تكشف وثائق «أنونيمِس» عن حملة مشتركة تعود إلى عام 2014 قادتها وزارات الخارجية والدفاع والتنمية الدولية البريطانية، في مسعىً لدعم «الاتصالات الاستراتيجية والبحث والرصد والتقييم والدعم التشغيلي لكيانات المعارضة السورية». حملةٌ تضمّنت، بحسب وزارة الخارجية، «إنشاء روابط شبكية بين الحركات السياسية ووسائل الإعلام»، من طريق «تطوير منصّات إعلامية محلّية مستقلّة»، الغاية منها «توفير مدرّبي علاقات عامة والتعامل مع وسائل الإعلام». وتُبيّن وثيقة أخرى (2017) كيف موّلت لندن «اختيار وتدريب ودعم وتوجيه الاتصالات للناشطين السوريين الذين يتشاركون مع المملكة المتحدة رؤيتها لمستقبل سوريا، والذين سيلتزمون بمجموعة القيم التي تتوافق مع سياساتها». وفّرت هذه «المبادرة» تمويلاً حكومياً لدعم «النشاط الإعلامي الشعبي» السوري في دوائر المعارضة المدنية والمسلحة. بهذا المعنى، وضعت وزارة الخارجية البريطانية خططاً لشنّ حرب إعلامية شاملة على سوريا. ولإنشاء بنية تحتية قادرة على إدارة الحملة الدعائية، دُفع بمجموعة متعاقدين حكوميين، من بينهم شركات «تحليل المعرفة البحثية» Analysis Research Knowledge واختصاراً ARK، و«الشبكة الاستراتيجية العالمية» TGSN، و«الاتصالات المبتكرة والاستراتيجيات» (InCoStrat)، و«ألباني» Albany.
تعرِّف ARK، ومقرّها دبي، عن نفسها بأنها «منظّمة إنسانية غير حكومية»، وبأنها «أُنشئت من أجل مساعدة الفئات الأكثر ضعفاً»، بالتعاون مع حكومات أميركا وكندا وبريطانيا وهولندا، وكذلك الأمم المتحدة. وبصفتها أحد المتعاقدين الرئيسيين مع الحكومة البريطانية، كُلّفت هذه الشركة بمخطّط قلب النظام في سوريا. وهناك، تعاونت مع TGSN، التي يديرها ريتشارد باريت، المدير السابق لمكافحة الإرهاب العالمي في جهاز الاستخبارات البريطاني «إم آي 6»، وأدّت دوراً لا لبس فيه في تطوير أسس رواية المعارضة السورية، من خلال تدريب جميع مستوياتها في مجال الاتصالات: من «ورش عمل صحافة المواطن»، إلى عملها مع «الائتلاف الوطني السوري المعارض»، حتى إنها أشرفت على استراتيجية العلاقات العامة لـ«المجلس العسكري الأعلى» في «الجيش السوري الحر».
أخذت ARK زمام المبادرة لتطوير شبكة ضخمة من الناشطين الإعلاميين المعارضين في سوريا؛ فتمّ «تدريب أكثر من 150 ناشطاً على أساسيات التعامل مع الكاميرا والإضاءة والصوت، إلى إنتاج التقارير وسلامة الصحافيين». وفي غضون ستة أشهر، أغرقت الشركة سوريا بالدعاية المعارضة، بعدما وزّعت 668 ألفاً و600 من منتجاتها المطبوعة داخل هذا البلد (ملصقات ونشرات وكتيّبات وغيرها من المواد المتعلّقة بالحملة). في إحدى الوثائق، تتباهى كلّ من ARK وTGSN بالإشراف على: 97 مصور فيديو، و23 كاتباً، و49 موزعاً، و23 مصوراً، و19 مدرباً محلياً، و8 مراكز تدريب، و3 مكاتب إعلامية و32 مسؤول أبحاث. كذلك، تؤكّد ARK أن لديها «اتصالات راسخة» مع بعض أفضل وسائل الإعلام العالمية، مثل «رويترز»، و«نيويورك تايمز»، و«سي إن إن»، و«بي بي سي»، و«غارديان»، و«فايننشال تايمز»، و«تايمز»، و«الجزيرة»، و«سكاي نيوز عربية»، و«أورينت»، و«العربية»، لكونها تزوّدهم بـ«محتوى منتظم (يروّج لأولويات صاحبة الجلالة)».
