اسمه عبد المنعم مصطفى حليمة، وُلد في طرطوس في 3 تشرين الأول 1959. متزوج من سيدة فلسطينية، وله منها أربعة أولاد. «نشأ في عائلة سلفيّة»، بحسب مصدر «جهادي»، وفاخر دائماً بعقيدة «جهادية» لازمته منذ طفولته. ينقل المصدر عنه قوله: «منذ وعيت الحياة، وأنا أعي حقيقتين: الأولى أن الإسلام هو دين الله، وهو حق مطلق، لا يجاريه ولا يوازيه دين. والثانية أن هذا الحق المُطلق لا تَقوم له قائمة، ولا يسود له سلطان، إلا بقوة تحميه، وجهاد في سبيل الله». وانطلاقاً من هذه القاعدة، كانت لأبو بصير مشاركة فاعلة في «الثورة الإخوانية» في سوريا، والتي وصلت ذروتها في الثمانينيات. اعتقل عام 1976(في الـ17 من عمره) لأربعة أشهر، على خلفية كتابته عبارات «جهادية» على بعض جدران مدينة طرطوس. وكان في تلك الفترة على تواصل مباشر مع قياديي «الطليعة المقاتلة»، وخصوصاً عدنان عقلة. وبحلول عام 1980، كان «أبو بصير» أحد «المجاهدين» الذين اختاروا الهرب من سوريا إلى الأردن الذي لعب في تلك المرحلة دوراً مشابهاً للدور التركي في الأزمة الراهنة.
كان الأردن محطة عابرة، انتقل بعدها إلى العراق، ثم باكستان، ومنها إلى أفغانستان عام 1981. ويُقال إنه كان «أول مجاهد عربي فيها». تعرف في بيشاور إلى عبدالله عزام، ورافقه في إحدى الرحلات «الجهادية» إلى أفغانستان (كان الجهاديون يغادرون أفغانستان بين فترة وأخرى في إجازات، ثم يعودون إليها). كذلك تعرّف إلى «الشيخ جميل الرحمن الأفغاني» أحد أبرز «أمراء الجهاد» في تلك المرحلة. ويقول «أبو بصير» في أحد كتبه عن تلك الفترة: «مكثت معه في بيته الخاص أعمل معه ومع جماعته أكثر من خمسة أشهر، كما كان لي الشرف أن دخلت الجبهات التي كانت تتبع للشيخ».
في منتصف الثمانينيات عاد إلى الأردن. وفي عام 1987 أصبح جار أبو مصعب الزرقاوي في «حي معصوم» في الزرقاء. ويروي في أحد كتبه: «كان منزل أبي مصعب يبعد عن منزلي عشرات الأمتار، وكان في أول التزامه قد استأنس بي وببعض كتبي. وكان يُراجعني في كثير من المسائل». أصدر في الأردن مؤلفات عدّة، قبل أن تطلب منه المخابرات الأردنية عدم إصدار أي كتاب إلا بعد أن يمر أولاً على جماعة الإخوان المسلمين السورية، ثم على المخابرات. لكنه، خلافاً لهذه التعليمات، أصدر كتاب «قواعد في التكفير»، ما تسبّب في ترحيله. فاختار التوجه إلى اليمن، حيث أقام حوالى ثلاثة أعوام، قبل أن يُعتقل ويُرحّل. فتوجه إلى ماليزيا التي أقام فيها شهوراً بطريقة غير قانونية، ومنها إلى تايلند، ثم بريطانيا، «بلد الكفار الذي رأى فيه الحرية في الدعوة إلى دين الله، الأمر الذي حرم منه في بلاد المسلمين بسبب حكامها الكفرة»، وفق المصدر «الجهادي». وفي نيسان 2012 «نفر الشيخ إلى الجهاد» في سوريا.
لم يكن أبو بصير ينتظر الأزمة السورية لممارسة التنظير الجهادي، إذ اعتبرته حركات «جهادية» كثيرة مرجعاً لها، مثل تلك التي نشطت في الجزائر والصومال. كذلك أصدر فتاوى مؤيدة لحركة «طالبان».
