محيط الباغوز | ساعات من الانتظار في صحراء قريبة من بلدة الباغوز يقضيها الصحافيون القادمون من دول عديدة، طمعاً بلقاء الخارجين من «جيب داعش الأخير»، بعد قطعهم مسافة طويلة بين حقل العمر وأطراف الباغوز. مضت قرابة ساعة ونصف ساعة في نقطة خُصِّصت لاستقبال المغادرين من البلدة وتفتيشهم، قبل أن يظهر غبارٌ في الأفق القريب، مبشّراً بوصول شاحنة تقلّ دفعة جديدة من الهاربين، ليهمس أحد عناصر «قوات سوريا الديموقراطية»: «حظّكم جيد، لم تنتظروا طويلاً»، في إشارة إلى الوقت الطويل الذي يقضيه الصحافيون عادة لتوثيق هذا المشهد. تصل الشاحنة الصغيرة إلى نقطة تمركز المقاتلين الذين طلبوا من الصحافيين الابتعاد خشية وجود «انغماسيين»، لينزل من السيارة بضع نساء وأطفال ورجلان، نال التعب من أجسادهم. بعجالة، ينهي العناصر تفتيش الرجال والنساء، ويمنحون الصحافيين وقتاً قصيراً لإنجاز عملهم.يحاول المغادرون الابتعاد عن الكاميرات وتجاهل الأسئلة الموجهة إليهم، لكن الإصرار يدفع بعضهم إلى الحديث، بينما يزجر آخرون الصحافيين مرددين جملاً تمجّد «الدولة الإسلامية» وتتوعّد بانتصارها. بعد عدة محاولات، استوقفنا سيّدة تحمل الجنسية الهولندية، وهي إحدى زوجات «جهادي مهاجر». في البداية، وصفت الوضع داخل الباغوز بأنه «صعب ومأساوي»، مضيفة أن «أي صوت بسيط كحركة سيارة مثلاً، يخيف الناس هناك ويعتقدون أنه صاروخ في طريقه إليهم»، قبل أن تستدرك وتقول: «لكننا لا نخشى الموت، لأنه عندما سيأتي، سيكون في الوقت الذي حدّده الله لنا». ولا تجد السيدة الهولندية حرجاً في التأكيد أنها «متمسكة بفكر الدولة الإسلامية، لأنها تطبق شريعة الله على الأرض»، مبررة خروجها بأنه «جاء بفتوى وحفاظاً على حياة النساء والأطفال من التهلكة». هذا التمسك بدعم «داعش» لدى المغادرين من الباغوز، تؤكده روايات عناصر «قسد» المكلَّفين التفتيش، الذين يتناقلون أحاديث عن أطفال ونساء «توعّدوا بمعركة قادمة عمادها أشبال الخلافة، الذين سيحملون راية الجهاد القادمة».

«ندمٌ» أيضاً
بينما كانت عيون «أم يزن» الحمصية ترقب زوجها المصاب الخارج معها بحثاً عن علاج، تصرّ على أنه «مدني لا علاقة له بالقتال والمقاتلين»، وأنه خرج من الرقة باتجاه رطلة، ومنها إلى هجين، وأخيراً إلى الباغوز. تقول أم يزن إنها وصلت إلى الباغوز «مع أهل الإسلام أثناء الفرار من القصف»، قبل أن يقاطعها أحد المحقّقين: «لكن زوجك كان في الشرطة الإسلامية... أغلبكم يكذب». تقدّر السيدة الحمصية أن أعداد الموجودين ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم هي بين 6 و8 آلاف، بينهم مقاتلون وعوائلهم، على حدّ قولها.
يحاول المغادرون الابتعاد عن الكاميرات وتجاهل الأسئلة الموجهة إليهم


