بخطى متسارعة، استعاد الملف السوري النشاط في الأوساط العربية، بعد فترة جمود على خلفية حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في غزة، في وقت بدأ فيه الحديث عن تأسيس صندوق خاص بـ«مشاريع التعافي المبكر» في سوريا، مقرّه دمشق، وتخلّي المبعوث الأممي، غير بيدرسن، أخيراً، عن تمسكه غير المبرر بالموقف الأميركي حيال عقد لقاءات «اللجنة الدستورية» في جنيف، ما يعني، في المحصلة، عودة مسار الحل الأممي إلى الحياة. فبعد سبعة أشهر على عقد أول لقاءات «لجنة الاتصال العربية» - في القاهرة -، والتي تم الاتفاق على إنشائها في أيار من العام الماضي، بعد سلسلة اجتماعات ثنائية بين دمشق وعواصم عربية عديدة، أبرزها الرياض، فضلاً عن اجتماعات على مستوى وزراء الخارجية انضمت إليها «جامعة الدول العربية» لاحقاً، ذكرت صحيفة «الوطن» السورية، أن من المقرر أن تعقد «لجنة الاتصال لقاءها الثاني في بغداد، في الثامن من شهر أيار المقبل، بمشاركة وزراء خارجية الدول المعنية (سوريا، الأردن، السعودية، العراق، لبنان، ومصر، بالإضافة إلى الأمين العام للجامعة العربية)». ونقلت الصحيفة، عن «مصادر ديبلوماسية عربية» لم تسمّها، أن زيارة وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، للرياض، الأسبوع الماضي، وما رافقها من اهتمام سعودي كبير، ساهما في الدفع بهذه الجهود إلى الأمام، ما أثمر تحديد موعد انعقاد اللجنة، وأن التوقعات تتحدث عن نتائج إيجابية ستخرج عن الاجتماع، بما يشكل خطوة إلى الأمام في مسار تطبيع العلاقات السورية - العربية.وعلى خطّ مواز، ذكرت تسريبات عديدة أن ثمة مقترحات تُدرَس لنقل مقر لقاءات «الدستورية» إلى الرياض، وخصوصاً أن هذه العاصمة شهدت تأسيس «هيئة التفاوض» المعارضة، وتتمتع في الوقت الحالي بعلاقات متينة مع دمشق، وتمثل الثقل الأبرز في «المبادرة العربية» التي تمكّنها من القيام بهذا الدور، علماً أن المبعوث الأممي الذي زار سوريا قبل أيام، وأجرى سلسلة لقاءات؛ أبرزها مع وزير الخارجية فيصل المقداد، لم يخرج بعد اللقاء بأي تصريح يؤكد التوافق على اعتماد الرياض مقراً لـ«الدستورية». ومن شأن ذلك، في حال تطبيقه، أن يفتح الباب أمام استعادة مسار «الدستورية»، بعد إجراء تعديلات في آلية عمل اللجان، بشكل يؤدي إلى الوصول إلى نتائج حقيقية على الأرض، بعدما فشلت تسع جولات سابقة في هذا المسار، فضلاً عن تنشيط «المبادرة العربية» التي عانت من حالة جمود تسببت بتأخير تطبيق العديد من بنودها، ومن بينها تنشيط مشاريع «التعافي المبكر». وكانت قد تسببت في حالة الجمود هذه، المحاولات الأميركية المستمرة لعرقلة أي اختراق للأوضاع الراهنة، سواء عبر التهديد بتوسيع العقوبات المفروضة على سوريا، أو عبر إفشال المحاولات العديدة لنقل مقر عقد اجتماعات «الدستورية» من جنيف إلى عاصمة أخرى، بعدما رفضت كل من موسكو ودمشق استمرار التئامها في الأولى على خلفية تخلّي سويسرا عن حياديتها وانضمامها إلى الحلف الأميركي - الأوروبي ضد روسيا.
ذكرت تسريبات عديدة أن ثمّة مقترحات تُدرَس لنقل مقر لقاءات «الدستورية» إلى الرياض


وفي ما يتعلق بمشاريع «التعافي المبكر»، والتي تضغط واشنطن لتجميدها، أو تخفيض آثارها كونها تفتح الباب لعودة اللاجئين السوريين، وهو ما لا تريد حصوله «من دون ثمن سياسي»، يجري الحديث، وفقاً لتسريبات تناقلها ناشطون ومراكز بحثية تنشط من بريطانيا، عن تأسيس «صندوق ائتماني للتعافي المبكر مقرّه دمشق ويعمل تحت القيادة المباشرة للمنسق المقيم للشؤون الإنسانية للأمم المتحدة، بميزانية تصل إلى 500 مليون دولار، بزيادة قدرها 500% عن التمويل المقدّم حالياً في ميزانية «خطة الاستجابة الإنسانية» لعام 2023. ويجيء الحديث عن تأسيس الصندوق ضمن خطة وثيقة حملت عنوان «استراتيجية التعافي المبكر 2024-2028»، قال ناشطون إنه جرى توزيعها على الدول والجهات المانحة، على أن يشرف على هذا «الصندوق» المنسق المقيم للشؤون الإنسانية للأمم المتحدة، والذي يتولى مهامه في الوقت الحالي آدم عبد المولى، علماً أن الصندوق سيكون ذا إطار زمني طويل، ويتمتع بالمرونة العالية، الأمر الذي من شأنه أن يجعل التعافي المبكر السمة الأبرز للاستجابة الإنسانية في سوريا من قِبل المنظمة الأممية. صندوق «التعافي المبكر» الذي يجري الحديث عنه، في حال بدأ نشاطه فعلياً على الأرض، من شأنه أن يقدم دفعة أخرى للجهود العربية المبذولة لحل الأزمة السورية، على أن تتبعه خطوات عديدة أخرى، أبرزها فتح الباب أمام عودة اللاجئين السوريين إلى بيوتهم من دول الجوار، وتخفيف القيود المفروضة على سوريا بشكل يسمح لها بالنهوض من جديد، وهي نقاط مرتبطة بجهود المبعوث الأممي، فضلاً عن مبادرة «خطوة مقابل خطوة» التي دخلت نفقاً مظلماً منذ الإعلان عنها قبل نحو عامين.