«بوصلة الثورة»
كانت «فتاوى» أبو بصير جاهزة منذ بدايات نشوب الأزمة السورية، وإليها يرجع «الفضل» في كثير من الإجراءات التي اعتمدها «الثوار». وهو اعتمد في إطلاقها منابر عدّة، منها موقعه الإلكتروني الذي أنشأه فترة إقامته في بريطانيا، وصفحة «المعارضة الإسلامية للنظام السوري»، على «فايسبوك»، التي أنشأها في 20 آذار 2011 وأدارها بنفسه، إضافة إلى مجموعة مغلقة على «فايسبوك» جميع أعضائها من «الفاعلين في الحراك». وكان أول من وجّه بتكريس الإشارات الطائفية، فأفتى في أواخر آذار 2011، بعد أيام على اندلاع الأحداث، بأن «أكثر ما يهدد وجود النظام السوري الطائفي القرمطي، ويعجّل بزواله: الإشارة بعمق إلى طائفيته». وأعلن منذ ذلك الوقت أن «الثورة السورية تستهدف سقوط ثلاثة أنظمة: النظام السوري الطائفي، والنظام الإيراني الرافضي ونفوذه في سورية والمنطقة، وحزب الله اللبناني الرافضي». وانطلاقاً من القاعدة نفسها أطلق العنان في تلك الفترة لمقولة «حزب الله اللبناني الرافضي يشارك في قتل المتظاهرين السوريين»، علماً بأنه اعتاد مهاجمة الحزب منذ عام 2003. كذلك أفتى بـ«وجوب امتناع السوريين عن دفع الضرائب والفواتير إلى أن يسقط النظام»، وبضرورة تعطيل الدراسة، مطلقاً مقولته: «لا إدراس ولا تدريس قبل إسقاط الرئيس»، التي تحولت شعاراً للمتظاهرين بعد تبسيطها، كما وجّه بوجوب تأليف أناشيد للمتظاهرين: «أين هؤلاء المنشدون ليواكبوا المظاهرات بإنشادهم وكلماتهم الهادفة».
الأب الروحي لـ«التنسيقيات» و«الحر»
قلة تعرف أن «أبو بصير» كان صاحب فكرة تشكيل «تنسيقيات الثورة»، إذ اقترح تشكيل لجان «على مستوى المدن والقرى (...) تتسم بالاستقلالية ولا تربط مصيرها وقراراتها بشخص أو حزب واحد»، كما كان من أشد الداعين إلى تشكيل قوة عسكرية «ثورية» على الأرض. وقال في هذا الشأن: «أرادوها سلمية غاندية، ويأبى الله إلا أن تكون جهاداً في سبيله». ورحّب بالتدخل العسكري الخارجي في سوريا الذي اعتبره أمراً جيداً، «لكن لا بد قبله من تشكيل قوة عسكرية على الأرض». كذلك أفتى بجواز التدخل العسكري الخارجي في ليبيا، مناقضاً فتوى قديمة له يقول فيها «أيّما ﻣﺴﻠﻢ يأبى ﺇﻻ ﺃﻥ يوالي المشركين ﺍﻟﻜﺎﻓﺮﻳﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺳﻼﻡ والمسلمين يخرج ﻣﻦ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻹﺳﻼﻡ».