وفي السياق نفسه، تقول المتحدثة الرسمية باسم «عاصفة الجزيرة»، ليلوى العبدالله، التي رافقت الصحافيين في منطقة خروج الفارين من جيب الباغوز، في تصريح إلى «الأخبار»، إن «قواتنا لا تملك أي إحصائية دقيقة لأعداد المدنيين والمقاتلين وعوائلهم، بسبب كثرة الأنفاق المختبئين فيها». وتضيف أن «داعش يستغل المدنيين كدروع بشرية، ويحاول القتال بشراسة لإظهار قدرة على المقاومة، إلا أن نهايته باتت محتومة». ولا تغفل العبدالله مطالبة «الدول التي ينحدر منها بعض المقاتلين وعوائلهم، بتسلّم مواطنيها ومحاكمتهم»، مؤكدة أن «المهمة الأصعب التي تنتظر قواتنا هي كيفية التعامل مع هذه الأعداد الكبيرة من المتطرفين وعوائلهم». الأحاديث عن أعداد الخارجين والباقين، يقاطعها بكاء سيدتين تحملان الجنسيتين التونسية والمغربية؛ إذ تصرخ إحداهن على مسمع الصحافيين والمحققين: «كل ما أريده أن أعود إلى بلادي وأهلي... لقد خُدعنا، ونحن نادمات».

«معركة» بلا اشتباك
لا يوحي حجم تحصينات «قوات سوريا الديموقراطية» و«داعش»، ولا طبيعة القصف المدفعي والجوي المتقطع على مزارع الباغوز وأحيائها، بأن هناك «معارك عنيفة» تخاض في المنطقة، رغم ما يُحمّل عليها من شعارات «إنهاء الخلافة». وبدا واضحاً أن ضغط «التحالف الدولي» و«قوات سوريا الديموقراطية» يهدف إلى دفع من بقي داخل الجيب إلى الانسحاب والاستسلام، بما يتيح فرض السيطرة عسكرياً وإعلان النهاية العسكرية للتنظيم. وعن التصعيد الأخير، ولا سيما القصف الجوي والمدفعي، يؤكد مدير مركز الإعلام في «قسد»، مصطفى بالي، في حديث إلى «الأخبار»، أنه «بعد انتهاء المهلة التي منحت لخروج المدنيين، أطلقنا المعركة لإنهاء داعش في الباغوز»، رافضاً تحديد مهلة زمنية لإنهاء تلك المعركة. ويكشف بالي أن «المساحة الفعلية لوجود التنظيم نحو كيلومتر مربع واحد... لكن هناك مساحات فاصلة بيننا وبينهم تدخل في المدى الناري للمعركة، لذلك نحرص على التحرك البطيء».
وسط المشاهد التي تحيط بـ«جيب داعش الأخير»، ووعود مغادريه بـ«رفع راية الجهاد»، يبدو إطلاق لقب «معركة نهاية داعش» على ما يجري منافياً للصواب. إذ تتقاطع الوقائع والمشاهدات لتؤكد أن ما يحصل في الباغوز هو تأجيل لمواجهة أيديولوجية وفكرية وعسكرية مع التنظيم، يُنتظر أن تترجَم بداية بنشاط أمني كبير لعناصره وخلاياه.



ميزانية الـ«بنتاغون»: 300 مليون لـ«المعارضة المفحوصة»
كشفت تفاصيل ميزانية وزارة الدفاع الأميركية لعام 2020، أن المبالغ المخصّصة لتمويل العمليات العسكرية في سوريا لم تشهد أي انخفاض، على الرغم من الوعيد الأميركي بقرب هزيمة «داعش»، وقرار السحب الجزئي للقوات.
وتوضح التفاصيل أن الوزارة خصّصت مبلغ 300 مليون دولار لدعم «المعارضة السورية المفحوصة»، وذلك بهدف «تأمين الأراضي المحررة من داعش، ومواجهة تهديدات داعش المستقبلية، من خلال تدريب قوات الأمن الشريكة وتجهيزها».
(الأخبار)