من جهته، قال النائب عن «الشعب الجمهوري»، علي ماهر باشارير، إنه «قبل إكمال رفع الأنقاض، يَظهر انتهازيّو الانتخابات. يجب التخلُّص منهم على الفور». وأضاف: «لم نسمع أيّ احترام للرأي العام. ويجب ألّا ينجرّ أحد للعبة تأجيل الانتخابات... نعرف أنهم عندما يقولون إنه ليس زمن السياسة، فهم يريدون التهرُّب من إجراء الانتخابات في موعدها. إنهم يريدون اغتصاب كلّ شيء، وعلى رأس ذلك الدستور». ووفق صلاح الدين ديميرطاش، الرئيس السابق لـ«حزب الشعوب الديموقراطي» الكردي المعتقَل في سجن أدرنة منذ عام 2017، فإن رئيس الجمهورية أَعطى تعليمات بالعمل على تأجيل الانتخابات. وقال ديميرطاش: «مرّة جديدة، يتعاطى إردوغان بذهنيّة الحاكم بأمره، ويجتهد أنه لا انتخابات، متجاهلاً الدستور وأحكامه... الزلزال كارثة وليس لطفاً إلهيّاً لكي يبرّر ديكتاتوريّته»، مكرّراً أن «المادة 78 من الدستور تحدّد أنه يمكن تأجيل الانتخابات في حالة وحيدة، وهي حالة الحرب وبقرار من البرلمان. وأيّ قرار آخر يُعدّ انقلاباً على الدستور». وتعليقاً على السجال المنفلش، كتب عصمت بركان، في صحيفة «قرار»، أن «تأجيل الانتخابات يعني بوضوح أن انقلاباً ضدّ الدستور قد حصل. ويمكن لاحقاً أن نسمع من منفّذي الانقلاب أيضاً أن لا ضرورة لإجراء انتخابات».
لا شكّ في أن مسألة الانعكاسات الاقتصادية للزلزال ستكون في مقدّمة اهتمامات تركيا في المرحلة المقبلة
في المقابل، يتواصل النقاش في شأن مَن يتحمّل مسؤوليّات النتائج الكارثية للزلزال. وتعليقاً على اعتقال العديد من المتعهّدين والمهندسين للاشتباه في مسؤوليتهم عن انهيار بعض الأبنية، رأى رئيس «غرفة مهندسي تركيا»، أيون مهتشو، أن المتعهّدين مجرّد حلقة في سلسلة تبدأ بالترخيص وتكتمل بالإشراف ومراقبة التنفيذ. كذلك، حذّر المدّعي العام للجمهورية السابق، علي أوزغوندوز، من الاعتقال العشوائي، معتبراً أنه «يجب أخذ عيّنات من أساسات الأبنية لتكون الدليل الأهمّ في التحقيق، على أن تضاف إليها دراسة التراخيص قبل توجيه التهم»، علماً أن وسائل الإعلام كانت قد ذكرت أن بعض المباني في هاتاي هُدمت لإخفاء الأدلّة، فيما استدلّت بعض الصحف على البناء غير السليم وغير المطابق لمواصفات السلامة والتحمُّل بأن مبنى بلدية آدي يمان قد انهار كليّاً، فيما المبنى الملاصق له، وهو «مركز قوماغين الثقافي» الذي أنشئ بتمويل من «صندوق الاتحاد الأوروبي» ووفقاً لمواصفات بنائه، لا يزال سليماً بالكامل. وعلى الرغم من أن واجهته زجاجية تماماً، ومؤلّف من أربعة طوابق، لم ينكسر فيه حتى لوح زجاجي واحد. وكان بناؤه قد بدأ في عام 2020، وافتُتح في شهر أيلول من العام الماضي.
وفي السياق نفسه، كتب ديميرطاش، في صحيفة «غازيتيه دوار»، أن «الرئيس التركي أضفى الشرعية على كلّ المباني المخالِفة وغير المرخّصة، والتي بُنيت على خطّ الصدع الزلزالي مقابل رشى»، مضيفاً إن «الرئيس لم يتّخذ أيّ إجراءات فوريّة في الساعات الأولى من الزلزال، ولم يُعطِ تعليمات إلى القوى العسكرية للنزول والمساعدة، حتى إنه لم يتوجّه بخطاب إلى الأمّة في المراحل الأولى يدعو فيه إلى التضامن والتعاون». وتابع أن «إردوغان، عندما قرّر أن يتّصل بالبلديات ويدعوها للمساعدة، فهو اكتفى بالاتّصال بالبلديات الموالية، ولم يتّصل مثلاً بأيٍّ من البلديات الأربع الكبرى: إسطنبول، أنقرة، إزمير وأنطاليا. وعندما قرّر أن يلقي خطاباً، كان خطابه الأكثر غضباً في حياته، ولام المعارضة وهدَّدها وأهانها ووصفها بأنها بلا شرف، وأعلن حالة الطوارئ». وتساءل ديميرطاش: «والآن، قل لي بحقّ الله، بعد كلّ هذا الدمار، هل كان إردوغان محقّاً في غضبه وتهجّمه على المعارضة؟ وما دام جمَع في شخصه كلّ هذه الصلاحيات وتحوّل إلى الرجل الوحيد في السلطة، ألَم يكن يتطلّب أن يفعل كلّ الذي لم يفعله؟ لا أحد يتصرّف من دون تعليمات إردوغان. وبالتالي، مَن يجب أن نحمّل مسؤولية نتائج الزلزال؟ أليس هو؟ نظراً إلى كونه الرجل الوحيد في السلطة، فإن كلّ المسؤولية تقع على عاتقه، وهو مضطرّ إلى أن يقدّم الحساب الأكبر أمام الشعب. وهذا سيحدث عاجلاً أو آجلاً».