ومنذ اندلاع الأزمة، نشط «أبو بصير» على مسارين: الأول إصدار الفتاوى، والثاني التواصل مع داعمي «الجهاد،» وعلى رأسهم سلفيّو الكويت، لحشد الدعم المادي والمعنوي في انتظار بدء المرحلة «الجهادية» للثورة. ويؤكد المصدر «الجهادي» لـ«الأخبار» أن «الدور الذي لعبه كان أساسياً في تأمين الدعم للمجاهدين». وفي نيسان 2012، قرّر أن الوقت قد حان لـ«ينفر إلى الجهاد»، فاتجه إلى تركيا التي عقد فيها عدداً من الاجتماعات مع «بعض الأصدقاء الداعمين للجهاد»، وفقاً للمصدر، ثم عبر الحدود إلى سوريا، حيث أسّس «حركة الفجر الإسلامية» التي انطلقت من ريف إدلب، وامتدّ نشاطها لاحقاً إلى حلب. كذلك كان له دور أساسي في تشكيل «لواء الحق» في حمص، ولاحقاً أصبح هذان التشكيلان حليفين أساسيين لـ«حركة أحرار الشام الإسلامية» التي كانت خلاياها تُعدّ سرّاً منذ أيار 2011، وبإشراف «عقائدي» مباشر منه. وهو يعتبر، حتى اليوم، «أباً روحياً ومفتياً» لـ«الحركة»، ومن خلالها أحد أبرز المؤثرين في نشاط «الجبهة الإسلامية».
وهّابي أكثر من آل سعود
اشتهر «أبو بصير»، منذ تسعينيات القرن الماضي، بإصداره فتاوى تُكفّر آل سعود. لكن ذلك لم يمنعه من توجيه «تحية شكر وتقدير» لهم إثر انسحاب وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل من مؤتمر «أصدقاء سوريا» في تونس، ليعود بعدها وينتقدهم على خلفية موقفهم في مصر ضد الرئيس المعزول محمد مرسي. ويقول مصدر «جهادي» لـ«الأخبار» إن الطرطوسي «يرى أن آل سعود مقصّرون في الإخلاص لمنهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وكثيراً ما خالفوه بدافع من مصالحهم السياسية. ولو أنهم التزموا النهج الوهابي الصحيح، لكان في ذلك خير لهم وللأمة». وهو كلام ينسجم مع إعلان الطرطوسي في أيلول الماضي وهابيّته والتفاخر بها، عبر مقال طويل بعنوان «نعم أنا وهابي»، قال فيه: «رغم نفوري من المسميات المحدثة التي تفرّق المسلمين ولا توحّدهم، إلا أني أعلنها صريحة واضحة بأني وهابي، وممن يشرّفهم حُبُّ الشيخ محمد بن عبد الوهاب وحُبُّ دعوته»، مسهباً في تعداد «فضائل الوهابية».
شهادات «حسن سلوك»
دأب أبو بصير الطرطوسي عبر منابره الكثيرة على توجيه الشكر إلى «أصدقاء الجهاد وداعميه»، ومنهم: تركيا، و«أحرار وشرفاء الكويت»، وقناة الجزيرة، وقناة «وصال» و«الشيخ عدنان العرعور»، وصفحة «الثورة السورية ضد بشار الأسد» على «فايسبوك»، ومصطفى عبد الجليل (رئيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي). وفي الوقت نفسه حرص على مهاجمة أشخاص وجهات عدة، منهم الشيخ سعيد رمضان البوطي (هاجمه مرات عدة منذ تسعينيات القرن الماضي، وأظهر الشماتة باستشهاده)، وشيخ الأزهر أحمد الطيب واصفاً إياه بـ«الشيخ الضال»، والشيخ صلاح أبو عرفة (إمام المسجد الأقصى). وهاجم أيضاً أهالي مدينة حلب مرات كثيرة، وهاجم كلّ من «ينادي باقتصار الثورة على الخيار السلمي».
كذلك هاجم «الخط العلماني» في المعارضة السورية، خصوصاً هيثم مناع رئيس هيئة التنسيق الوطنية في المهجر، إضافة إلى برهان غليون حين كان رئيساً للمجلس الوطني المعارض، وحرص في الوقت نفسه على الإشادة بهيثم المالح، وطالب بوجوده على رأس الكيانات السياسية المعارضة. وخصص الطرطوسي عدداً من «ملاحظه» التي نشرها خلال عامي 2011 و2012 لمهاجمة العلمانية، وهو يحرّم الديمقراطية، لأن «أيّما عمل يرقى إلى درجة إضفاء صفة المشرع للمخلوق (...) لا يجوز إقراره ولا المشاركة فيه بأي صورة من الصور، لأنه من الشرك».