حسمت دمشق، بشكل نهائي، ملف الحج الذي غاب عنها منذ 12 عاماً، عبر إطلاق منصة إلكترونية تتيح للراغبين في أداء الفريضة التسجيل فيها، كخطوة أولى تجسّد الاتفاق الذي وقّعته وزارة الأوقاف السورية مع نظيرتها السعودية، في وقت بدأت فيه المعارضة السورية، التي تسلّمت الملف خلال العقد الماضي، الحديث عن حصة صغيرة لها تغطّي الشمال السوري واللاجئين السوريين في تركيا. وأطلقت وزارة الأوقاف السورية، الاثنين الماضي، بالتعاون مع وزارة الداخلية، منصة إلكترونية خاصة لتسجيل الطلبات حتى التاسع من الشهر الحالي، على أن يشمل التسجيل كل السوريين ممن تتجاوز أعمارهم 18 عاماً. يأتي ذلك ضمن اتفاق مع الرياض أعلن عنه وزير الأوقاف، عبد الستار السيد، بعد جولات من المحادثات استهدفت معالجة العقبات التي تحول دون إحداث اختراق في هذا الملف، والتي يتعلق بعضها بالعقوبات المفروضة على سوريا. وفيما ذكر السيد أن حصة سوريا توازي حصة بقية بلدان العالم لناحية العدد المسموح له للذهاب إلى الحج، وهو واحد من كل ألف مواطن، لفت إلى أنه بعد التسجيل سيتبيّن عدد الراغبين في أداء الفريضة، الأمر الذي يتيح المجال لاتخاذ خطوة جديدة سيتم الإعلان عنها لاحقاً، مؤكداً أن الاتفاق الذي تمّ مع الرياض يحصر هذا الملف بيد الحكومة السورية، وأن الحجاج سينطلقون من مطار دمشق الدولي.
وخلال الشهر الماضي، وبالتوازي مع تحركات دمشق لتخطّي بعض المشكلات التي تعيق إنجاح ملف الحج، بعد التوافق مع الرياض على استعادته، كثفت المعارضة السورية نشاطاتها في محاولة لفرملة هذا الاتفاق، عبر اتصالات وزيارات قام بها المسؤولون عن ذلك الملف في «الائتلاف المعارض»، وسط حديث عن تخصيص حصة للمعارضة تتولى إدارتها «لجنة الحج العليا» التابعة لها. وأصدرت المعارضة، أخيراً، بياناً أعلنت من خلاله أنها وقّعت اتفاقاً مع السعودية لتسلّم إدارة ملف الحج للسوريين في شمال غرب سوريا وتركيا لموسم 1445هـ - 2024 م. وتابعت أن «وزارة الحج والعمرة السعودية خوّلت اللجنة إدارة الملف وخدمة الحجاج السوريين المقيمين في الشمال السوري وفي تركيا بشكل مستقل ومباشر»، في وقت قال فيه «مدير الحج في الشمال السوري وتركيا»، سامر بيرقدار، إنّ السعودية دعت بشكل رسمي، رئيس لجنة الحج العليا عبد الرحمن مصطفى، إلى جدة، الثلاثاء الماضي، ووقّعت معه عقود الحج للسوريين المقيمين في الشمال وفي تركيا، لافتاً إلى أن حصة هؤلاء لعام 2024 بلغت 5200 حاج.
وأمام هذه الاتفاقات والإعلانات، تداولت مصادر إعلامية أنباء لا يمكن التأكد من صحتها - حتى الآن -، تفيد بأن الرياض خصصت لدمشق 80 في المئة من حصة سوريا مقابل 20 في المئة للمعارضة، على أن تتولى الحكومة السورية مسؤولية تنظيم هذا الملف في معظم الأراضي السورية وبالنسبة إلى السوريين في لبنان والأردن، في مقابل أن تتولى المعارضة مسؤولية الشمال السوري واللاجئين السوريين في تركيا. وتتوافق هذه الخطوة مع السياسة السعودية التي بدأت الرياض انتهاجها أخيراً، عبر لعب دور وسيط للحلّ في سوريا، بدءاً من التقارب مع دمشق الذي وصل إلى مرحلة الانفتاح الكامل، وليس انتهاءً بالإبقاء على خيوط تواصل مع المعارضة، وبشكل خاص «هيئة التفاوض» التي تأسست في الرياض، وتمثل المعارضة في محادثات المسار الأممي (اللجنة الدستورية).
والجدير ذكره، هنا، أن مسار «الدستورية» يحظى بدعم كبير من السعودية التي تدفع إلى إعادته إلى الحياة، عبر محاولة تجاوز الخلافات التي تسببت بتجميده، وعلى رأسها مشكلة انعقاده في جنيف السويسرية، وسط حديث متواصل عن إمكانية استضافة الرياض لهذه الاجتماعات. ومنذ اندلاع الحرب في سوريا، دخل ملف الحج سراديب السياسة بعدما استعملته السعودية للضغط على الحكومة السورية عبر سحبه وتسليمه للمعارضة، قبل أن تغيّر سياستها نحو سوريا وتنحو إلى الانفتاح، لتتسلّم الحكومة السورية إدارته بشكل طبيعي. ومع ذلك، تستثمره الرياض في الإبقاء على خطوط تواصلها مع المعارضة عبر حصة صغيرة، في انتظار ما ستؤول إليه جهود الحل السياسية، والتي تأتي هذه المرة في إطار مبادرة عربية مدعومة من «الجامعة العربية»، والرياض وبغداد وعمّان والقاهرة.