منذ أن غاب التمثيل الوازن للعشائر العربية في الجزيرة السورية عن «ملتقى عين عيسى» الذي نظّمته «الإدارة الذاتية»، لم تتوقف جهود الأخيرة والمسؤولين الأميركيين ضمن «التحالف الدولي»، في محاولة لاحتواء غضب أبناء العشائر في ريف دير الزور الشرقي. وذهبت «قوات سوريا الديموقراطية» إلى اتهام دمشق بـ«استغلال» أبناء تلك المنطقة لأهداف سياسية، على رغم أن مطالب بعض تلك العشائر لم تكن تتناغم مع مقاربة الحكومة السورية.وخلال الأسبوع الأول من الشهر الجاري، ارتفع منسوب التوتر في منطقة الشحيل ومحيطها، بعدما سقط ضحايا من أبناء المنطقة برصاص «قسد» وبقصف من «التحالف»، قبل أن يفضي الجهد المشترك بين «التحالف» و«قوات سوريا الديموقراطية» إلى تطورين رئيسين برزا في الأيام القليلة الماضية. إذ أطلقت الأخيرة حملة أمنية تستهدف «تصفية خلايا داعش» في المنطقة، فيما انتهى اجتماع لعدد من وجهاء قبيلة العكيدات، بمطالب تعطيهم صلاحيات أوسع في مناطقهم، إلى جانب موقف سياسي وتعهّد بالعمل مع «التحالف» ضد القوات الحكومية والروسية والإيرانية. واشتمل البيان الختامي للاجتماع على نقطة حساسة جداً، وهي «ضمّ غرب الفرات إلى شرقه، وطرد الميليشيات الإيرانية والروسية»، مع إبداء استعداد القبيلة للتعاون مع «التحالف» لإنجاز ذلك.
وبمعزل عن حجم القوى العشائرية المستعدة للخوض في هذا المسار التصعيدي الخطير، فإن الطرف الأميركي ليس غافلاً عن أهمية ورقة العشائر في الشرق السوري، ولا سيما في خضمّ التوتر المتنامي بينه وبين إيران. ويتقاطع ما سبق مع معلومات عن نشاط خليجي، وخاصة سعودي، لتخفيف التوتر بين العشائر و«التحالف»، ومحاولة بناء جسور جديدة تتيح الاستفادة من أبناء وادي الفرات على طاولة النزاعين، السوري والإقليمي. وبحسب مصادر عشائرية، فإن الرياض التي تتواصل مع عدد من وجهاء العشائر، استدعت قائد فصيل «مغاوير الثورة» مهند الطلّاع، لزيارتها ونقاش خطط تتضمن دوراً عسكرياً محتملاً لأبناء العشائر، يستهدف بشكل رئيس «الوجود الإيراني في الشامية (الضفة الغربية من الفرات)». ويتكامل هذا الطرح مع الوجود العسكري الأميركي في التنف، إلى جانب بعض الفصائل وبينها «مغاوير الثورة»، الذي يهيمن على خط دمشق ــــ بغداد، ويمكنه التأثير على أمن الشريط الحدودي حتى أطراف البوكمال.
سُجّل في بلدة الشحيل وجود مناشير مؤيدة للحكومة السورية


وتتضمن الخطة المرعيّة سعودياً وأميركياً، وفق المصادر العشائرية نفسها، تقليل وجود العناصر الكردية ضمن «قسد» في ريف دير الزور الشرقي، والاكتفاء بعناصر «مجلس دير الزور العسكري» و«قوات النخبة السورية» والعناصر العربية المتطوعة ضمن «الأسايش»، مقابل ضمان آلية «عادلة» للاستفادة من حقول النفط والغاز المنتشرة في المنطقة. ولا يستثني التصور المطروح إمكانية نقل عناصر الفصائل التي ينضوي ضمنها قسم من أبناء العشائر بين التنف ووادي الفرات، وبالعكس، في حال تطلّبت التطورات تحركاً عسكرياً قرب الحدود السورية ــــ العراقية.
ولا يخفى أن الانخراط السعودي في ملف العشائر ينافس جهداً تركياً لافتاً في المجال نفسه، لتشكيل جسم عسكري يمثّل «عشائر المنطقة الشرقية»، ويمكن استغلاله لمواجهة «وحدات حماية الشعب» الكردية في المناطق الحدودية. وضمن هذا السياق، بدا لافتاً أمس، ما نقلته وكالة «الأناضول» التركية عن استعدادات تجريها «الوحدات» الكردية بدعم «التحالف» لشنّ «عملية عسكرية محتملة ضد مواقع المجموعات التابعة لإيران شرق سوريا». وأفادت «الأناضول»، نقلاً عن مصادر محلية، بأن «قوات التحالف والوحدات تسعى لكسب تأييد عشائر المنطقة للعملية العسكرية المحتملة، وذلك بعد عدة لقاءات تمّت معهم في حقل العمر». وفي السياق نفسه، نفى مصدر ميداني مقرّب من «قسد»، في حديث إلى «الأخبار»، وجود «نيّة خوض معركة ضد الجيش السوري والقوات الإيرانية في المنطقة»، مؤكداً أن «هناك سعياً للحفاظ على خط سياسي تفاوضي مع دمشق وطهران، يضمن المشاركة في أي حل سياسي قادم».
وفي موازاة تلك التطورات، سُجّل في بلدة الشحيل وجود مناشير مؤيدة للحكومة السورية، وتطلب من الجيش السوري الدخول إلى ريف دير الزور وتحريره، في خطوة يمكن عدّها رسالة بوجود تيار عشائري مؤيّد لتوجه دمشق، ويراهن على عودة سلطة الدولة.