في خطوة من شأنها أن تُمأسِس العمل المشترك بين بغداد ودمشق وطهران في ملفات قضائية وأمنية عديدة شائكة، بدأت لجنة سورية - عراقية قضائية مشتركة، أعمالها أمس، في وزارة العدل السورية، بحضور إيراني، من أجل الاتفاق على بنود مذكّرة مشتركة للتنسيق القضائي بين البلدان الثلاثة. وتعتبر هذه المذكّرة متمّمة لاتفاق عراقي - إيراني سابق، كانت طلبت سوريا الانضمام إليه، فيما من المقرر إقرارها خلال لقاء تستضيفه بغداد في شهر تموز المقبل، على أن تركّز بشكل أساسي على ملف محاربة الإرهاب، عن طريق تأسيس مكاتب توثيق خاصة لمتابعة الجرائم الإرهابية المرتكبة، وإصدار مذكّرات ادّعاء بحق مرتكبي تلك الجرائم وملاحقتهم، بمن في ذلك الضالعون في العدوان الإسرائيلي الأخير على القنصلية الإيرانية في دمشق. وإضافة إلى ما تقدّم، ستتيح المذكّرة متابعة الإجراءات القضائية والقانونية الممكنة لملاحقة ومعاقبة المنفّذين والمتورطين في اغتيال قائد «فيلق القدس» التابع لـ«الحرس الثوري الإيراني» قاسم سليماني، والقيادي في «الحشد الشعبي العراقي» أبي مهدي المهندس، مطلع عام 2020. وفيما يرأس الوفد السوري للاجتماع القضائي الذي تستضيفه وزارة العدل السورية وينتهي اليوم، رئيس محكمة النقض المستشار حسن شاش، يشارك فيه من الجانب العراقي، وفدٌ برئاسة القاضي ليث جبر حمزة، رئيس «هيئة الإشراف القضائي»، وعضو «مجلس القضاء الأعلى»، إلى جانب عدد من القضاة وأعضاء «الادّعاء العام» في المحاكم العراقية. ويهدف عمل «اللجنة القضائية المشتركة»، بحسب تصريحات وزير العدل السوري، أحمد السيد، إلى «تعميق وترسيخ العمل والتعاون بين الدول الثلاث من أجل مكافحة الإرهاب، والعمل على تفعيل القانون الدولي، للحد من التجاوزات الجسيمة لقواعده بدءاً من الاعتداءات الإرهابية المتكررة على الأحياء السكنية الآمنة، والمقرات الدبلوماسية، ونهب وسرقة موارد وثروات سورية، وغيرها من الانتهاكات المرتكبة من قبل كيان الاحتلال الإسرائيلي وبعض الدول الغربية». ونقلت جريدة «الوطن» السورية، بدورها، عن مصادر قضائية، أن الاجتماع يستهدف «الاتفاق على ملفات ستتم متابعتها في المحاكم الدولية المختصة، بالإضافة إلى المساهمة في تبادل الخبرات والمعلومات في مكافحة الإرهاب وتجارة المخدّرات، وتحديد المحاكم المتخصصة في النظر في دعاوى مواطني البلدان الثلاثة».
وعلى خط مواز، يزور وفد عراقي أمني برئاسة اللواء أحمد الزركاني، «المدير العام لمكافحة المخدّرات» في وزارة الداخلية العراقية، دمشق، لإجراء مناقشات مع مسؤولين في وزارة الداخلية السورية حول ملف مكافحة المخدّرات. وتمثل هذه الزيارة جزءاً من جهود سورية - عربية مشتركة في إطار «المبادرة العربية» التي تضم كلاً من السعودية ومصر والأردن والعراق وسوريا و«الجامعة العربية»، والتي تتضمن بنداً واضحاً يتعلق بمكافحة المخدّرات، إلى جانب ملفات أخرى تتعلق بدفع العملية السياسية وفتح الباب أمام عودة اللاجئين والنازحين السوريين. وكانت دمشق وعمّان عقدتا سلسلة لقاءات في هذا الشأن، وتم تأسيس غرفة مشتركة لتبادل المعلومات المتعلقة بعصابات تهريب المخدّرات، والتي استثمرت الفراغ الأمني الذي خلّقته الحرب في سوريا، بالإضافة إلى خروج مناطق عديدة عن سيطرة الحكومة السورية.
وبدا لافتاً تزامن الحراك السوري - العراقي - الإيراني مع تحرك معاكس في مجلس النواب الأميركي الذي أقر بالأغلبية قانون عقوبات جديداً على سوريا، يحمل اسم «كبتاغون 2»، في إطار زيادة الضغوط على الحكومة السورية وعرقلة المبادرة العربية، واختلاق ذريعة للإبقاء على القوات الأميركية غير الشرعية في سوريا، بالإضافة إلى منع فتح الباب أمام عودة النازحين «من دون ثمن سياسي». ولا يزال مشروع القانون الجديد، يتطلب الموافقة عليه في «مجلس الشيوخ» من ثم إحالته إلى إدارة الرئيس جو بايدن، للموافقة عليه، قبل أن يتحول إلى قانون نافذ، علماً أنه يتضمن قائمة بأسماء مسؤولين سوريين يدعو إلى معاقبتهم، معظمهم مدرجون بالفعل في قوائم عقوبات سابقة، فيما لا يتضمن إضافات تُذكر على القانون السابق، الذي ركّز على قطاع الصناعات الدوائية السورية. والجدير ذكره، هنا، أنه بعدما نجا القطاع المذكور - إلى حد ما - من آثار الحرب وتمكّن من الاستمرار، تسعى واشنطن إلى إحباطه لتعميق الضغوط الاقتصادية على سوريا، بعد أن عملت على مدار سنوات الحرب الماضية على خنق الاقتصاد عبر كل السبل الممكنة، بما فيها منع وصول النفط والطاقة، وإغلاق طرق الاستيراد والتصدير، وشل الحركة المصرفية وغيرها.