الحسكة | يبدو أن قمّة طهران الثُلاثية أتاحت وقتاً إضافياً لروسيا لتطبيق بنود اتفاق «سوتشي»، وإقناع القوى الكردية بضرورة الانسحاب الكامل من الشريط الحدودي بعمق 30 كلم، وعودة السيادة الكاملة للجيش السوري إلى هذه المنطقة. وألمح إلى ذلك وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده مع نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، في طهران، بالقول إن «على مَن يرتبطون بالأميركيين عدم إعطاء تركيا أيّ غطاء لتبرير غزوها للأراضي السورية»، والتحذير من أن «أيّ اعتداء تركي على الأراضي السورية وإقامة ما يسمّى منطقة آمنة يزعزع الأمن والاستقرار في المنطقة». أيضاً، أنبأت تصريحات المقداد، خلال زيارته أمس لإيران، والتي استهدفت الاطّلاع على نتائج القمة الثلاثية، بوجود ارتياح لدى دمشق إلى الجهود التي بذلتها موسكو وطهران، من خلال التأكيد «(أننا) مرتاحون لجهود أصدقاء سوريا للخروج ببيان متوازن في قمة أستانا، يؤكّد على وحدة سوريا وسيادتها واستقلالها». بدورها، أكّدت الخارجية الإيرانية على لسان المتحدث باسمها، ناصر كنعاني، أن «موقف إيران من الهجوم العسكري على سوريا واضح... وأن المسؤولين في طهران حذّروا الطرف التركي من الأضرار التي يحملها أي هجوم». وبحسب كنعاني، شددت طهران على «وقف عمل الانفصاليين القوميين في سوريا، وبينهم الأكراد، وضرورة خضوعهم للحكومة السورية». والظاهر أن الجهد الروسي - الإيراني أثمر إقناع أنقرة بمنْح موسكو وطهران فرصة جديدة لتهدئة مخاوفها. وبذلك، تصبح الكرة في ملعب «قسد»، عبر ربط مستقبل العمل العسكري التركي، بمدى قبولها بالانسحاب من الشريط الحدودي، وتسليمه بالكامل للجيش السوري، وهو ما يفسّر تشديد المقداد على ضرورة عدم منح تركيا «مبرّراً لشن عمليتها العسكرية».

وفي الميدان، واصل الجيش السوري الدفع بتعزيزات عسكرية إلى خطوط التماس مع الجيش التركي والفصائل الموالية له في المنطقة، بهدف استكمال انتشاره على كامل الشريط الحدودي من منبج في ريف حلب، حتى أطراف تل أبيض في ريف الرقة. وفي المقابل، استمرّ الجيش التركي والجماعات التابعة له في الدفع بتعزيزات إلى الخطوط، ما قد يؤشّر إلى استمرار أنقرة في وضع الخيار العسكري في حساباتها، ولو أنها أحالته إلى الرفّ حالياً. وفي هذا الاتجاه أيضاً، أكد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، في تصريحات إعلامية أمس، أن «ملفّ العملية العسكرية الجديدة شمال سوريا سيظلّ مُدرجاً على أجندتنا إلى حين تبديد مخاوفنا المتعلّقة بأمننا القومي»، لافتاً إلى أن «التنظيم الإرهابي يعتقد عبثاً أنه قادر على خداع الجيش التركي من خلال رفع علم النظام شمال سوريا». وعلى ضوء ذلك، يتّضح أن أيّ خطط «بديلة» قد تحاول «قسد» اتّباعها للحفاظ على بقائها في الشريط الحدودي، ستكون مكشوفة، خصوصاً إذا ما استمرّت في الأخْذ بالنصيحة الأميركية لعام 2019، والقاضية بتشكيل مجالس عسكرية مستقلّة، وتقديم المنتمين إلى هذه المجالس على أنهم من أبناء المنطقة، ومن حقّهم التواجد وحمل السلاح للدفاع عنها.

توازت التحرّكات الروسية على خط دمشق ــــ «قسد»، مع زيارة قائد القيادة الأميركية الوسطى محافظة الحسكة


وتلتقي هذه الرؤية التركية، مع الطرح الذي حمله قائد القوات الروسية، ألكسندر تشايكو، خلال لقائه قيادات من «قسد» في مقرّ القاعدة الروسية في مدينة القامشلي، من خلال التشديد على ضرورة تسليم طريق الـ«M4» وشماله بالكامل للجيش السوري، لمنع وقوع الهجوم التركي. وتؤكّد مصادر مطلعة، لـ«الأخبار»، أن «تشايكو استعرض خطّة روسية لتسليم مناطق على الشريط الحدودي للجيش السوري بالكامل، بما يضمن تطبيق المهامّ الخاصة بروسيا في اتفاق سوتشي 2019»، مستدركة بأن «قسد متمسّكة بإبقاء المجالس العسكرية في منطقة الـ30 كلم، باعتبار أعضائها هم من سكّان المنطقة، ومن حقّهم الدفاع عنها ضدّ أي خطر». كما كشفت المصادر عن «رفض قسد القطعي دخول الجيش السوري إلى مركز مدينة منبج، أو أيّ من مراكز المدن الحدودية»، معتبرة أن «هذا الرفض سيعطي في الغالب ذريعة للأتراك لتنفيذ تهديداتهم على الحدود».
وتوازت التحرّكات الروسية على خط دمشق ــــ «قسد»، مع زيارة قائد القيادة الأميركية الوسطى (CENTCOM)، مايكل كوريلا، محافظة الحسكة، ولقائه القائد العام لـ«قسد»، مظلوم عبدي. وأعلن المركز الإعلامي لـ«قسد» أن «الزيارة تأتي للتأكيد على الشراكة في جهود محاربة الإرهاب، ودعم الاستقرار، ومناقشة الخطر المتزايد لمخيم الهول وسجون داعش»، مشيراً إلى أن «قيادة قسد عبّرت عن خوفها من أن تؤثّر التهديدات التركية على جهود محاربة داعش». ونقل المركز عن كوريلا تأكيده «معارضة المؤسّسات العسكرية والحكومية الأميركية أيّ هجوم تركي محتمل ضدّ مناطق شمال وشرق سوريا». ويُنظر إلى زيارة كوريلا في هذا التوقيت على أنها استمرار للجهود الأميركية لثني الأكراد عن فكرة التقارب مع موسكو وطهران ودمشق، والإطّلاع من قيادة «قسد» على فحوى المقترحات الروسية، بخاصّة بعد التوافق الروسي ــــ الإيراني ــــ التركي على ضرورة مغادرة القوات الأميركية منطقة شرق الفرات. كذلك، قد يصحّ اعتبار الزيارة تأكيداً للتسريبات التي تحدّثت عن توصية أميركية لـ«قسد» بالابتعاد عن التنسيق مع دمشق وطهران تحديداً، والتهديد بعواقب في حال أصبح التنسيق أمراً واقعاً.