وإلى الأزمة السياسية الآخذة في التفاقم، لا شكّ أيضاً في أن مسألة الانعكاسات الاقتصادية للزلزال ستكون في مقدّمة اهتمامات تركيا في المرحلة المقبلة، ربّما لسنوات. وبحسب سليمان قاران، في صحيفة «غازيتيه دوار»، فإن «تركيا تعاني أساساً من أزمة اقتصادية خانقة، ستزداد حدّة بعد الزلزال: أوّلاً اهتزّت الثقة بالحكومة بشكل خطير، والاستقطاب في ذروته، فيما ستُواصل الحكومة طريقها بممارسات مناهضة للديموقراطية. ولا يمكن بعد الآن الذهاب إلى الانتخابات بالاقتصاد الانتخابي». وقال إنه «لا يمكن معرفة الدمار الحقيقي للزلزال، إلّا بعد مرور بعض الوقت. ولكنه في النهاية تدمير خطير للغاية، ولا سيما في هاتاي وقهرمان ماراش وغازي عينتاب وآدي يمان... فقط بعد إزالة الأنقاض وحلّ مشكلات المأوى والطعام والشراب والصحة، يمكن فهم نوع الدمار الاقتصادي الذي تواجهه تركيا»، متوقعاً أن يصل عدد الضحايا إلى 70 ألفاً أو أكثر.
وعكست الصحافة تقارير متعدّدة أعدّتها على عجل مؤسّسات مختلفة، وجاء فيها أن الدمار كبير جدّاً في البنى التحتية للماء والكهرباء والاتصالات، بينما لم تتعرّض أنابيب النفط لأضرار مماثلة. وجاء في هذه التقارير أن منطقة الكارثة تضمّ 16% من سكّان تركيا، وكانت تؤمّن 10% تقريباً من مجمل الناتج القومي التركي، تُقسّم على 15% من الإنتاج الزراعي، و12% من إنتاج الحبوب، فضلاً عن أنها تشكّل 9% من صادرات تركيا - أو ما يعادل 20 مليار دولار -، نصفها من غازي عينتاب، وثلاثة مليارت ونصف مليار من هاتاي، وثلاثة مليارات من أضنة، وأقلّ من مليارَين من قهرمان ماراش. وبالتالي، يمكن توقّع انخفاض مساهمة المحافظات المذكورة في الناتج القومي وفي حجم الصادرات. وفي عام جاف بالكامل، ستكون هناك مشكلة خطيرة في الأغذية وزيادةٌ في أسعارها. وورد أيضاً أن 16% من القروض المتعثّرة في هذه المناطق سيتمّ تأجيلها، مع سحْب الودائع من المصارف إلى حدّ كبير. كذلك، يُتوقّع أن تُواجه تركيا هجرة داخلية خطيرة - مع بدء نزوح السكّان عن المناطق المتضرّرة -، بدأت معالم آثارها الجانبية بالظهور مع ارتفاع الأسعار بشكل فلكي، سواء في إيجارات البيوت أو أسعار العقارات التي تضاعفت ثلاث مرّات، وبلغت لشقّة من ثلاث غرف مثلاً حوالى الألف دولار، وفق سنان جنبلاط، رئيس «غرفة المالكين» في مرسين. أيضاً، تَبرز مؤشّرات إلى موجة نزوح سورية جديدة من المناطق المتضرّرة، ولا سيما حلب وإدلب وعفرين واللاذقية. وفي هذا الإطار، تستحضر الصحافة كلام رئيس الوزراء البلجيكي، ألكسندر كرو، عن النازحين: «لئلّا يأتوا إلينا، يجب أن يذهبوا إلى تركيا وأن تَعقد أوروبا اتفاقات جديدة وجيّدة مع تركيا».