وضعت وزارة الخارجية البريطانية خططاً لشنّ حرب إعلاميّة شاملة على سوريا
نُظّمت الحرب الإعلامية في إطار مبادرة أُطلق عليها «بسمة»، مموّلة من قِبَل حكومتَي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وبعد ثلاث سنوات من بدء عملها، ادّعت ARK أنها «درّبت أكثر من 1400 مستفيد يمثّلون أكثر من 210 منظمات مستفيدة في أكثر من 130 ورشة عمل...»، في شبكة واسعة وصلت إلى جميع محافظات سوريا الـ14، وشملت على السواء مناطق سيطرة المعارضة والحكومة. واشتملت دوراتها على تدريب ناطقين باسم المعارضة، وتعليمهم كيفية التحدّث إلى الصحافة، قبل إطلاقهم على الهواء. وإلى العمل مع الصحافة الدولية وتنشئة قادة المعارضة، ساعدت ARK في تطوير هيكل إعلامي معارض ضخم، بصفتها «المنفَذ الرئيس لجهود الجهات المانحة المتعدّدة لتطوير شبكة من محطات إذاعية ومجلات داخل سوريا منذ عام 2012».
الخوذ البيضاء
تُعدُّ ARK قوّة مركزية في إطلاق «الخوذ البيضاء»؛ إذ تُبيّن الوثائق أن الشركة أدارت حسابات هذه المنظمة على شبكات التواصل الاجتماعي، كما أن الفضل يعود إليها في تطوير «حملة اتصالات مركّزة دولياً ومصمّمة لزيادة الوعي العالمي بفِرَق (الخوذ البيضاء) وعملهم». وهي سهّلت أيضاً الاتصالات بين «الخوذ البيضاء» و»حملة سوريا» TSC (شركة علاقات عامة تدار من لندن ونيويورك ساعدت في الترويج للمنظمة في الولايات المتحدة). وفي تقريرها إلى وزارة الخارجية، كتبت الشركة أن «حملة سوريا اختارت الخوذ البيضاء لتكون في مقدّمة حملتها لإبقاء سوريا في الأخبار».
وثيقة أخرى تُظهر أن شركة ARK عملت في عام 2011 مع متعاون حكومي آخر، Tsamota، للمساعدة في تطوير «الهيئة السورية للعدالة والمساءلة» (SCJA). وفي عام 2014، غيّرت هذه الأخيرة اسمها إلى «لجنة العدالة الدولية والمساءلة» (CIJA)، وهي منظّمة مموّلة من قِبَل حكومات غربية، وتعنى بتغيير النظام. عمل المشروع في البداية «بتمويل من المملكة المتحدة لدعم التدريب على التحقيق الجنائي في جرائم الحرب السورية»، ومنذ ذلك الحين «نما ليصبح مكوّناً رئيساً في بنية العدالة الانتقالية في سوريا».
في الوثائق المسربة، تباهى متعاقد آخر تابع للحكومة البريطانية، InCoStrat، بإنشاء «شبكة ضخمة تضمّ أكثر من ألف و600 صحافي ومؤثّر في سوريا». وشدّدت الشركة هذه على أنها كانت «تدير وتسلّم مشروعاً متعدّد المانحين لدعم أهداف السياسة الخارجية للمملكة المتحدة» في سوريا (من بين الممولين الولايات المتحدة، والإمارات، ورجال أعمال سوريون). مثل ARK، عملت InCoStrat بشكل وثيق مع الصحافة، لأنها تتمتّع بـ»خبرة واسعة في التعامل مع وسائل الإعلام العربية والدولية». في حربها الإعلامية، اتبعت InCoStrat حملة ذات شقين: حرب العصابات (استخدام الإعلام لصناعة الحدث)، وتكتيكات حرب العصابات (إطلاق الحدث لخلق التأثير الإعلامي). وتقول الشركة إنها ساعدت في تدريب منظّمات المجتمع المدني على التسويق والإعلام والاتصالات في أفغانستان وهندوراس والعراق وسوريا وليبيا، بل إنها درّبت فريقاً من الصحافيين المناهضين لصدام حسين داخل البصرة، في أعقاب الغزو الأميركي.
تسلّط الوثائق المسرّبة الضوء على متعاقد حكومي بريطاني يدعى «ألباني». ضمنت هذه الشركة «مشاركة شبكة محلية واسعة تضمّ أكثر من 55 مراسلاً ومصوراً للتأثير على الروايات الإعلامية وتعزيز مصالح السياسة الخارجية للمملكة المتحدة». كما أنها ساعدت في إنشاء جماعة إعلامية سورية معارضة مؤثرة تسمى «عنب بلدي»، تأسّست في عام 2011 في داريا، وتمّ تسويقها بصفتها «منصّة إعلامية سورية شعبية». كما نسّقت «ألباني» الاتصالات بين وسائل الإعلام المعارضة وجماعات المعارضة المتطرّفة من خلال تعيين «زعيم (لديه) مصداقية عميقة مع المجموعات الرئيسية: فيلق الشام، والجبهة الشامية، وجيش إدلب الحر، وأحرار الشام، وجيش الإسلام، وفيلق الرحمن، وجيش التحرير».
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا