دمشق | خمسة أيام مرّت على اللقاء الذي أجراه الرئيسان، الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب إردوغان، في منتجع سوتشي الروسي، بعد أن طار الأخير إلى روسيا بحثاً عن «حلّ ما» لمجموعة من المسائل السياسية والاقتصادية والعسكرية والميدانية، أبرزها إدلب التي تتصدّر المشهد السوري في الوقت الحالي. ساعتان وخمسون دقيقة تقريباً استغرق اللقاءُ الذي تمّ خلف أبواب موصدة، ولم تَصدر بعده أيّ توضيحات، كما لم يُعقد أيّ مؤتمر صحافي لشرح نتائجه، الأمر الذي دفع معظم المحلّلين والمتابعين، وبينهم محلّلون أتراك، إلى التأكيد أن إردوغان فشل في الحصول على أيّ اتفاق جديد حول المحافظة الواقعة شمال غربي سوريا، وتسيطر عليها «هيئة تحرير الشام» وتتحكّم بها أنقرة، بعد سلسلة من الاتفاقات السابقة بدءاً من أوّل لقاء في سوتشي عام 2018، وما تبعه من لقاءات آخرها في شهر آذار العام الماضي، تعهّدت تركيا خلالها بتنفيذ مجموعة من الالتزامات، وأبرزها عزل «الفصائل الإرهابية»، وفتح طريق حلب – اللاذقية، خلال جدول زمني محدّد، وهو ما لم يحصل حتى الآن.قبل اللقاء، صعّدت الطائرات الروسية من كثافة غاراتها على مواقع انتشار الفصائل في ريف إدلب، وبشكل خاص محيط منطقة جبل الزاوية التي تُمثّل عقدة أخيرة تسيطر على جيب صغير فيها «تحرير الشام»، ما يعني فتح الطريق في حال سيطر الجيش السوري على هذا الجيب، بالتزامن مع حشد الجيش السوري قوّاته على تخوم المنطقة استعداداً للتقدّم البرّي. ولم تختلف الأوضاع كثيراً بعد اللقاء، حيث واصلت الطائرات الروسية تنفيذ عمليات الاستهداف ضدّ مواقع الفصائل المسلّحة، وتابع الجيش السوري حشد قواته، في وقت بدأت فيه بعض وسائل الإعلام السورية، وبينها «جريدة الوطن»، بالحديث عن «معركة وشيكة» في إدلب، الأمر الذي أكده مصدر ميداني تحدّث إلى «الأخبار»، من دون أن يحدّد أبعاد العملية أو المساحة التي ستستهدفها، سواءً فتح الطريق الدولي أو التوغّل أكثر في عمق إدلب. وأشار المصدر إلى أن قوات الجيش السوري «جاهزة فعلاً لتنفيذ العمل العسكري فور صدور الأوامر»، مضيفاً أن «عمليات الرصد والمتابعة قائمة بشكل مستمرّ، وعمليات الاستهداف مستمرّة على مواقع انتشار وتمركز المسلحين».
استقدم الجيش التركي تعزيزات عسكرية وأنشأ نقطة عسكرية جديدة في منطقة جبل الزاوية


في غضون ذلك، استقدم الجيش التركي تعزيزات عسكرية تضمّ دبابات وعربات مدرّعة ومدافع ثقيلة، كما قام بإنشاء نقطة عسكرية جديدة في منطقة جبل الزاوية، على مقربة من خطوط التماس مع مواقع انتشار الجيش السوري، الأمر الذي يرفع عدد نقاط انتشار القوات التركية في إدلب إلى 79 قاعدة ونقطة عسكرية، في وقت اكتفت فيه وزارة الدفاع التركية، خلال مؤتمر صحافي عقدته الرائد في مستشارية الإعلام والعلاقات العامة في الوزارة بينار قره في العاصمة أنقرة يوم الأحد الماضي، بالإشارة إلى أن «تركيا تُواصل الالتزام بالمسؤوليات المترتّبة عليها في إطار التفاهمات المعنيّة، بهدف ضمان الأمن والاستقرار وإدامة وقف إطلاق النار في إدلب»، لتُفرِد بقية المؤتمر للحديث عن المعارك مع القوات الكردية، بالإضافة إلى الأوضاع العسكرية في ليبيا وأفغانستان.
كذلك، بدأت أنقرة تدير إجراءات تحوّل ميدانية في طبيعة الفصائل المسلّحة المنتشرة في مواقع سيطرتها في الشمال السوري، وتمهّد الأرض أمام عمليات اندماج جديدة بين هذه الفصائل و«هيئة تحرير الشام»، في ما يبدو استكمالاً لمحاولاتها تلميع صورة التنظيم وزعيمه أبو محمد الجولاني، وتسويق الأخير على أنه «معتدل»، والتذرّع بهذه الصورة مستقبلاً للقول إنها قامت بـ«فصل الفصائل الإرهابية عن الفصائل المعتدلة» وفق تعهّداتها، الأمر الذي لن ترضاه روسيا في كل الأحوال، بعدما شدّدت في أكثر من موقف على أنه «لا بدّ من تطهير إدلب من الإرهاب». ووفقاً لمصادر معارضة، تستعدّ فصائل منضوية في «الجيش الوطني» الذي شكّلته تركيا عن طريق دمج مجموعة فصائل في مناطق شمال سوريا، وشارك تحت قيادة الجيش التركي في معارك عدّة، للتحرّك نحو إدلب، وهو ما قد يتبعه الإعلان عن عملية اندماج مع «هيئة تحرير الشام»، من شأنها تلبية رغبة الجولان، الذي قد يجد بهذا الاندماج الصوري وسيلة جديدة لتلميع صورته، وضمان استمرار سيطرته على إدلب، ما يعني استمرار سيطرة تركيا، وإشرافها على طريق حلب – اللاذقية الدولي، وهو ما تتمنّى أن يحصل، بعد أن فشلت في السيطرة على طريق حلب – دمشق العام الماضي.
وأمام الغموض الذي يحيط بالاتفاق الروسي - التركي، ومع استمرار التحرّكات العسكرية، يبدو أن الأرض أصبحت ممهّدة لاصطدام عسكري جديد، ما لم تجد أنقرة مخرجاً عن طريق سحب الفصائل المسلّحة من الجيب الذي تسيطر عليه في جبل الزاوية، خصوصاً أن دمشق تتمسّك بمبدأ سيطرتها الكاملة على الطريق، وعينها على استعادة ما هو أبعد منه.