فتحت الحكومة السورية، قبل أيام، باب التسويات في محافظة درعا جنوبي البلاد، أمام المسلّحين والمطلوبين والمقيمين في الخارج، في ما يمثّل الحلقة الرابعة من مسلسل بات يتكرّر سنوياً. وفي كلّ مرّة، يَحضر الآلاف من المسلّحين والمطلوبين إلى مراكز التسوية، ثمّ يخرجون منها وفي حوزتهم أوراق من القضاء تُفيد بأنهم تمّت «تسوية أوضاعهم»، بينما يُمنح المتخلّفون عن «خدمة العلم» والفارّين مهلاً للالتحاق بالخدمة العسكرية، مع إعفائهم من العقوبة. وتقول عدّة مصادر رسمية وفاعلة في هذا الملفّ، لـ«الأخبار»، إن «التسويات هي السيناريو الرئيس الذي تعتمده الحكومة السورية في الوقت الحالي للمصالحة ومعالجة الأزمة الداخلية على الصعيد الأمني وبناء الاستقرار»، فيما يلعب «حزب البعث» الدور الرئيس فيها؛ إذ كثيراً ما يتمّ تنفيذها داخل مقرّاته، وبالتعاون مع فروعه على مستوى القاعدة والقيادة، بالإضافة إلى الدور الرئيس والمحوري الذي تلعبه الأجهزة الأمنية الحكومية. وبعدما جرى تنفيذها في مناطق عدّة، جاء الدور، مرّة أخرى، على درعا التي بلغ عدد من انضمّوا إلى التسوية فيها، بحسب مصدر في مركزها تحدّث إلى «الأخبار»، «حتى صباح الثلاثاء 13 حزيران 2023، نحو 19000 مطلوب، علماً أن نسبة كبيرة من هؤلاء يدخلون التسوية للمرّة الثالثة على التوالي منذ عام 2018». والواقع أن درعا تشكّل أكبر تحدٍّ لاستراتيجية «الحلّ بالتسويات»؛ فقد شهدت المحافظة خلال السنوات التي تلت سيطرة الحكومة السورية عليها عام 2018، آلاف الخروقات الأمنية المستمرّة. وفي شهر تشرين الثاني الماضي وحده، أحصت «الأخبار» أكثر من 100 خرق أمني، بينها 80 عملية اغتيال، إضافة إلى تفجير عبوات ناسفة وأعمال خطف وسلب. حتى أن مركز التسوية الشاملة في المحافظة تعرّض في 8 حزيران الجاري لاستهداف بعبوة ناسفة في ساعات الفجر، لم يسفر عن إصابات، تبعه في مساء اليوم نفسه هجوم مسلّح على سيّارة أسفر عن وقوع 3 ضحايا.
تمثّل محافظة درعا، حالياً، حالة اختبار، سيتبيّن على أساس نتائجها مصير الشمالَين الشرقي والغربي


ومن هنا، يشكّك أحد وجهاء حيّ درعا البلد، الذين مثّلوا الأهالي في اتّفاقيات التسوية السابقة، في قدرة هذه التسويات على حفظ الاستقرار والأمن. ويشير، في حديث مع «الأخبار»، إلى أن «التسويات السابقة فشلت لأنها لم تتعامل مع المسبّبات، ولم تحلّ القضايا العالقة، واقتصرت على منح المطلوبين أوراقاً سرعان ما انتهت صلاحيتها»، مضيفاً أن «كثيرين ممّن تمت تسوية أوضاعهم تعرّضوا لاحقاً لتوقيف أو استدعاء أمني، ما تسبّب بأزمة ثقة». ويشدّد على أنه «لإنجاح التسويات وتحويلها إلى مصالحة، يجب إتباعها مباشرة بحوار شفّاف وعلني حول المشكلات المحلّية وأسبابها لمعالجتها من جذورها»، كما «يجب وضع ملفّات مثل إطلاق سراح المعتقلين، وكشف مصير المفقودين، على الطاولة لإنهائها»، و«الالتفات إلى دور الحوار الداخلي في تعزيز اللحمة والتماسك المجتمعي، شريطة أن تؤخذ مخرجاته في الاعتبار».
وتمثّل محافظة درعا، حالياً، حالة اختبار، سيتبيّن على أساس نتائجها مصير الشمالَين الشرقي والغربي؛ إذ إن نجاح التسويات فيها، وتحوّلها إلى مصالحات حقيقية، يمكن أن يكونا عاملاً مشجّعاً للقوى المسيطرة، وللأهالي في بقيّة المناطق، على الانخراط في الحوار مع الحكومة السورية، وصولاً إلى تسوية شاملة في البلاد. على أن الانعطافة التي تمرّ بها سوريا حالياً، بعد قرابة 12 عاماً سالت فيها الكثير من الدماء، تحتاج إلى التفكير بطرق وآليات جديدة وغير مجرّبة، على اعتبار أن سيناريو التسويات السابق لم يصنع الاستقرار المطلوب. كما تَبرز أهمّية استثمار اللحظة الراهنة، والبناء على الرغبات الواضحة في مختلف أنحاء الجغرافيا السورية في طيّ صفحة الماضي، للوصول إلى مصالحة حقيقية، خصوصاً في ظلّ الانفتاح العربي على دمشق.