوساط قريبة من تلك العائلات أن رواتب العسكريين الموقوفين انقطعت منذ أشهر عقب سجنهم، ما رتّب أعباءً مادية لا يقدر عدد كبير منها (أي العائلات) على احتمالها.