«بفارق أقلّ من شهرين، فقدنا نوار وكرم، اللذين لم يتجاوزا عقدهما الثاني، بسبب تناول متمّم غذائي مزوّر من نوع معروف، اشتراه نوار عن طريق الأونلاين على أنه أصلي، لكنه كان قاتلاً». بهذه الكلمات، يروي عمّ الشابّين الشقيقَين، مأمون زيدان، وهو من مدينة اللاذقية، لـ«الأخبار»، كيف وقع قريباه ضحية الأدوية المهرّبة، مضيفاً أن «العلبة القاتلة كادت تُنهي أيضاً حياة صديق لهما اقتسمها معهما، لكن تمكّنْا من إنقاذ حياته بعد إخباره بنتائج التحاليل التي أجريناها». ويلفت مأمون إلى «(أنّنا) حاولنا بكلّ الطرق معرفة مصدر علبة البروتين، لكن للأسف لم نعرف أيّ شيء بهذا الخصوص»، مشدّداً على أهمية «توعية الشباب لمنع الانجرار إلى شراء المتمّمات من مصادر مجهولة، وتأمينها في الصيدليات، ومحاسبة من يتاجر بها على حساب حياة الناس».
شبكات تهريب
اتّسع نطاق المتاجرة بالأدوية المهرَّبة خلال سنوات الحرب، بفعل ازدهار شبكات تستغلّ انقطاع الدواء المحلّي، وعدم توافر بدائل جرّاء الحصار، لتقوم بعملها الذي أزهق حياة كثيرين بالتواطؤ مع بعض الصيدليات. وينفي معظم أصحاب الصيدليات، الذين التقتهم «الأخبار»، تعاملهم بالأدوية المهرَّبة، لكنهم يلمحون إلى إمكانية تورّط بعض مستثمري الصيدليات في شباكها طمعاً في الأرباح الكبيرة، على اعتبار أن الدواء المهرَّب تُنزع عنه لاصقة المنتج المحلّي، وتُستبدل بها أخرى تُفيد بأنه منتج أجنبي، من أجل إغراء الزبائن باستغلال ضعف ثقتهم بالأول.
ومع أن الحكومة لا تزال توفّر أدوية السرطان مثلاً، والتي قد يبلغ سعر بعضها 1500 دولار، مجّاناً، إلّا أن تأخّر وصولها في الوقت المناسب من جرّاء العقوبات المفروضة على البلد تدفع البعض إلى استحصالها من طرق أخرى، وهو ما يستغلّه المهرّبون جيداً. لكن «المصيبة» أن هؤلاء يعمدون إلى توفير الدواء كيفما كان، عبر نقله مثلاً في صندوق سيارة كغيره من السلع من دون حفظه بالطرق اللازمة، فضلاً عن أنهم يعمدون أحياناً إلى شراء أدوية منتهية الصلاحية بأسعار رمزية وبيعها بأرقام فلكية على أساس أنها منتجات أصلية، والأمر ذاته ينطبق على الدواء المباع عبر «الأونلاين».

عقدة الأجنبي
تفضيل المواطن الدواء الأجنبي والمهرَّب ليس وليد الحرب؛ فمنذ الثمانينيات، انتشرت هذه الظاهرة نتيجة عدم توافر منتج محلّي. لكن بعد ترخيص معامل الأدوية في عهد الرئيس الراحل، حافظ الأسد، بدأ الدواء المحلي يثبت فاعليته إلى درجة تصديره إلى 40 دولة، بحسب ما يقوله لـ«الأخبار» شاهين الحجي، وهو مدير العلاقات العامة في أحد معامل الأدوية المعروفة، رافضاً فكرة أن انتشار «المهرَّبات» سببه انخفاض فاعلية الدواء السوري، ومعتبراً أن المشكلة تكمن في «عقدة الأجنبي».
ويلفت الحجي إلى أن «هناك رقابة مشدّدة على الدواء السوري، فإذا أثبت أنه غير مطابق للمواصفات السورية بعد سحب عينات عشوائية من الصيدليات والمستودعات وإخضاعها للتحليل، يُسحب المنتج من السوق وقد يشمَّع خط الإنتاج. كما لا يُطرح أيّ منتج دوائي من دون موافقة وزارة الصحة بعد التأكد من فاعلية الدواء».
تَبرز أهمّية اتّخاذ خطوات من مثل دعم قطاع الأدوية بما يزيد الكمّيات المنتَجة محلّياً


وفي الاتجاه نفسه، يعتقد عضو «غرفة صناعة حلب»، وصاحب أحد معامل الأدوية المعروفة، والذي فضّل عدم ذكره اسمه، أن «الدواء السوري لا يقلّ كفاءة عن الأجنبي الذي يفضّله البعض بما فيه المهرَّب، بسبب حالة نفسية معيّنة يعزّزها بعض الأطباء والصيادلة لمصالح معيّنة».
وعن إمكانية أن يكون لارتفاع أسعار الأدوية المحلّية دور في اتّجاه المواطنين إلى مصادر أخرى، يدافع المتحدثان بأن «معامل الأدوية أُجبرت على رفع أسعارها تحت ضغط ارتفاع تكاليف الإنتاج، ووزارة الصحة قبلت بذلك تجنّباً لانقطاع الأدوية المنقذة للحياة»، مستدركَين بأن «الدواء المحلّي لا يزال، مع ذلك، يعاني من موت سريري بسبب سعره المنخفض». وينصح الحجي من يفضّل الدواء الأجنبي بـ«شراء المستورد كونه مراقَباً».

ما الحلّ؟
إزاء ذلك، تَبرز أهمّية اتّخاذ خطوات من مثل دعم قطاع الأدوية بما يزيد الكمّيات المنتَجة محلّياً، وصولاً إلى تحقيق الأمن الدوائي الذي لا يقلّ أهمية عن الغذائي، بحسب الحجي، الذي يطالب بتشكيل لجنة من معامل الأدوية، وخاصة في حلب ودمشق، كونهما تضمّان أكبر تجمّع دوائي، لمعالجة مشكلات القطاع الدوائي وتطويره. كما يشدّد على «التعاون بين الجمارك ووزارة الصحة ونقابة الصيادلة لمكافحة الأدوية المهرّبة، وإجراء جولات مستمرة على الصيدليات»، فيما يعتقد صاحب معمل الدواء أنّ «تجنّب انقطاع الدواء المحلي يُعدّ الحلّ الأفضل لمنع المهربات، وهذا يفرض وضع تسعيرة منطقية مع دعم مطلق لصناعة الدواء».